الدكتور هيثم الشيباني
خبير في البيئه
هل صار مصير أهوار العراق يسير نحو المجهول
المدخل : سوف أسلط الضوء على مسألتين هما:
إدراج أهوار العراق في لائحة التراث العالمي من قبل منظمة أليونسكو العالميه.
ومعاناة سكان أهوارالعراق الأصليين , لأنهم المعول عليهم في اعادة الأهوار الى مكانتها التي استحقتها على مر التأريخ , وأعارض محاولات احلال الغرباء كبديل لهؤلاء السكان,لأن هذه جريمة ديمغرافيه يصعب محو آثارها.
1.المقدمه.
نشرنا سابقا مقالا بعنوان ( الأهوار) في حزيران 2016 حيث ناقشنا أمورا أساسية مثل الأهمية التأريخيه لأهوار العراق, ووصف الأهوار. وأسماء الأهوار, والمحميات البيئيه,والثروة الاقتصاديه , والخصائص الاجتماعية وعادات أهل الأهوار.
لقد صنفت أليونسكو العراق بأجمعه عباره عن منطقة آثريه تحوي آلاف المواقع التأريخيه , حيث أن حضارة العراق هي نشاط انساني متميز وعريق وأغلب مواقعه الآثاريه معروفة لدى علماء الآثار والتأريخ الانساني.
أبدت الأمم المتحده استعدادها للمساعدة في حماية التراث الثقافي والطبيعي في الأهوار العراقيه اللذان يمثلان التراث العراقي الفريد في التنوع والتعايش.
ومن الكتب العالميه التي صدرت عن أهوار العراق , هو كتاب رحلة الى عرب أهوار العراق , من قبل الكاتب العالمي ويلفرد فسيجير.
تعد أهوارالعراق نظاما بيئيا متكاملا فريدا من نوعه في الشرق الأوسط , وكانت الأهوار محطات جذب للسواح من كل أرجاء العالم , بسبب طبيعتها الخلابه.
تم درج أسماء الأهوار في المقال.
يسهل انشاء المحميات الطبيعيه للمحافظة على البيئة والتنوع الأحيائي , وهي مصدر اقتصادي جيد , لكن قلة الموارد المائيه تؤدي الى ارتفاع التلوث والملوحه.
2.ماذا يعني إدراج أهوار العراق في لائحة التراث العالمي؟
تبنى المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) و الذي عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1972, معاهدة حماية الموروث الحضاري والطبيعي , التي تضمنت توصيات للتعاون الدولي في الحفاظ على المواقع ذات القيمة العالمية , باعتبارها ملكاً للأجيال المقبلة.
ويبلغ عدد البلدان الموقعة على المعاهده حاليا 192 بلدا. وقد أدرجت في لائحة التراث العالمي مواقع متميزة من شتى أنحاء العالم, بينها مواقع عربية مهمة انضمت اليها أهوار العراق يوم 17 يوليو/ تموز 2016 .
ويعني إدراج أي موقع في اللائحة أنه أصبح ضمن المواقع الفريدة التي يجب الحفاظ عليها وإبعاد خطر اندثارها. ومن واجب الجهات المسؤولة عن المناطق المدرجة توفير الظروف الملائمة للسياحة العالمية , فالإضافة الى التراث العالمي تشكل حافزا مهما في تشجيع السياح على التوجه إلى تلك المواقع من مختلف أنحاء العالم.
وتتولى منظمة اليونسكو مراقبة هذه المواقع وتنظيم زيارات لتقييم أوضاعها , وتصدر تحذيرات للجهات المسؤولة لإبعاد أي مخاطر تهددها. وفي حال عدم حصول تقدم في تصحيح ما يُقنع الخبراء , فمن الممكن أن يوضع الموقع في قائمة المواقع المهددة بمراجعة الأنضمام.
وفي حين يعد الانضمام للائحة اعترافا بالأهمية الفريدة للمواقع المشمولة , تبرز في الوقت ذاته , المسؤولية عن حمايتها. لكن المنظمة تنظر إلى أن المسؤولية مشتركة و تتطلب تعاونا دوليا إذ يتعين على المجتمع الدولي المشاركة الجماعية في حماية التراث الثقافي والطبيعي ذي القيمة العالمية المتميزة , نظرا للتهديد الذي يمكن أن يتعرض له ذلك التراث.
و صرحت مديرة المكتب الخاص بالعراق في المنظمة لويس هاكسثاوزن , بعد صدور القرار: إنه يفتح آفاقا للتعاون الدولي من أجل حماية وإدارة مناطق الأهوار, مما يتطلب مساهمة جميع الأطراف في إحياء المنطقة والحفاظ على طبيعتها , وتوفير الخدمات لغرض الجذب السياحي.
وصفت منظمة اليونسكو منطقة الأهوار في العراق , بأنها ملاذ تنوع بايولوجي وموقع تاريخي لمدن حضارة ما بين النهرين, حيث أنها تتضمن عراقة التاريخ وغنى الطبيعة , وهذا ما يضعها ضمن كنوز العالم التي يجب المحافظة عليها.
أعلن في مدينة اسطنبول التركية قرار المنظمه , حول دخول أربعة أهوار في جنوب العراق الى لائحة التراث الانساني هي: الأهوار الوسطى وهور الحمّار الغربي , وهور الحمّار الشرقي , وهور الحويزة التي تتوزع بين محافظات ذي قار وميسان والبصرة .
وأضيفت للائحة أيضا ثلاثة مواقع لمدن سومرية هي: أور وأريدو قرب مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار وأوروك (الوركاء ) في محافظة المثنى.
لقدانضمت معالم من الحضارة السومرية التي تعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام , إلى مواقع عراقية أخرى كانت قد دخلت في القائمة في السنوات الماضية وهي: مدينة الحضر في نينوى التي تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد و سجلت في عام 1985 , لكنها تعرضت للتدمير عندما سقطت الموصل بيد داعش , وهذا ما حصل لمواقع أخرى مثل قلعة الشرقاط والمدينة الأثرية في سامراء وقلعة أربيل.
من روائع بيئة الأهوارأنها تشكل محميات للكثير من الحيوانات البرية والداجنة والطيور المقيمة والمهاجرة والنباتات الطبيعيه.
كانت الأهوار حتى سبعينيات القرن الماضي تغطي مساحة تقارب 15 ألف كيلومتر مربع حول الجزء الجنوبي من نهري دجلة والفرات , لكنها انحسرت بعد تجفيفها إلى ما يقارب العُشر من مساحتها .
ظل بعض السكان بالرغم من نزوح الكثير منهم, يعيش في بيوت مبنية من البردي والقصب في المنطقة التي تشكل مثلثاً تمتد أضلاعه بين محافظات الجنوب الثلاث .
ثم جرت بعد 2003 محاولات لإعادة الحياة إلى الأهوار بجهود السكان وجهات محلية ووكالات دولية, إلا أن ظروف الجفاف وندرة مياه الأنهار وتعقيدات السياسة عرقلت محاولات إنعاشها.
3 . انخفاض مناسيب أهوار العراق خسارة كبيره .
ان انخفاض منسوب المياه في منطقة الأهوار جنوب شرقي العراق , يؤدي الى نقص الموارد الطبيعية وتدهور معيشة سكان تلك المناطق وانتشار الأوبئة, حيث تراجعت مستويات مياه المسطحات الى الثلث , وقال رئيس منظمة الجبايش للسياحه البيئيه رعد حبيب : أن ملوحة المياه ارتفعت الى الضعفين, وأن من واجب الدوله أن تتفاوض مع كل من ايران وتركيا لتوفير اطلاقات مائيه , وايقاف التجاوزات غير المرخصه في العراق مثل بحيرات الأسماك والزراعه الشخصيه .
لقد تناقصت المياه أيضا بسبب تراجع أولوية الزراعة لدى الحكومة المركزية و سوء إدارة الموارد المائية , كما أن شروع أنقرة بتخزين مياه نهر دجلة خلف سد إليسو , كان له الأثر الواضح .
ان الأرض التي يعيش فيها عرب الأهوار , رطبة و منبسطة ينبت فيها العشب قرب الحدود مع إيران , ويستخدمون قوارب خشبية مزودة بمحركات لعبور الممرات المائية .
ان تغذية الأهوار بالمياه من نهري دجله والفرات , وهذا ما يجعلها منطقة شاسعة صالحة للصيد وموطنا لأنواع مختلفة من الطيور المحلية والمهاجرة بين سيبيريا وإفريقيا .
في سبعينيات القرن الماضي كانت الأهوار تغطي مساحة 9 آلاف كيلومتر مربع, لكنها تقلصت إلى 760 كيلومترا مربعا في عام 2002, وفي شهر أيلول من عام 2005 جرت استعادة نحو 40 في المئة من المنطقة الأصلية , أملا باستعادة 6 آلاف كيلومتر مربع .
4. معاناة الأهوار:
بسبب الملوحة والجفاف يعاني سكان الأهوار اليوم من شح المياه.
بعد عودة المياه تدريجيا , بدأ بعض أهالي الأهوار في العراق يعودون رغم كل الصعوبات, لكن هذه العودة لم تخل من المصاعب الاقتصادية والمعيشية.
حيث يعرف أهل الأهوار أنها من المناطق الغنية بالثروة الحيوانية وخاصة الطيور والأسماك, كما تمتاز بمناخها الصالح لزراعة بعض المحاصيل كالشلب والأرز, فضلا عن انتشار نباتات القصب والبردي فيها, والتي تستخدم لبناء البيوت والمضايف (دار الضيوف) والمشاحيف (الزوارق الصغيرة), كما تُستخدم في حياكة الحصران وكمادة أولية في صناعة الورق والسكر .
5. هجرة مستمره سببها الملوحه.
يشق عبد غاوي حريجه الفرطوسي طريقه بين أعواد القصب والبردي على متن قاربه الخشبي, الذي تهادى ببطء على سطح الماء مطارداً قطيع من الجاموس , بغية أن تسلم شباكه التي أعدها لاصطياد الأسماك , من دهس تلك الحيوانات في المياه الضحلة. الفرطوسي هو أحد أقدم صيادي الأسماك في هور البغدادية التابع لقضاء الجبايش في محافظة الناصرية جنوب العراق .
أن جفاف هذه الأهوار قد أثر سلباً على الثروة السمكية فيها , مما دفع بالصيادين إلى النزوح باتجاه المدن بحثاً عن القوت اليومي . يقول الفرطوسي :كنا سابقا نصطاد نحو 100 كيلو غرام من مختلف الأسماك كالكطعان والبني والسمتي يوميا, أما الآن فنصطاد عُشرتلك الكمية ومن الأسماك الصغيرة .
ويعتبر هور الجبايش من أكبر الأهوار في محافظة ذي قار , التي تضم مناطق شاسعة من هذه الأهوار وأكبرها على مستوى جنوب العراق. وتبلغ مساحة الهور نحو 2600 كيلومتر مربع بالإضافة إلى هور الحمار والحويزة ومجموعة أخرى من الأهوار والمسطحات المائية المتصلة التي تصل إلى هور الشويكة في واسط .
6. المزيد من الهموم.
جميل راضي وادي , وهو أحد مربي حيوان الجاموس في هور الحَمار بقضاء الجبايش التابع لمحافظة الناصرية , الذي يشتهر حليبه بانتاج القشطه ( الكيمر ) لأن نسبة الدسم فيه تبلغ 8% , يعاني هو الأخر من شح المياه خلال فصل الصيف مما يؤدي الى تفشي الأمراض والأوبئه صعبة العلاج بين ماشيته , اضافة الى ارتفاع الأدويه والعلف , مما يدفع مربي الجاموس الى الهجرة من جديد.
7. ماذا يقول المسؤول المحلي؟
يقول هاني فخري مدير مركز إنعاش الأهوار التابع لوزارة الري العراقية لغرض الحفاظ على منسوب المياه في الأهوار من الجفاف :أن سبب ارتفاع نسبة الملوحة في المياه هو التغيرات المناخية و ظاهرة الاحتباس الحراري وتناقص كميات الأمطار والثلوج المتساقطة .
وبين أن مركزه يعمل على وضع خطط تهدف الى إعادة هيكلية الأهوار من خلال الاستعانة بالخبرات الأجنبية والإقليمية .
يعتقد أن سكان الأهوار من بقايا السومريين وهم من أقدم السلالات البشرية على وجه الأرض ويطلق عليهم محلياً تسمية المعدان .
8. التوصيات.
أولا.نقترح اتخاذ اجراءات جديه وعلى الفور للتعويض عن المياه التي فقدتها الأهوار, وذلك بانشاء محطات تحلية مياه البحر وضخها الى نهري دجلة والفرات الذان يشكلان المورد الرئيسي لحل مشكلة الملوحه وسقي الأراضي وتزويد ماء الشرب.
ثانيا. تنقل المياه المحلاة من البحر بواسطة أنابيب كبيرة مغلقة , وتجنب حفر السواقي المفتوحه لأنها معرضة للتبخر والسرقة وحوادث الطرق.
ثالثا. ضرورة أن تتحرك الدوله معززة بكافة وزارات ومؤسسات دوله العراق , كل حسب اختصاصه ونطاق عمله , مع كل من تركيا وايران لاعادة المياه الى مجاريها , وضمان تدفق مياه الرافدين بانسيابية مريحة لمواجهة العطش أولا وسقي المزروعات والمواشي , ووضع حد لكارثة الجفاف التي يوجهها العراق.
رابعا. كتبنا عدة مقالات نشرناها في مجلة الكاردينيا , تتضمن أحدها البدائل المقترحه لمواجهة كارثة الجفاف في العراق , ويمكن الرجوع اليها.
خامسا. يجب المحافظه على تقييم منظمة أليونسكو لأهوار العراق باعتبارها من معالم التراث العالمي, بالعمل الجاد والهمة العاليه.
سادسا . لا بد أن يضع كل عراقي غيور ينتمي الى أرض العراق وتهمه مصلحة العراق , أن يبذل كل امكانياته من موقع مسؤوليته , في الاعلام والثقافة والتعليم والسياحة والموارد المائيه وسلطات الدولة التشريعيه والتنفيذيه , من أجل اعادة أهوار العراق الى مكانتها التي كانت عليه منذ الزمن الماضي الجميل. واعتبارها واحدة من دعامات هيبة العراق بين الأمم وقوتها الناعمه.
4655 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع