يعقوب أفرام منصور
نكبات وتخريب البصرة قديمًا وحديثًا
تعرّضت البصرة للتخريب والتدمير والنكبات أكثر من مرّة منذ القرن التاسع الميلادي حتى الآن، وأشدّ هذه النوائب هولاً وضررَا كانت نائبة ( ثورة الزنج) التي صارت مضرب المثل الشهير " بعد خراب البصرة !". فحوادث هذه الثورة الهمجية المخرّبة دامت 15 عامًا ( 868 ـ 883 م )، وكان من عوامل ديمومتها الطويلة : المساعدة التي قدّمها لضِرامها وخرابها قرامطة الكوفة، وهم قوم من الباطنية، قضى عليهم في العراق الخليفة العباسي (المكتفي) في عام 906م (أنظر الموسوعة العربية الميسّرة). وفي عقود القرنين السابع عشر ـ الثامن عشر الميلاديين عانت إمارة (إفراسياب) في نواحي البصرة من غزوات سلب ونهب واجتياح من الفرس الإيرانيين بباعث السيطرة عليها، إنتهت بإخفاق الغزاة واندحارهم.
ويفيد (ألمُنجِد في الأعلام ص 435 ) كون القرامطة منسوبين إلى حمدان قِرمِط ( أي أحمر العين)، وهم أصحاب حركة دينية سياسية منقرضة. وقِرمِط من دُعاة الإسماعيلية، ظهرت في العراق عام 871م ، ومن أتباعه (زكرَوَيه) وأبي سعيد الجنابي، وإبنه أبو طاهر، وانتشروا في البحرين واليمن، واستولوا على مكة عام 930م. وأوردت (الموسوعة العربية المُيَسّرة) عنهم أن ميمون القدّاح الكوفي، أحد دُعاة ولده عبد الله المهدي جد الفاطميين، أرسل إثنين من الدعاة إلى اليمن عام 904م،وهما علي بن الفضل الحِميَري اليمني، ومنصور بن حسن الكوفي للدعوة له. فنجح علي المذكور نجاحًا كبيرًا، واستولى على ذمار وصنعاء في عام 906م (عام القضاء على الفرامطة في العراق)، وتغلّب على جيوش الإمام الهادي. وقامت في اليمن حروب وفِتن كثيرة، واستباح أتباع علي بن الفضل كثيرًا من المحرّمات، وادّعى النبوّة، وكان يُذكر في أذان الصلاة. لكن الحالة هدأت في عام 915 عندما مات علي، لآنف ذكره، مسمومًا بيد أحد الأشراف، الذي دعاه لِحِجامته بوضع السُمّ له في المِبصَع، وبموته إنتهى أمر دولة الفرامطة في اليمن. لكنّ مبادئها ظلّت مستمرّة في بعض أنحاء اليمن إلى وقت قريب، إذ يُعرَفون بإسم (المكارمة) أو (ألباطنية) في (حراز) وقرب صنعاء، حتى قضى على نفوذهم في مطلع القرن الماضي إمام اليمن يحيى حميد الدين (1904 ـ 1948) بعد توَلّيه المُلك حين استولى على ما كان لديهم من مخطوطات تشرح مذهبهم وتعاليمهم.
كانت ثورة الزنج فتنة كبيرة عمّت القسم الجنوبي من العراق، وكان التخريب والإيذاء والإضرار على منطقة ومدينة البصرة وسكانها بزعامة المدعو علي بن محمد بن عيسى المعروف بالبرقعي، وبمعاونة القرامطة.
أماالإسماعيلية، فهي فرقة دينية من الشيعة الباطنية، ومن أشهر دُعاتهم (ميمون القدّاح) وولده عبد الله كان إمامًا للقرامطة، وزعيمهم الحالي أغا خان عام (1957 ) ولهم أتباع كثيرون في أواسط آسيا والهند وعُمان والشام وزنجبار وتنجانيقا. ودعوتهم ذات مراتب، ومن معتقداتهم أن العقل الإنساني لا يستطيع إدراك حقيقة الذات الإلهية، وانه ليس لهذه الذات صفات، ومحل الصفات هو العقل الكلّي الذي أبدعه الله بالأمر، وفيه يتمثّل الله. وتحصيل السعادة عندهم يكون بتحصيل العِلم. (الموسوعة العربية المُيَسّرة ـ 1987).
وما أصاب اليصرة من تخريب وتدمير في الزرع والضَرع والحضَر والمدَر إبان أعوام الحرب الإيرانية ـ العراقية (1980 ـ 1988 ) فاق ـ حجمًا ونوعًا ـ الدمار والخراب اللذين أصابا محافظات العراق الأخرى، إذ قلّما انصرم يوم خلال هذه المدة من غير أن تنهال الصواريخ الإيرانية على بقاع محافظة البصرة.
ويبدو أن الضَيم واننكبات الآنف ذكرها ـ التي ألحقها أعداء غرباء عن سكّان اليصرة الأصلاء ـ لم تكن كافية، بل تألّب عليها للإيذاء والإضرار والإفساد في كل جوانب العيش زُمَرٌ جانية من بني قومها وجِلدتها، وخصوصًا من رؤساء وإداريي حكومتها المحليّة وحكومتها المركزية، منذ هجوم موجة الغزوة الثلاثينية الغاشمة في عام 2003 حتى الآن، مع أنها صمدت في أثناء الموجة، وقدّمت تضحيات وشهداء في صدّ هذه الموجة قرابة أسبوعين( 20/3 ـ 2/4/2003 ) حتى امتلأت أجواؤها وتربتها بإشعاءات اليورانيوم المنضّب، ويقاسي من تلوّثها أشدّ المقاساة سكّانها وزرعها وماشيتها. فعمّتها المفاسد والمظالم والإهمال في كل مرافق الحياة الكريمة المتوسّطة، ومن دون أيّ اعتبار لكونها الرافد الرئيس لواردات خزينة الدولة، ومن دون تقدير لجدّية العاملين فيها لتحقيق إستمرارية تدفّق هذا المورد الحيوي الغزير، لكن واقعها المُزري ينطبق عليه المثل : " كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ/ والماءُ على ظهورها محمولُ ".
فما أظلم حّكّام ومسؤولي وإداريي البصرة ! مرحى، مرحى برعاة وحماة مصالح الشعب في محافظة البصرة ، وبأعضاء البرلمان الهُمام، الرقيب اللبيب الذي لم ينطق أحد أعضائه يومًا بكلمة لصالح البصرة المهمَلَة برغم استغاثاتها المكررة الصارخة لتحسين أوضاعها الرديئة، حتى يئست من الإستجابة والإنصاف وتلبية حقوق ناسها المظلومين. ظلمكم مُجسّم في فسادكم وقصوركم الطويل الكبير، وإهمالكم بني جِلدتكم، فهو أقسى من عُسف ومظالم الغرباء والمستعمرين والغزاة، وينطبق عليه قول الشاعر (طَرفة ) :
وظُلمُ ذوِي القُربى أشدُ مَضاضةً ً على المرءِ من وقعِ الحُسامِ المهنّدِ
الظلم من الرؤساء واولي الأمر، على أبناء شعبهم وبني جلدتهم، يُهيّج الحزن والغضب ، وإذا دامَ دمّر. وشععب العراق عمومًا والبصرة خصوصًا كان حتى الآن حليمًا طيلة 15 عامًا، لكن في الأمثال مقولة: إتّقوا غَضَبَ الحليم!
835 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع