بقلم: الدكتور أكرم عبدالرزاق المشهداني
شخصية قانونية فقدها العراق
الدكتور طارق علي الصالح في ذكراه الاولى
كثيرة هي الشخصيات التي افتقدها العراق من علمائه ومفكريه ومثقفيه والناشطين في مختلف المجالات، وإن فقد كل واحد من هؤلاء يُعد خسارة للوطن، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لمثل هذه الشخصيات، وممن فقدناهم قبل عام مضى وفقدهم العراق الأستاذ الدكتور طارق علي الصالح الناشط القانوني والحقوقي المتميز ورئيس جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا الذي انتقل لجوار ربه في سبتمبر 2017 على أثر مرض عضال.
والراحل هو من مواليد بغداد 1946 دخل كلية الشرطة (الدورة 21) عام 1964 وتخرج منها عام 1967 وبعد تخرجه التحق بالدراسة في كلية القانون بالجامعة المستنصرية ببغداد ونال شهادة البكالوريوس في القانون منها عام 1971. وشغل الراحل مناصب حقوقية في مديرية الشرطة العامة منها مشاور قانوني، وعضو محكمة الشرطة الدائمة ودخل المعهد القضائي وتخرج منه قاضياً. واوفد ببعثة دراسية في المملكة المتحدة عام 1986 حصل على أثرها على شهادة الدكتوراه في القانون الجنائي.
جنَّدَ الراحل نفسه وتخصصه من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان عموماً وحقوق الانسان العراقي خصوصاً، ولذلك اسس الراحل في المملكة المتحدة جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا والتي من خلالها مارس دوراً متميزاً في الدفاع عن حقوق الشعب العراقي، وكان ناشطاً متميزا في مجال التأليف القانوني وفي المحاضرات وعقد الندوات والمؤتمرات العلمية ركزت جميعها على حقوق الإنسان في العراق.
الجمعية التي كان يرأسها المرحوم الدكتور طارق علي الصالح (جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا) قامت بفعاليات وانشطة متميزة وبخاصة فيما بعد الاحتلال من خلال فضح ممارسات وانتهاكات حقوق الانسان العراقي من قبل قوات الاحتلال او من قبل القوى والميليشيات الطائفية، وعقدت الجمعية عدة ندوات ومؤتمرات لفضح الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية وكذلك قوات الاحتلال وحكومات ما بعد الاحتلال، وكان الدكتور طارق حاضراً دوماً للحديث عن مأساة العراق وحقوق الإنسان في العراق من خلال الفضائيات المختلفة ومنها (البي بي سي، والرافدين، والبغدادية، وبغداد، وغيرها) ليتحدث عن حقوق الانسان المنتهكة في العراق وعقد لأجل ذلك مؤتمراً دولياً ساهم فيه أكثر من 200 شخصية عربية وعراقية واجنبية للدفاع عن حقوق الإنسان العراقي، وفضح الانتهاكات الحاصلة.
نشاطه الفكري من خلال مؤلفاته ومقالاته:
للراحل العديد من المؤلفات والأبحاث ذات الصلة بالجانب القانوني، ومجال الحقوق والحريات واستقلال القضاء، ومن بينها:
1. كتابه الأخير عن "عقوبة الإعدام" حيث أنه كان من المطالبين بشدة لإلغاء عقوبة الإعدام.
2. واقع حقوق الإنسان في العراق والانتهاكات المرتكبة من قوات الاحتلال.
3. المحكمة الجنائية العراقية العليا (المختصة) والمصالحة الوطنية.
4. السياسة والاخلاق.
5. عدالة الاحكام في عقوبات الاعدام.
6. جرائم دولة الارهاب.
7. دولة الارهاب عبر قانون الارهاب.
8. استقلالية القضاء العراقي يين النظرية والتطبيق.
9. ازمة التيار الديمقراطي اليساري.
10. القانون و العدالة
11. النظام القانوني في العراق بين الماضي والحاضر.
12. السلطة السياسية بين الماضي والحاضر.
13. السلام الدولي في ظل التفرد الامريكي.
14. الديمقراطية الامريكية في العراق.
15. حكم الطائفية السياسية في العراق.
16. العلاقة بين الاخلاق والجريمة.
17. نزعة الانتقام في اعدام صدام.
18. متطلبات دولة القانون.
19. قانون ارهاب الشعب العراقي رقم 13 لسنة 2005.
20. نزعة الانتقام في عقوبة الاعدام.
21. حول عقوبة الاعدام.
كما نُشرت له ابحاث ومقالات في الصحف العراقية وخاصة (الزمان) الطبعة الدولية، وكذلك من خلال الموقع الالكتروني للجمعية. كما أصدرت الجمعية العشرات من البيانات لتحديد الموقف من ممارسات قوات الاحتلال الامريكي في العراق وكذلك انتهاكات حقوق الانسان على ايدي السلطات الحكومية بعد 2003.
موقف الراحل من محكمة صدام حسين:
انتقد الراحل الدكتور خالد علي الصالح تشكيل المحكمة الجنائية الخاصة لمحاكمة رموز النظام السابق لأنها تشكلت بقرارات الاحتلال من قضاة غير مستقلين أو محايدين وهو ما كان يراه تجاوزا على القانون العراقي والدولي وانتهاكا لمبادئ العدالة الجنائية وحقوق الإنسان.
فقد كتب الدكتور الصالح مقالة نشرت في جريدة الزمان وعدد من المواقع الالكترونية تحت عنوان (الاستغلال السياسي لمحاكمة صدام حسين) وتطرق لقرار بول بريمر رقم 35 في أيلول 2003 بتشكيل مجلس القضاء الأعلى وفصله عن وزارة العدل بأن هذا الأجراء ولد في بيئة غير مؤهلة للممارسة الديمقراطية بل تشير الوقائع الى وجود تجاوزات خطيرة تصب باتجاه بروز ديكتاتورية طائفية هي من اخطر الدكتاتوريات واكثرها شراسة. وتدل الوقائع بان التدخل الخارجي بالشؤون الداخلية للعراق، وخصوصا من قبل الدول المجاورة التي لها طموحات توسعية او التي لا ترغب بعراق قوي موحد، ادت الى افساد العملية السياسية من خلال المحاصصة الطائفية والعرقية، والى اعاقة بناء البنى التحتية ومؤسسات الدولة الدفاعية والأمنية، مما ادى الى تصاعد عمليات العنف والعنف المضاد كرد فعل لتدهور الأوضاع الإنسانية وازدياد معاناة الشعب العراقي نتيجة لانعدام الخدمات الضرورية وتعرضه لأبشع وسائل القمع وتدمير المدن وقتل المدنيين والتعذيب والتشريد على ايدي اجهزة السلطة والأحتلال، والتي تؤكده الوقائع وتقارير المنظمات الإنسانية الدولية "كمنظمة العفو الدولية".
وقال الدكتور الصالح في مقالته: (يظهر بان الهدف من التجاوز على اختصاصات القضاء هو استغلال موضوع محاكمة صدام لأهداف سياسية، والاستفادة من هذا الموضوع لتمرير مشروع الدستور المثير للجدل). واضاف: ان مبادئ العدالة تلزم ان تجري محاكمة اي متهم من قبل قضاة محايدين ومستقلين وان لا يكونوا خصوما او موالين للمتهم في اي مرحلة من المراحل السابقة، وقد اوجبت المواد 91، 92 و93 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 (الذي يعتبر المرجع لكافة قوانين المرافعات والإجراءات- المادة/ 1 ، بعدم جواز نظر الدعوى من قبل القاضي "اذا كان له او لزوجه او لأحد اولاده او احد ابويه خصومة قائمة مع احد الطرفين في الدعوى او مع زوجه او احد اولاده او احد ابويه او اذا كان بينه وبين احد الطرفين عداوة او صداقة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ". فكيف الحال اذا كان القاضي من المعارضين للمتهمين وله خصومة سياسية عميقة معهم او من الموالين لهم في الحزب وجرى تعينهم بمرسوم جمهوري وبتوقيع المتهم (صدام حسين)..؟! وتنص المواد من القانون المذكور على وجوب رد القاضي الذي ينظر الدعوى في الأحوال المذكورة ولا يجوز له اتخاذ اية اجراءات فيها واذا اصدر حكمه بها يفسخ الحكم او ينقض وتبطل الإجراءات المتخذة فيها من قبل محكمة التمييز.
موقفه من عقوبة الإعدام:
للراحل الدكتور طارق علي الصالح موقف صريح في معارضته لعقوبة الإعدام كموقف مبدئي لأنه يراها عقوبة تجسد روح الانتقام، كما اضاف لذلك موضوع ممارسات التعذيب السائدة وانتزاع الاعترافات بالعنف والقهر والتعذيب. ومهما كانت طبيعة القوانين العقابية دقيقة في تحقيق العدل، فإنها عاجزة تماما عن تحقيق العدالة، لانها تأتي بقواعد عامة شاملة مجردة، يجري تفعيلها وتطبيقها من قبل محكمة الجنايات ذات الشأن، على كل قضية تبعا لظروف كل جريمة والصفات التي يتصف بها الفاعل، ولهذا السبب تأسست السلطة القضائية التي من اهم واجباتها تحقيق العدالة التي يعجز عن تحقيقها القانون المجرد.
ان التبجح بتطبيق العدل والعدالة من خلال اللجوء الى ازهاق روح انسان (إعدامه) دون مراعاة الظروف المحيطة بالفعل والفاعل والاكتراث بالصفات التي يتميز بها، هو ممارسة جائرة وهمجية ضد حقوق الانسان وتشكل فعل قتل مع سبق الاصرار تحت غطاء "العدل والعدالة"، كما وصفتها منظمة العفو الدولية بانها عملية القتل العمد للإنسان من قبل الدولة باسم العدالة، وهو انتهاك للحق في الحياة
ان القوانين الوطنية التي مازالت تعتمد عقوبة الاعدام، تعتبر مخالفة لمبدأ العدل الذي أقره القانون الدولي الإنساني ومعاهدات جنيف لسنة 1949 والبروتوكولات الملحقة بها والإعلان العالمي لحقوق لسنة 1948 التي تتمتع بعلوية على القوانين الوطنية، فضلا من ان إنعدام مبدأ العدل سيفضي بالضرورة الى انعدام العدالة التي هي من واجبات القضاء، بحكم ان القضاء في ظل الأنظمة السياسية المتمسكة بعقوبة الاعدام، يكون تابعا او خاضعا لارادة السلطة التنفيذية وغالبا ما يكون مسيسا بلون تلك السلطة مما يدفعهم ذلك الى تحقيق مآرب مشتركة في تطبيق عقوبة الاعدام بهدف تصفية الخصوم السياسيين بالدرجة الاولى
صورة الراحل عندما كان في سلك الشرطة
تشييع ودفن الفقيد الراحل في المقبرة الاسلامية في لندن من قبل رفاقه واهله
يرحم الله الصديق العزيز القاضي طارق على الصالح وانا لله وانا اليه راجعون
ونتقدم بخالص التعازي وعميق المواساة الى عائلة الفقيد والى اخوانه واحبابه واصدقائه تغمده الله تعالى بواسع رحمته ومغفرته والهم ذويه واصدقاءه الصبر والايمان والاحتساب الى الله تعالى، ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم،وانا لله وانا اليه راجعون.
4754 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع