د. فاضل البدراني
التعليم الاهلي دار دور نوري وگع بالتنور
الذي نفهمه ان العلم والمعرفة قوة وسلاح فعال إن لم يوازي المال والعتاد العسكري، فانه يتفوق عليه، وقد طالعتنا بلدان العالم المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة الاميركية في تسعينيات القرن الماضي بصناعة "علم التجهيل" بكونه أحد العلوم الذكية الجديدة، مع انه علم قديم يتعامل مع تكييف العقول وترويضها وله منهجيات ومساقات تدرس في الجامعات ،لكن غير مصرح به للآخرين، اذ اقترنت وظيفة هذا العلم بلجان العلاقات العامة منذ الحرب العالمية الاولى وبدايته كانت بتضليل الرأي العام الاميركي واقناعه بدخول الحرب آنذاك، ولا بد من الاشارة الى ان ذلك جاء وفق خطط استراتيجية تخدم مصالح الولايات المتحدة لتجعلها تتولى الصدارة في ادارة العالم بدلا عن بريطانيا، و"علم التجهيل " الذي يقول عنه نعومي تشومسكي أنه الصنعة التي تعتبر الابن الاصيل للحكومة الاميركية، يستند الى ثلاث قنوات ،هي ( بث الرعب والخوف واثارة الشكوك وصناعة الحيرة لدى الناس)، وهذه تأتي متسقة تماما بما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون، وقد طبقتها الادارات الاميركية في احتلال بلدان منها العراق وقبلها افغانستان وتدمير أخريات مثل ليبيا وسوريا واليمن وتونس، والقائمة تطول للأسف في البيئة العربية، ضمن منهج ما كان يعرف بأسم لجنة الاعلام الأمني التي تقوم بشن الحملات الاعلامية المعروفة عن الاعلام الاميركي.
وفي مقاربة واقعية للحالة فان بلدان النهضة الحديثة مثل اليابان وماليزيا وحتى تركيا البلد الجار للعراق فانها لا تملك النفط والغاز لكنها تمتلك العقول المبدعة ،التي هي من نتاج الجامعات والمدارس المتقدمة .. انما الذي يحيرنا حاليا أن الدولة العراقية اخذت تسير بمنهج "علم التجهيل" وجعلته منهج عمل في وزارتي التعليم العالي والتربية ،اذ شرعت الوزارتين على انفتاح غير مسبوق في السنوات الاخيرة نحو منح موافقات أفتتاح الجامعات والكليات الاهلية بشكل يفوق الجامعات الحكومية ،وبطريقة ذات مدلول تجاري بحت بغض النظر عن المستوى العلمي ،حتى اننا عندما نلتقي ببعض اصحاب هذه المشاريع التجارية ( الكليات والجامعات) نجدهم لا يفكرون سوى بالجانب المادي، والطالب لا يعد سوى زبون مستهلك يحسب أشهر السنة الدراسية لكي ينجح وبدرجات عالية دون دراسة وعناء وتمكين معرفي وعلمي ،باستثناء عدد محدود جدا من تخصصات علمية ،وهذا الرأي يشهد به كل اساتذة الجامعات الذين يمارسون التدريس .
واما وزارة التربية فهي الاخرى اصبحت لها الاسبقية على شقيقتها التعليم العالي، وبفضل قراراتها تحولت الكثير من البيوت السكنية الى مدارس اهلية ذات (يافطات) براقة بملاكات تعليمية في غالبيتها غير مؤهلة للتعليم، والدليل اصبحنا في الجامعات نتلقى مخرجات تمثل امية حقيقية امام الحرف العربي ،ونقوم بمهمة تعليم الطالب الكتابة والقراءة على طريقة (دار دور نوري وكع بالتنور) ومن الواضح ان الدولة العراقية اخذت تمارس منهج التجهيل وبخطط بعيدة عن النهوض بالواقع التعليمي والتربوي، ضمن ما يطلق عليه "خصخصة التربية والتعليم "، بمعنى تدمير العراق عبر قطاعي التربية والتعليم فالعراق لا يخدمه سوى منهج مركزية التعليم ضمن اشراف مؤسسات الدولة المختصة، وكذلك التقنين الى حد كبير من الجامعات والكليات والمدارس الاهلية . واليوم كل من هب ودب يمنح اجازة فتح مدرسة اهلية، في ظاهرة خطيرة، والتربية تعلم جيدا ماذا يحصل من حالات تهاون وتراجع في المستوى العلمي .. ويعد الاقبال الشديد لأصحاب رؤوس الاموال المؤثرين على مصادر القرارات الحكومية، بتوغلهم في عمق الحالة والتأثير على اجهزة ادارة العقول في الدولة العراقية ،صاروا من ينطبق عليهم الرأي ب" ادوات صناعة التجهيل" ، وتحولت الكثير من كليات وجامعات التعليم والمدارس الاهلية الى مشاريع يتسابق فيها اصحاب الثراء بنفس سباقهم على اجازات افتتاح مطاعم الباجه والكباب والقوزي، فأصبحت الجامعة توازي الباجة والقوزي يوازي الكلية، والكباب يوازي المدرسة.. لا يا اصحاب الشأن ما هكذا تدار عملية صناعة العقول ومسؤولية بناء المجتمع، فهي ليست مطاعم صناعة الطعام .
وينبغي ان نشيد بقرارات وزارة التعليم في اقليم كردستان العراق باغلاق معظم الدراسات المسائية بالكليات الاهلية بنسبة تصل الى 70 بالمئة ،في محاولة منها للحفاظ على الرصانة العلمية .
1181 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع