د. مؤيد عبد الستار
بعد سقوط النازية في المانيا وخسارتها الحرب ، ادرك الاوربيون حجم الخراب الذي حاق بهم ، بحثوا بعمق عن اسباب ما اصابهم من وباء النازية ، فاستنتجوا ان الحض على الكراهية والادعاء بالتفوق العنصري على الاخرين من اسباب الازمة التي عصفت باوربا وادت الى حرب ضروس اعلنها هتلر واركان حزبه النازي .
ما ان تفرغت اوربا لبناء ما دمرته الحرب ، وجدوا ان عليهم بناء الانسان ، ومنع اصابته بعاهة العنصرية والكراهية ، فاصدروا القوانين التي تمنع الدعوة الى الكراهية ، ومنعوا رفع اي شعار نازي بدء من الصليب المعقوف وانتهاء بالتحية العسكرية النازية التي كان يؤديها هتلر واتباعه .
ان دولة مثل السويد لم تصب بدمار الحرب العالمية الثانية ، الا انها تعنى كثيرا في منع تداول الشعارات النازية وتحاسب على التحريض على الكراهية والتمييز العنصري .
كذلك ما حدث في اليونان قبل ايام حين أدى لاعب كرة قدم التحية النازية ، حرمه الاتحاد اليوناني من اللعب مدى الحياة عقوبة له على ما قام به من عمل غير مشروع . هكذا تحاول الدول والمجتمعات الاوربية تحصين بلدانها وشعوبها من امراض العنصرية والكراهية مخافة الانزلاق في اتون الحروب العبثية التي تصنعها الافكار المريضة ، فالحرب تبدأ اولا في العقل المريض ثم تنتقل الى ساحة المعركة على الارض .
ان نشر ثقافة التسامح والتعايش مع الاخر المختلف ضرورة لمجتمعاتنا الشرقية التي عانت وتعاني من شروخ قاسية في فهمها للمقابل وعدم هضمها للمختلف عنها بسبب العوامل التاريخية التي ما زالت تتحكم بها مثل القيم البدوية والرعوية والقبلية ، التي لم ترقى الى مستوى المجتمع المديني ، المجتمع المكون من قبائل مختلفة ومن شعوب واجناس متعددة ، مثل الشعب العراقي الذي يتشكل من مختلف القوميات والاثنيات والاديان والمذاهب منذ مئات السنين.
يثبت تفشي مرض الكراهية ضرورة تثقيف المواطنين بعواقب العنصرية والكراهية والتمييز العنصري والديني والمذهبي وتكفير الاخر ، لذلك يجب الاهتمام بالبرامج التعليمية وفسح المجال امام منظمات المجتمع المدني الجادة كي تأخذ دورها في نشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك والقبول بالاخر .
ما يؤسف له تكرار مشاهد التحريض على الكراهية ، واطلاق الصرخات العدائية من على منصات الخطاب الاحتجاجي في بعض المحافظات التي ترفع شعارات معادية للاخر بشكل صارخ ، وان بعض مطلقي تلك الصرخات من رجال الدين و السياسيين الذين يتحملون مسؤولية كبيرة في تصرفاتهم غير الحكيمة ، واذا كان القانون يتساهل مع المواطن البسيط غير المتعلم ، فلا اظنه يتساهل مع السياسي الذي اختار ان يكون في موقع المسؤولية ، لذلك فان اي تحريض على العدوان والبغضاء والكراهية يعرضه للمساءلة القانونية ان لم يكن اليوم فغدا ، حتى ان نجا من العقاب اليوم فلن يسامحه التاريخ في المستقبل وسيبقى يحمل خطيئة التحريض على العدوان في سجل شعبه الذي يتوقع منه عمل الخير ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره .
1214 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع