مشعل السديري
لا أظن أن هناك حكمة وبلاغة مصفاة ومختصرة أكثر من (الأمثال)، والغريب أن الغالبية العظمى منها متشابهة بل ومتطابقة بين شعوب الأرض جميعا، أبيضها على أسمرها على أحمرها على أسودها على أصفرها، لا فرق بينهم (ألبتة)، وبجميع الأماكن وجميع اللغات واللهجات، رغم أنهم قد لا يكونون تقابلوا أو تصاهروا أو احتكوا بعضهم ببعض.
ولو أخذنا نماذج مختصرة من الأمثال الإنجليزية وقارناها بالعربية نجدها متطابقة في أزمان مختلفة، رغم أن مبدعيها لا يعرفون بعضهم بعضا، ولا يحسنون أو يفهمون لغات بعضهم بعضا، وإليكم النزر اليسير من هذه النماذج:
الإنجليز يقولون بما معناه: الولد مثل أبيه، يقابلها بالعربية: من شابه أباه فما ظلم. وهم يقولون: النظافة أقرب إلى التقوى، ونحن نقول: النظافة من الإيمان. وهم يقولون: الإحسان يبدأ في البيت، ونحن نقول: الأقربون أولى بالمعروف. وهم يقولون: لا يوقع الثعلب نفسه في الشرك مرتين، ونحن نتأسى بالحديث الشريف القائل: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وهم يقولون: مقتل الرجل بين فكيه، ونحن نقول: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. وهم يقولون: الثمرة المحرمة حلوة، ونحن نقول: كل ممنوع مرغوب.. .
وهكذا وهكذا وهكذا، إلى ما شاء الله.
غير أن هناك مثلا عندنا لا أظن أنه عندهم ولا عند غيرهم من الشعوب، وقبل أن أحكيه لكم لا بد أن أروي لكم هذه الواقعة: فقد أردت يوما أن أمتدح رجلا فقلت له: إنك تشبه (ديك مربد)، فغضب مني غضبا شديدا إلى درجة أنه كاد يمد يده عليّ، لولا لطف الله، وتدخل البعض في الوقت المناسب.
وهو مثل يضرب بالرجل البسيط الذي يجلب النفع الكثير.
فيقال: إن مربد هذا رجل فقير لديه ديك قديم الصحبة نشأ في داره، فلما أقبل عيد الأضحى، وخلا بيته من كل خير ولما أراد أن يغدو إلى المصلين، أوصى امرأته بذبح الديك، واتخاذ الطعام لإقامة رسم العيد، فعمدت المرأة لتمسكه، فجعل يصيح ويثب من جدار إلى جدار، ومن دار إلى دار، حتى أسقط على هذا من الجيران لبنة، وكسر لذلك غضارة، وقلب للآخر قارورة، فسألوا المرأة عن القصة لتعرضها له، فأخبرتهم، فقالوا: والله ما نرضى أن يبلغ حال أبي إسحاق إلى ما نرى - وكانوا هاشميين مياسير أجوادا - فبعث بعضهم إلى داره بشاة وبعضهم بشاتين، وأنفذ بعضهم بقرة، وتغالوا في الإهداء حتى غصت الدار بالشياه والبقر، وذبحت المرأة ما شاءت، ونصبت القدر، وعندما رجع مربد إلى منزله، استنشق روائح الشواء، فقد امتزجت بالهواء، فقال للمرأة أنى لك هذا الخير؟ فقصت عليه قصة الديك، وما ساق الله إليهم ببركته من الخيرات، فامتلأ سرورا، وقال لها: احتفظي بهذا العلق النفيس، وأكرمي مثواه، لأن الله تعالى فدى هذا الديك بكل هذه الشياه والبقر.
ويا ليتني كنت (ديك مربد)، ولكن كم من ديك ودجاجة يقرأون كلامي هذا الآن؟!
2179 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع