تدهور قيمة الليرة التركية ونهاية السلطان أردوغان

                                               

                   المهندس هامبرسوم أغباشيان

تدهور قيمة الليرة التركية ونهاية السلطان أردوغان

فقدت الليرة التركية في الاشهر الماضية المزيد من قيمتها تاركة السلطان أردوغان يغرق في أزمته الاقتصادية أكثر فاكثر. ففي 9 آب 2018 كان سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الامريكي قد وصل الى 5.31 ليرة ، ولكن بعد قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب في 10 آب 2018 بمضاعفة التعرفة الكمركية المفروضة على الالمنيوم والحديد المستورد من تركيا (من 10% و25% الى 20% و50% على التوالي) تدهورت قيمة الليرة التركية المتراجعة اصلا بصورة دراماتيكية ليصل سعر صرف الدولار الامريكي الى اكثر من 10 ليرات تركية.
لم يدم هذا طويلا، ولكن ادى هذا التذبذب في سعر صرف الليرة الى فقدان ثقة الاسواق العالمية بالاقتصاد التركي، والى غضب أردوغان حيث جن جنونه وحاول من خلال وسائل الاعلام وخصوصا التلفاز ولمدة ثلاثة ايام متتالية اقناع الاتراك بتحويل مدخراتهم من الدولار الى العملة الوطنية ، مؤكدا صلابة وقوة الاقتصاد التركي ومتهما امريكا وكل اعداء تركيا بالوقوف وراء كل ما يحدث.
أسرع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، شيخ قطر، لمساعدة حليفه الوحيد في المنطقة والذي يحتفظ بقوات عسكرية داخل قطر لحمايتة، ووعد باستثمار 15 مليار دولار في تركيا على شكل استثمارات وقروض وبذلك قام باسناد الاقتصاد التركي ولو بصورة مؤقتة وبدد من مخاوف فقدان الليرة لقيمتها اكثر واكثر على الاقل بالنسبة للمواطن التركي، وبذلك استعادة الليرة بعضا من عافيتها الى حد ما واصبح سعر الصرف مقابل الدولار في 15 أب 2018 في حدود 6.75 ليرة، ولكن بصورة عامة فقدت الليرة 40% من قيمتها خلال هذا العام، والقت الصحف الموالية للحكومة باللوم على القوى المتنفذة في سوق الأوراق المالية العالمية.
أن غضب الرئيس الامريكي دونالد ترامب وأتخاذ قراره بزيادة التعرفة الكمركية سببه طلب الرئيس التركي أردوغان تسليم صديقه وحليفه القديم وعدوه الحالي رجل الدين الداعية فتح الله كولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الامريكية، طلب بتسليمه الى تركيا لمحاكمته هناك بتهمة التامر على قلب نظام الحكم عام 2016، مقابل الافراج عن القس الامريكي اندرو برونسن المقيم في تركيا منذ 26 عاما والمحتجز منذ 2016 بتهمة التعاون مع جماعة كولن والمسلحين الاكراد، والذي لو ثبتت ادانتة سوف يحكم علية بالسجن بما لا يقل عن 35 عاما. علما بان ترامب كان قد توسط لدى الحكومة الاسرائيلية عبر نتانياهو لاطلاق سراح ابرو اوزكان، الفتاة التركية المحتجزة في اسرائيل بتهمة التعاون مع منظمة حماس، على امل اطلاق سراح القس يرونسن بالمقابل، ولقد تم اطلاق سراح اوزكان بالفعل ولم يطلق أردوغان سراح برونسن مما ادي الى غضب ترامب الذي يعاني من ضغط الجماعات الدينية البروتستانتية في امريكا بشان هذا الموضوع، وبالتالي تدهورت العلاقات بين الرجلين والبلدين. بالاضافة الى ذلك فان امريكا غير راضية على تركيا، حليفتها في حلف الناتو بسبب ابرامها صفقة شراء منظومة (أس 400) الروسية والتي تطالب بالغائها، وكذلك عدم التزام تركيا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران من قبل امريكا، والتناقضات بين البلدين بشان المسالة السورية. وهناك سبب وجيه اخر للخلاف وهو خط الانابيب الجديد الذي سينقل الغاز الروسي الى اوربا الغربية عبر البحر الاسود وتركيا، في حين فشلت الخطة الامريكية والاوربية والقطرية والسعودية والتركية لمد خط انابيب لنقل الغاز القطري عبر السعودية والاردن وسوريا وتركيا الى اوربا الغربية بسبب رفضها من قبل سوريا رعاية لمصلحة الروس.
وفي سياق التحليلات المتصلة بموضوع تدهور سعر الليرة، ذكر موقع (المونيتور.كوم ) في 8 أب 2018 بان (الحكومة التركية كانت تشجع وتدعم الشركات منذ سنين لانشاء الطرق الرئيسية وبناء الجسور والمطارات والعمارات السكنية والتجارية). كل ذلك ادى الى قيام هذه الشركات باقتراض الاموال بالمليارات من البنوك وغالبيتها اجنبية وبالعملة الصعبة وبالتالي وقوعها تحت ديون طائلة ، ولان معظم هذه المشاريع غير انتاجية فان الاقتصاد التركي وقع في ارباك عندما حان موعد سداد الديون بالعملة الصعبة ومن هنا ازمة الليرة التركية. وفي نفس هذا السياق ذكر مركز البحوث الاقتصادية الامريكية (اس اند بي كلوبل) في 27 آب 2018 بان (تركيا تقف اليوم على ابواب تضخم وازمة اقتصادية ما دامت ازمة العملة الوطنية مستمرة) . ولقد توقع المركز ان تصل نسبة التضخم الى اكثر من 20% ونسبة البطالة الى 12% . اما بالنسبة لحزمة الدعم القطرية البالغة 15 مليار دولار فانها لو استثمرت بالفعل فستقدم دعما محدودا للاقتصاد التركي وقد تكون اجزاء من حزمة الدعم الجديدة استحقاقات لاستثمارات قطرية سابقة في تركيا حسب نفس المصدر.
وتطرقت المصادر العربية كذلك لازمة الليرة التركية. فتحت عنوان (ليرة أردوغان وشياطين الإخوان ) كتب أحمد الصراف بتاريخ آب 2018 في القبس الكوتيية (لم أشهد في حياتي حملة رياء ومراءاة كالتي رأيتها في الأيام القليلة الماضية من جماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً في الكويت، ومطالبتهم بدعم الليرة التركية الضعيفة، ليس حباً فيها وفي أردوغان، بل غالباً خوفاً على مصالحهم واستثماراتهم)، وأضاف (ما لم يعلمه هؤلاء، ولا يودون العلم به، أن الليرة مستمرة في انحدارها منذ أكثر من عشر سنوات بسبب اعتماد الاقتصاد التركي على التوسع الكبير والصرف الباذخ على استثمارات في المشاريع السياحية والعمرانية، حيث صاحب ذلك تضخم لم يكن بالإمكان السيطرة عليه طويلاً).
ولتجاوزالازمة الاقتصادية والتخلص من الموقف الصعب الذي فية ، يبحث أردوغان حاليا عن اصدقاء وحلفاء جدد بعد ان دخل في متاهات سياسية مع حليفة الرئيسي في الناتو امريكا وفقدت سياساتة شفافيتها مع بلدان الاتحاد الاوربي، ويبدوا ان روسيا التي بينها وبين تركيا تاريخ طويل من الصراعات والنزاعات تحتل راس قائمة الحلفاء الجدد لتركيا حيث يقف البلدان في خندق واحد ضد السياسات الامريكية ، وكذلك ايران حيث فرضت ضرورات المرحلة الصداقة بين البلدين مع عدم ثقة التي بينهما والنابعة من خلافاتها المذهبية والتي تمتد الى عدة قرون، ولكنها تقف حاليا في نفس الخندق المعادي لامريكا مع تركيا وروسيا. واخيرا الصين التي لها روابط عرقية مع تركيا. وبناءا على هذه التطورات كتبت صحيفة (اسيا تايمز) في 10 آب 2018 ( ان الانهيار الحالي في الاقتصاد التركي كان متوقعا منذ سنين وتدهور قيمة الليرة التركية لم يفاجـأ احدا. يحاول أردوغان ايجاد بديل للبنك الدولي للحصول على القروض المالية واذا استلمت تركيا قروضا من الصين فقد تصبح المرزبان الاقتصادي للصين). ومرزبان لقب كان يطلق على ممثلي ملوك الفرس في المقاطعات الحدودية وبقصد به هنا محافظ او حاكم.
من كل ما ورد في اعلاه هل يمكن توقع السقوط النهائي لأردوغان؟ لا شئ مستحيل في هذا العالم ولكن الوضع مختلف ومعقد بالنسبة لحالة أردوغان. فهو يستطيع الضغظ على امريكا وذلك باقامة علاقات صداقة متينة مع روسيا مع الاحتفاظ بعضويته في حلف الناتو، وهذا الوضع غير مقبول بالنسبة لامريكا. بالاضافة ان تركيا تستطيع اطلاق موجات جديدة من اللاجئين باتجاة اوربا وخلق ازمات انسانية واجتماعية واقتصادية هناك، ولقد بدأت المانيا بمجاملة تركيا محاولة منها لتنقية الاجواء بينهما. اما داخليا فيستطيع أردوغان وضع يده على التعاملات المالية في البلاد ولكن يبدوا ان هذا الشئ مستحيل لان تركيا دولة اقتصادية كبرى وتحتاج دائما الى قروض خارجية.
ولقد صرح دارون عجم اوغلو، الخبير الاقتصادي الامريكي المولود في اسطنبول لموقع بلومبيرك في 7 ايلول 2018، بانه (بعد ازمة تركيا في 2000-2001 استطاع رئيس الوزراء المعين أردوغان ومساعدوه من تحسين الحالة الاقتصادية للبلاد في الفترة 2002-2006 ولكن بعد تلك الفترة بدء الوضع بالتازم)، واضاف ( اذا كانت الحالة الاقتصادية قد تحسنت في عام 2002 بسبب السياسة الحكومية المتبعة في تلك الفترة فان فقدان كل تلك الانجازات لاحقا سببها السياسة المتبعة من قبل الحكومة حاليا). ومن جهة اخرى يعتقد مؤيدوا ومؤازروا أردوغان بان تركيا سوف لن تستطيع تنفيذ حلمها (بجعل تركيا دولة عظمى) وكذلك الدفاع عن كرامة الامة الاسلامية في العالم بدون أردوغان.
وأخيرا، عندما يبلغ السيل الزبى وتطال الازمة الاقتصادية وتبعاتها طبقات الشعب المختلفة ، سيرى الجميع بالتاكيد الاثار السلبية المدمرة لقرارات أردوغان الخاطئة وسياستة الدكتاتورية وانفراده بالحكم وحينذاك سيكون أردوغان اول واخر سلطان حالم في التاريخ الحديث لتركيا.
لوس انجيلس-كاليفورنيا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع