موفق نيسكو
قراءة في صحف عربية قديمة (الآشوريون إحدى بلايا الشرق العربي)
إن الآشوريين والكلدان الحاليين لا علاقة لهم بالكلدان والآشوريين القدماء، إنما هم من أسباط إسرائيل العشرة الذين سباهم الآشوريون والكلدان القدماء، والذين بلغ عددهم أكثر من 500 ألف شخص، وكانت لغتهم هي الآرامية (السريانية) التي أقصت العبرية منذ أيام السبي، وعند قدوم المسيحية اعتنقوها وخضعوا لكنيسة أنطاكية السريانية عاصمة سوريا والشرق ومسؤولة مسيحي الشرق (آسيا)، ولأن لغتهم كانت السريانية، فاسمهم في التاريخ هو السريان الشرقيين، أي شرق نهر الفرات، وسميت كنيستهم بالسريانية الشرقية، ومقر كنيستهم كان المدائن عاصمة الفرس، ولذلك تسمَّى كنيستهم الفارسية أيضاً، ولأن أصولهم عبرية،كانوا شديدي التذمر وانفصلوا تحت ضغط الفرس عن أنطاكية سنة 497م، واعتنقوا المذهب النسطوري، ولذلك اسمهم المشهور هو، النساطر، وحتى بعد اعتناقهم المسيحية بقيت عندهم النظرة العبرية قوية، خاصة لدى نساطرة الجبال الذين عاشوا في عزلة أكثر من نساطرة السهول، الذين انتمى أغلبهم للكثلكة سنة 1553م، لتُسمِّيهم روما لأسباب سياسية عبرية، كلداناً، أما الذين بقيوا نساطرة فسمَّاهم الإنكليز، آشوريين، لنفس الأغراض، ومع أنهم مسيحيين، لكنهم يقولون، إننا يهو-مسيحيين.
إلى سنة 1912م، اهتم الكلدان بالأمور الدينية، أمَّا النساطرة (الآشوريون)، فتركوا كل شي ديني وعملوا بالسياسة فقط من أجل إقامة إقليم باسم آشور، وسنة 1912م ثارت حمية المطران الكلداني السياسي أدي شير لتقاسم الكعكعة مع أخوته الآشوريين في دولة كلدو أثور المزعومة المقبلة، فاخترع عبارة كلدو وأثور، وبسبب الحرب الأولى نزح إلى العراق آلاف النساطرة من إيران تركيا، وقام الإنكليز بإسكانهم في مخيمين، الرئيس قرب بعقوبة سُمِّي (مخيم الأشوريين)، و(مندان) افتتح سنة 1920م 30 كلم قرب الموصل، وكان مخيم بعقوبة بإمرة الجنرال هنري اوستن وتحت إمرته جورج ريد آمر سرية الحماية الذي لعب دوراً بمساعدة النساطرة سياسيا وقومياً بتسميتهم، آشوريين، أمَّا عضو البعثة التبشيرية الأنكليكانية، والسياسي، الدكتور وليم ويكرام مروِّج الاسم الآشوري، فعينته الحكومة البريطانية ضابطاً سياسياً لحل مشاكلهم، وهؤلاء اللاجئين أنكروا الجميل، وتحالفوا مع الانكليز، فبعد ثلاث أشهر من وعد بلفور، أخذ الآشوريون وعداً من الكابتن كريسي في 28 كانون ثاني 1918م بإقامة إقليم آشور العبري، لكن بثوب يهو-مسيحي، ووضعت نقاط الوعد في بيان المندوب السامي البريطاني السير هنري دوبس في 31 أيار 1924م.
كان البطريرك النسطوري بنيامين له تطلعات قومية آشورية، وكان الروس قد منحوه في نيسان 1917م وسام صليب القديسة حنة تقديراً لخدماته في الميدانين العسكري والمدني (وليس الديني)، مع كمية من الأسلحة، فشكلوا أفواجاً عديدة، ومنها جيش الليفي فيما بعد لخدمة الانكليز وضرب العراقيين، واغتيل بنيامين على يد الأغا الكردي سامكو سنة 1918، فصعد الحس القومي لدى الآشوريين أكثر، وخلفه أخيه بولس وتوفي في مخيم بعقوبة سنة 1920، فخلفه ابن أخيه داود، واسمه، إيشاي وتم تعينه بطريركاً وهو في سن 12 سنة، لأن نظام البطريركية هو وراثي-عبري، وحسب شهود عيان عند رسامته كان ينظر من الشباك بحسرة إلى زملائه الذين يلعبون خارجاً، ويقول هاري جارلس الذي زار الموصل سنة 1925م في كتاب، "الموصل وأقلياتها": لنترك بطريرك النساطرة يلعب كرة قدم مع زملائه الأولاد في ساحة على مشارف الموصل، لنفهم كيف يمكن لفتى لاجئ من جبال هكاري عمره ستة عشر سنة، ونحن نراه رئيس واحدة من أقدم الكنائس المسيحية )ص56 ,1925مMosul and its minorities, London, Harry charles luke,).
لعب الساسة والمبشرون الانكليز دوراً في تهيج هؤلاء النساطرة وتقديمهم للعالم زوراً على أنهم أحفاد الآشوريين والكلدان القدماء، وأن مأساةً حلَّت بأحفاد شلمنصر ونبوخذ نصر، فألفوا عدة كتب كالآشوريين في التاريخ، وألف الضابط ستافورد، كتاب مأساة الآشوريين، وويكرام، كتاب الآشوريون وجيرانهم، وكتاب"حليفنا الصغير، The smalles ally"، مقتبساً التعبير من رئيس أساقفة كانتربري Randall Tomas Davidson (1903–1928م) في خطابه أمام مجلس العموم البريطاني حيث استعمل (حلفاؤنا الآشوريين) إشارة إلى النساطرة (أُضيف كجزء 17 إلى كتاب ويكرام، مهد البشرية)، وأخذت الصحافة الإنكليزية تردد نغمة الوطن القومي للأشوريين في شمال العراق، فحول هؤلاء الغربيون، تاريخ السريان النساطرة الكنسي، إلى تاريخ الآشوريين والكلدان، فصدَّق النساطرة أنهم فعلاً، آشوريين وكلدان.
بعد أن أطلق الإنكليز اسم الآشوريين على النساطرة لأغراض سياسية عبرية، أطلق ويكرام على الآنسة سورما عمة أيشاي والوصية عليه لأنه قاصر، لقب "الخانم، السيدة ذو السيادة المطلقة"، وأيد اللقب ملك بريطانيا جورج الخامس (1910–1936م) بناء على طلب زوجته ماري من تيك، وغَدت سورما القائد القومي للآشوريين سياسياً، تكتب ويُكتب لها، وتقود الفصائل العسكرية المقاتلة، وتستعطف الأنكليز أنها من بني إسرائيل، ووجهت رسالة إلى مدام ماركوليوث زوجة الأستاذ ديفيد صمؤئيل ماركوليث من الكنيسة الأنكليكانية سنة 1915م، تشكو وضعية شعبها مُشبَّهةً الآشوريين النساطرة بالإسرائيليين، وشمال العراق أرض أجدادها (التوراتي)، فتقول: نحن اليوم ومعنا البطريرك بَدو رُحَّلْ حقيقيون، تماماً كما كان وضع الإسرائيليين تحت قيادة موسى، وأُشبِّه أخي داوود بهارون العبرانيين بلحيته البيضاء، أمَّا أنا فأُشبِّه نفسي بمريم أخت موسى وهارون، وعوضاً عن مبنى الكنيسة، هناك خيمة لإقامة الصلوات الطقسية والقداديس، خيمتنا تشبه خيمة تابوت العهد، لذا أُسمِّيها خيمة تابوت العهد الآشورية، تاريخنا يتحدث عن معارك مع الأعداء كما كان للإسرائيليين معارك مع الكنعانيين، أعدائنا يمنعوننا من العودة إلى أرض آبائنا وأجدادنا!.(كيرولبيل يعقوب، سورما خانم، ص109).
وعندما عُيَّن الكولونيل الإنكليزي جيرارد ليجمان حاكماً للموصل سنة 1919م أوعز إلى رئيس تحرير جريدة الموصل، أن تَطلق على سورما لقب "الأميرة الأشورية"، وأن صاحبة السمو موجودة في لندن لزيارة المراجع البريطانية بشأن إنشاء وطن قومي للأشوريين الكلدان شمال العراق، فاستغرب رئيس التحرير، وكان مسيحي كلداني وأخذ يشرح لليجمان أنه لا يوجد قوم باسم، آشوريين كلدان، ولا أميرة، وهؤلاء هم نساطرة ينظر إليهم أهل الموصل كأكراد، وطرح هذه النغمة سيشكل شقاقاً بين أهل الموصل من المسلمين والمسيحيين، وبين المسيحيين أنفسهم، لكن ليجمان أصر على ذلك، وبدأ الآشوريون يخلقون مشاكل في مدينة الموصل، ويقول السياسي السويدي E.af.Versen رئيس لجنة الموصل في عصبة الأمم المتحدة التي تشكَّلت في أيلول 1924م في زيارته للموصل سنة 1925م، إنه التقى رجال دين مسيحيين، وعندها سمع لأول مرة بالآشوريين. (جرجيس فتح الله، يقظة الكرد، ص340)، وفي 5 حزيران 1926م، منحت بريطانيا سورما خانم وسام الفروسية (Order of the British Empire) المعروف اختصاراً (OBE) مع عدة ألقاب فخرية، وهي المرة الأولى يتم فيها منح هذا الوسام لامرأة، وتم تقليدها الوسام في مدينة الموصل في 3 شباط 1929م.
دخل الآشوريون في صراع مع الدولة العراقية يساعدهم بعض الكلدان أيضاً، حيث كانت بعض تواقيع القادة السياسيين والعسكريين باسم كلدو وأثور، وأُرسِل إيشاي إلى انكلترا سنة 1925م للدراسة في مدرسة القديس اغسطينوس تحت إشراف رئيس أساقفة كانتربري دافيدسن، وكان يتقاضى راتباً، وعاد سنة 1929م مراهقاً في ريعان شبابه عميلاً إنكليزياً بامتياز، وكله حماس واندفاع لتكوين الأمة الآشورية الموعودة من أسياده الانكليز، حيث كان يُوِّقع، "خادمكم المُطيع"، فصدَّقت رعيته البسطة (الغشيمة) أنها فعلاً آشورية، وتقدَّم بطلب تشكيل منطقة آشورية بزعامته تمتد من مدينة كفري جنوب كركوك إلى ديار بكر شمالاً، مرورا بمناطق الموصل وحولها، إلى عقرة، العمادية، دهوك، زاخو، وفي رد إيشاي على برقية وزير الداخلية العراقي المرقمة 1104 في 28 أيار 1933م يقول: إن سلطة بطريركيتي تاريخية عظيمة واستعمالها موروث عن تقاليد الشعب والكنيسة الأشورية، وإنني لم ادّعِ بالسلطة الزمنية، وإنما ورثتها من قرون رسمياً من قِبل الملوك الساسانيين والخلفاء المسلمين ومغولي خان وسلاطين عثمان (عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية ج3 ص271–272).
علماً أنه لا يوجد اسم كنيسة آشورية ولا آشوريين في التاريخ المسيحي مطلقاً، ولا أي اعتراف تاريخي باسم الأشوريين، ولا كلدان، بل اعتراف بكنيسة فارس من قِبل الساسانيين، وباسم النساطرة من الخلفاء المسلمين، ومنهم العثمانيين، وهو اعتراف لسلطة دينية، لا دنيوية، وقد ظل الكلدان الذين انشقوا عن النساطرة وأصبحوا كاثوليكاً يعانون مدة طويلة حيث لم يكن بالإمكان إخراج وثيقة باسم الكلدان من الدولة العثمانية بالرغم من المطالب التي قدمها بطاركة الكلدان إلى السلطات لأنها كانت تصدر باسم النساطرة استناداً إلى السجلات العثمانية التي لم تكن تعرف أن الكلدان أصبحوا طائفة مستقلة عن النساطرة، (القس بطرس نصري الكلداني، ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ج2 ص308، وأرجو الانتباه إلى اسم أشهر كتاب لتاريخهم، أنهم سريان، والمؤلَّف هو كاهن كلداني، والكتاب مصادق عليه من بطريرك الكلدان جرجس الخامس سنة 1897م، وطُبع 1905م، وإلى اليوم أشهر كتاب تاريخي آخر هو للأب الكلداني ألبير أبونا المعاصر، اسمه، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، لا كلدانية، ولا آشورية)، علماً أنه إلى نهاية الدولة العثمانية كان فيها 12 ملة فقط، لا توجد بينها، الآشوريين، والملل هي: الرومية، الرومية الكاثوليكية، الأرمنية، الأرمنية الكاثوليكية، السريانية القديمة (الأرثوذكس)، السريانية الكاثوليكية، الكلدانية، البروتستانية البلغارية، الموسوية، قارائي الموسوية، واللاتينية.(صبحي اكسوي، توما جليك، ترجمة د. محمد يوفا، تاريخ السريان في بلاد ما بين النهرين ص297). مع ملاحظة مهمة: إن أول اعتراف بملّة الكلدان كان في عهد البطريرك نيقولاس زوعا 1844م، لأن الكنيسة الكلدانية سُمَّيت كلدانية سنة 1830م، (البطريرك الكلداني لويس ساكو، مختصر تاريخ الكنيسة الكلدانية، ص41-42)، وحصلت على البراءة السلطانية من السلطان عبد الحميد سنة 1901م عندما زاره بطريرك الكلدان عمانوئيل يوسف. (رشيد خيون، الأديان والمذاهب في العراق، ص190)، بينما الكنيسة النسطورية سُمِّيت آشورية (ومن لندن!!) في 17 ت1، 1976م.
وحتى إيشاي وسورما خانم يعترفان بذلك، ففي الرسالة التي وجهها إيشاي في 15نيسان 1952م إلى السفير البريطاني في واشنطن، يقول: كما تعلمون أن كنيستنا عريقة، وعُرفت في التواريخ الإسلامية "بكنيسة النساطرة". (أرشيف الخارجية البريطانية، وزارة شؤون المستعمرات، ملف رقم PRO.F.O371\98778)، وفي الرسالة التي وجهتها سورما خانم بتاريخ 17 شباط 1920م إلى وزير خارجية بريطانيا اللورد George Curzon تطالب فيها حماية شعبها وتقول: لقد سمحت لنفسي أن أكتب هذه الرسالة وأوجهها لسيادتكم بكوني ممثلة للآشوريين الذين عُرفوا رسمياً في السابق "بملّة النساطرة". (سورما خانم، ص117).
أثَّروها حتى ثوَّروها
بعد مفاوضات طويلة للحكومة العراقية مع إيشاي لإقناعه، فشلت، وفي آب 1933م حدث نزاع مسلح اصطدام فيه الآشوريين مع الحكومة العراقية في مدينة سميل، راح ضحيته ناس بسطاء غرر بهم إيشاي وعمته وقدموهم حطباً لمطامحهم الشخصية كما وصفهم بعض الكتاب المعاصرين للإحداث، واستطاع الجيش العراقي إخماد التمرد، فالإنكليز بتسميتهم النساطرة آشوريين، "أثَّروها حتى ثوَّروها"، أي جعلوا من النساطرة آشوريين، فصدَّقوا وثاروا.
وتم سحب الجنسية من إيشاي وفقاً للمادة الأولى والثانية لقانون الجنسية التي تخول سحبها لمن جاء إلى العراق قبل الحرب الأولى، وقد رفع قسم من رعية إيشاي من مطارنة وكهنة وعلمانيين عرائض إلى الحكومة العراقية وعصبة الأمم المتحدة تصف إيشاي برئيس عصابة عاصية شريرة ناكرة للمعروف، وغادر أيشاي أولاً إلى فلسطين، لكن اليهود لم يستقبلوه لسببين، الأول، إن إسرائيل لم تكون قوية بعد، والثاني، لأن اليهود يعتبرون النساطرة يهوداً مرتدين عن اليهودية، فعقد مشاورات مع البريطانيين هناك، ثم سافر واستقر في أمريكا، وسنة 1970م، استقبله العراق وأعاد له الجنسية وكنائسه وأكرمه مُرَّحباً بعودته والاستقرار في العراق، لكنه عاد إلى أمريكا مصطحباً خادمة له هي، الآنسة إمامة بنت الشماس الإنجيلي شمشون شمعون، وكان عمرها أربعاً وعشرين سنة، فتزوجها سرَّاً، وعندما انكشف أمره استقال سنة 1973م، وأنجب منها طفلاً، فقتله داود ياقو ملك إسماعيل في 6 ت2، 1975م في سان هوزي، وكانت زوجته حاملاً بطفل ثاني (أشهر6) وُلد بعد موته، وقصة زواجه وتكليله (الصلاة عليه وزوجته) طريفة، لكنها ليست موضوعنا.
وقد انتقدت الصحف العراقية وصحف عربية موقف الآشوريين التياريين معتبرتهم خونة، ويُسمِّيهم الأب الكرملي في مجلة لغة العرب (المُتعرقين، وسننشرها مستقبلاً)، أمَّا جريدة الفتح المصرية في عددها 358 في آب 1933م، فقد وصفتهم (الآشوريون إحدى بلايا الشرق العربي)،
ونرفق الصحيفة، وصورة البطريرك إيشاي بعمر 12 و14 سنة، والسؤال هل هذه كنيسة أم حزب سياسي، أم مهزلة؟، وهل صدَقَ البطريرك الكلداني عمانوئيل دلي عندما صرح سنة 2005م: إن اسم كلدو وأثور سيجعلنا أضحوكة للعالم؟.
وشكراً/ موفق نيسكو
4594 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع