خالد القشطيني
من يحكم العالم؟
ترك لنا الإغريق القدماء شتى الأقوال الحكيمة والأساطير العجيبة والحكايات البليغة. في هذه الأيام العصيبة بشأن سوريا، تذكرت هذه الحكاية الإغريقية الطريفة. كان بركليس الحاكم الأعلى لأثينا. مسك ذات يوم يدي ابنه الصغير وقال له: يا بني، كن رحيماً بهذا العالم الكبير، فأنت تتحكم بأمك، وأمك تتحكم بي، وأنا أحكم أثينا، وأثينا تحكم العالم، فارفق يا ولدي بهذا العالم الكبير!
تذكرت هذه الحكاية وأنا أستمع للراديو أثناء الأزمة بشأن سوريا. كان بوتين قد خاطب نتنياهو طالباً منه عدم التدخل في الشأن السوري. أجابه نتنياهو بأنه سيضرب أي تمركز إيراني في سوريا. سألوا نتنياهو: وماذا تفعل إذا ردت إيران بضرب إسرائيل؟ قال: ستصبح أيام الأسد معدودة!
وهذه الحكاية تذكرني بأخرى. الشائع في إسرائيل أن نتنياهو لا يخشى أحداً غير زوجته التي يحبها حباً جماً. أما والحالة كذلك فليس لنا غير أن نتوسل بها ونقول: رفقاً يا مدام نتنياهو بهذا العالم الرحيب. فأنت تحكمين رئيس الحكومة نتنياهو، ونتنياهو يحكم إسرائيل، وإسرائيل تحكم اللوبي الصهيوني في أميركا، وهذا اللوبي يحكم سياسات الرئيس الأميركي، والرئيس الأميركي يحكم أميركا، وأميركا تحكم العالم. فرفقاً يا مدام نتنياهو بهذا العالم الكبير!
والسؤال كيف ينتخبون رئيساً لأميركا؟ يتوقف كل شيء على الاجتماعات الجماهيرية في عرض الولايات المتحدة وطولها. وتتوقف هذه الاجتماعات على شتى المظاهر الاستعراضية والبهرجات المثيرة من الأجواق الموسيقية والفرق الراقصة والأعلام والشرائط والألوان والألعاب النارية، وتنتهي بإطلاق ألوف النفاخات، أو البالونات الملونة في مجموعات تغطي الأرض والسماء. وتثير بالمشاهدين أعنف موجة من التصفيق والهتاف. للمرشح أن يقول ما يشاء ويعد السامعين الناخبين بما حلا لهم من وعود، ولكنه لن يستطيع بكل ما عنده من البلاغة أن يثير في نفوسهم من الحماس ما تثيره هذه البالونات الملونة بألوانها الزاهية، حمراء وخضراء وصفراء، ذهبية أو فضية، مستطيلة أو مكورة، بيضوية أو مقعرة...
هذه البالونات هي التي تقرر مصير الانتخابات في الولايات المتحدة، فلا يوجد عندهم غير حزبين سياسيين. ولا يوجد بينهما في الواقع أي خلاف سياسي أو برنامج مختلف. يحاولون أحياناً العثور على أي فضائح يلصقونها بالمرشح. ولكنهم كما نرى سواسية في هذا الأمر. لم يبق لهم في الواقع غير الاعتماد على الشيء الأساسي الذي يفهمه الجمهور ويراه بعينه، ألا وهو هذه البالونات الزاهية التي يطلقونها في السماء. فكثرتها وجاذبيتها تدل على ثروة المرشح وقدراته. وهذا ما يجعلني أقول لنافخي هذه البالونات: ارفقوا يا سادة بهذا العالم الكبير، فبالوناتكم تقرر مصير المرشحين للانتخابات الأميركية، والمرشح الفائز يقرر سياسة الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تتحكم بمصير العالم. فرفقاً يا نافخي البالونات بعالمنا الرحيب هذا.
705 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع