الثورة الصينية ١٩١١ الجمهورية الفاشلة

                                           

                      د.ضرغام الدباغ

   

الثورة الصينية1911 الجمهورية الفاشلة

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak :
Tel: 0049 - 30 – 66 302 184 / E-Mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دراسات ـ إعلام ـ معلومات

العدد : 40
التاريخ : / 2018

الثورة الصينية 1911
الجمهورية الفاشلة
ترجمة : ضرغام الدباغ

استمدت الثورة الصينية نموذجها العظيم من الثورة الفرنسية، وحرب الاستقلال الأمريكية، لكن طريق الثورة لم يكن يمر عبر جمهورية برلمانية، ولكن في الفوضى مباشرة. ولم تعش الثورة سوى أشهر معدودات، وبعدها غرقت البلاد في حرب أهلية استغرقت عقود من الزمن، التي اختتمت باستيلاء الشيوعيين على السلطة عام 1949.

وبدون التوصيفات اللاحقة نذكر بإيجاز: أن الثورة كانت أساساً من عمل الفئات المتوسطة في المدن، قوامها المثقفين، التجار، والعائدين من الخارج، ومدعومة جزئياً من العمال والموظفين، وأجزاء من الفئات العليا، مالكي الأرض الكبار، وكبار الموظفين. ولكن الغالبية الساحقة من السكان، والجزء الأكبر من الفلاحين لم يشاركوا في الثورة. والفئة الرقية من النشطاء تمكنوا من الإطاحة بالنظام الملكي، ولكنها أثبتت بأنها كانت أضعف من أن تشيد نظاماً جديداً، وتعلم الشيوعيون بقيادة ماوتسي تونغ من هذه المحاولة، وخلصوا إلى أن ثورة مدعومة من الفلاحين فقط يمكن أن تكون ناجحة.

والسلالة الملكية كينغ (Qing - Dynastie) التي قامت الثورة ضدها، تنحدر من شعب المانشو الشبه رحل، الذين يعودون بدورهم إلى دشوردشين التي كانت قامت باحتلال الصين بدأً من شمالها في القرن 17. وأعادت بذلك أسست لسيطرة سلالة أجنبية . ونبل المحارب المنشوري أستند على أتباعهم ممن الذين أثبتوا نجاحهم العسكري، ثم قاموا كما يفعل أس جيش إقطاعي محتل، صادروا الأراضي في شمال الصين من الفلاحين، وشغلوا الفلاحين كعبيد في الأراضي التي استولوا عليها، وكانت قوة الجيش كافية للسيطرة ليس على الصين فقط، بل ومناطق واسعة شمال آمور وكازاخستان، ومنغوليا، وشينجيانغ والتبت، وصولاً إلى بحيرة بلخاش(Balchaschsee)، وقد أعترفت كل من نيبال وبورما وفيثنام وكوريا بسيادة أسرة كينغ .

في الفئة الضيقة من المحتلين ويبلغ عددهم زهاء المليون شخص، كان يقابلهم 130 مليون صيني، المنشوين أدركوا بسرعة، أن هناك فرق كبير،بين احتلال بلد ، وأن تتمكن من السيطرة عليه دائماً. والفصل الواضح، بين الحكام الجدد، هو ملحوظ من خلال الفصل العنصري ومنع الزواج بين الصينيين و المانشو، لم يكن له ليطول كثيراً، والاستغلال المتفشي في الأملاك الحكومية الذي يقوم به النبلاء العسكريون تم إيقافه، واستعيدت معظم الأملاك، ولحسن الحظ كان لدى الصين نظام إدارة متطور وموظفين مؤهلين بصورة رائعة، لذلك كان من المفيد جداً العودة إلى هذا النظام المتطور واستخدامه.

وكان المغول قد ارتكبوا نفس الخطأ، إذ كانوا قد أوقفوا عمل البيروقراطية الصينية التي كانت من مصادر المال، ثم قاموا باستغلال الفلاحين. وبمرور الوقت، قاد ذلك إلى تأسيس جبهة من الموظفين والفلاحين التي سرعان ما أنهت السيطرة الأجنبية. والمنشوريين لم يكونوا يريدون تكرار هذا الخطأ والأسرة الحاكمة كينغ لجأت إلى البيروقراطية المتجذرة في البلد، وسرعان ما عادت معظم الوظائف في الدولة مسندة إلى الصينيين. (1)

ومن أجل تهدئة الفلاحين، جرى تخفيض الضرائب الزراعية بدرجة كبيرة، وفي القرن الثامن عشر بلغت فقط 5 ـ 6 % من محاصيل الحبوب.

وبعد إزاحة التصحر ودمار الأرض، التي حدثت بسبب الغزو والاحتلال، ازدهرت البلاد مرة أخرى، وزاد عدد السكان بسرعة، وكان في منتصف القرن التاسع عشر يبلغ 430 مليون نسمة، ومن خلال إقامة مستعمرات داخلية ارتفعت المساحات المزروعة من 1661 إلى 1851، بزيادة قدرها 41%، وبذلك تصاعدت الضريبة بشكل ملحوظ.

في الصين أيضاً، كانت الدولة تضطلع بثلاث مهام رئيسية، وهي: حماية الأمن الداخلي (القانون والشرطة)، حماية الأمن الخارجي (الجيش)، القيام ببناء وتنفيذ أعمال البنية التحتية. وفي الصين تقوم السلطات منذ قرون عديدة، بأعمال كبيرة، إذ أن معظم الناس يعيشون على ضفاف الأنهار الكبيرة.

في الشمال في إقليم اللوس للهوانغو، حيث مركز الحضارة الصينية وزراعة الدخن وإلى الجنوب على نهر اليانغسي التي لها طابعها الثقافي، والأنهار لا يمكن التنبؤ بها، ولا سيما الهوانغهو، الذي يفيض على حين غرة ويتلف أعمال قرى وتجمعات سكانية كثيرة. بناء السدود وعلى مدى مئات الكيلومترات هو أمر ضروري، ومناطق المستنقعات لابد تصريف المياه منها،، وأسلوب الري بنظام القنوات أمر ضروري، ، لأن سقوط الأمطار، لا يخضع لنظام أو لقاعدة. وكل هذه تتجاوز قدرة القرى ويتطلب الأمر تخطيط مركزي وتنسيق وتعاون، سيمكن من تحقيق الهدف، وهذا ينبغي أن تنظمه السلطة الحاكمة إذا كانوا لا يريدون السقوط.

ومن اجل إدارة بلد عملاق، وبناء الهيكل ألارتكازي وجباية الضرائب، أستخدم الملوك الموظفين المؤهلين الأكفاء. وقد بوشر باستخدامهم منذ بداية عهد الملك سوي (518 ــ 619) وبعد ذلك في عهد الملك تانغ، (619 ــ 907)وطوروا نظام إدارة واختبارات لاختيار الموظفين في جهاز الدولة (البيروقراطية) وفق معايير الأداء.

حكمت الصين من قبل الفئات العليا، وفي هذا فإن المؤرخين يختلفون حول ما إذا كانت السلطة والسيادة، هي لملاكين الأرض، أو لموظفي البيروقراطية. وفي الواقع كان كبار الموظفين ويطلق عليهم (Mandarine) كانوا في معظمهم من كبار ملاكي الأراضي، وفي الواقع اندمجوا مع بعضهم (كبار الملاكين والموظفين) وشكلوا مجموعة اجتماعية التي أطلق عليها المراقبون الغربيون " النبلاء ". وكان على الموظفين أداء اختبار لقدراتهم وبعد نجاحهم في الامتحان يحصلون على وظيفة جيدة جداً، وعلى راتب جيد في جهاز الدولة.

وكان الراتب يرتفع بسبب الفساد الآخذ بالاتساع، وبحسب التقديرات فإن موارد الفساد كان أكثر من الراتب الذي يتقاضاه الموظف ب 16 مرة، وغالباً ما كان يرتفع أكثر من ذلك. وكان يتم إيداع المال في الأرض ويدار الاستثمار من قبل العشيرة. وكان ذلك يمنح الفرصة أن يتم تمويل دراسة وتأهيل أحد أفراد العائلة لفترة طويلة، للتهيؤ لأمتحان القبول في الوظيفة. وبهذا فإن الوظائف الحكومية (البيروقراطية) كانت تتمتع بدرجة عالية من التجنيد الذاتي. ولكن حتى إذا لم ينجح أحد الموسرين بالنجاح فغي الاختبارات، فإن موارد الأرض التي يمتلكها كافية لأن تحقق له موارد طيبة.

لقرون عديدة كان تطور المجتمع الصيني من خلال ما يسمى دورة (Zyklus) سلالات : كانت بداية الدورة حيث كان الكثير من الفلاحين الأحرار، إذ كانت الملكيات الكبيرة للأرض قد دمرت وأبيدت من خلال الثورات والتمردات ومن خلال غزوات البدو. والبيروقراطية (دوائر إدارة الدولة) كانت قد نظمت ما هو ضروري لإنتاج الفلاحين من البناء الارتكازي، والضرائب المنخفضة (كعناصر ضرورية لإنهاض الاقتصاد الزراعي)، واستقرار الحكم والسلالة. وبذلك نمت الزراعة، والفئات الفلاحية، وبدأت ملامح بلد جديد، وعادت واردات الضرائب في التصاعد (كنتيجة لتصاعد الإنتاج). (2)

وبعد ذلك تصاعدت الأراضي الزراعية المملوكة من الموظفين. وملاك الأراضي المحليين، والتجار. والثراء في هذه المجموعة كان يتم استثماره في القطاع العقاري. والقطاع الخاص كان يواصل نموه، في تحالف محلي بين البيروقراطية وكبار الملاكين، والنبلاء، كان يشتد بمرور الأيام، في هذا الحال تراجع دخل الفلاحين، فيما بقي الجزء الأعظم من الضرائب كما هو.

الإدارة المركزية كان تحرم من الموارد، ولم يعد بوسع الملكية إقامة المزيد من البنى الارتكازية. والفلاحين الذين لم يستولي الملاكين الكبار على أراضيهم، وكان عليهم أن يواصلوا دفع الضرائب، وبدون أن يتلقوا من الدولة خدمات. والزيادة في عدد السكان، مثل تصاعداً في الضغط على البلاد صاعد بدوره من متاعب الفلاحين المستأجرين للأرض. وكان على الفلاحين دفع زيادات في الأجور لأصحاب الملكيات الكبيرة، وظرف كهذا سيؤدي إلى ثورة فلاحية، أو سلاله حاكمة ضعيفة ستكون ضحية لغزوة خارجية، والملكيات الكبيرة في قسمها الأكبر سيستولي عليها الفلاحين، وهكذا تبدأ دورة جديدة بقيادة سلالة جديدة.(3)

قبل غزو المانشو بفترة وجيزة، حدث تمرد دموي في عهد السلالة مينغ (Ming)، دمر الكثير من أراضي كبار الملاك. هذه الانتفاضة أضعفت السلالة الحاكمة (مينغ) إلى حد كبير. ولذلك مكنت المانشو من احتلال الصين. ومع سلالة تشينغ (Qing) بدأت دورة سلالات جديدة، التي كانت لها نفس الضعف الهيكلي كما هو الحال عند السلالات السابقة.

في القرن 18 اشتد وتواصل استثمار الكثير من الموظفين لأموالهم في العقار، وتأسيس ملكيات كبيرة وتشكيل فئة نبلاء جديدة. وخاصة في جنوب البلاد تمت هذه العملية، ولكن كان ما يزال هناك بقايا قوة لسلاله تشينغ في القرن 18، وبداية القرن 19 ، لإيقاف عملية التمزق والسقوط. ولكن الصدام مع الأوربيين غير كل شيئ، في بدأ تنمية جديدة، في تقويض الملكية.

كانت الصين تعتبر نفسها الحضارة الوحيدة في العالم، فيما اعتبرت باقي الشعوب برابرة. وكان هذا في الماضي ناجحة بالوسائل العسكرية واستولوا على أواسط البلاد، ولكن فيما بعد تفوقت عليهم حضارة الهان (Han) وطردتهم. الأوربيين كانوا أول الأجانب الذين يدخلون البلاد، كحضارة مسيحية متعادلة بل والمتفوقة عليهم في نواح عديدة. وقد سجل هذا في بكين متأخرا جداً. الأجانب لم يندمجوا، بل بالعكس، بل هم حولوا الثقافة الصينية بشكل كامل. وبهذا فقدوا هويتهم التي امتازوا بها لألاف السنوات، واصطدموا في أزمة هوية حادة. والملامسة الأولى مع الأوربيين وبصفة خاصة في جنوب البلاد، أستغرق وقتاً طويلاً لتصل آثاره في بكين.

اقتحام الأوربيين.

من بعد القرن السادس عشر حصلت الاتصالات الأولى بين التجار الأوربيين، ودول أواسط الصين. لكنها فشلت لأن ملوك الصين كانوا ينهجون سياسة الاكتفاء الذاتي، ولم يكونوا مهتمين بالعلاقات الاقتصادية.

في عام 1550 تم طرد البرتغاليين، بعد أن حاولوا فتح الموانئ بالقوة، و كذلك كان قدر الهولنديين مشابه لمصير المحاولات البرتغالية في القرن 17 الذين كانوا قد احتلوا جزر بيسكادورس وفرموزا، ولكنهم لاقوا الفشل في محاولاتهم على البر الصيني.
وفي عام 1637 أرغم البريطاني ويدل من شركة الهند الشرقية على فتح كانتون بخمس سفن، وفي عام 1648 نال البريطانيون هناك حق التأسيس . وحاولت شركة الهند الشرقية في السنوات ال 150 اللاحقة بتنشيط العلاقات التجارية مع الصين وتصدير القصدير والرصاص والنحاس والقطن، وبالمقابل استيراد الشاي والحرير والبورسلان (الخزف).

ولكن الإنكليز صاروا يستوردون أكثر مما يصدرون، ويدفعون الفارق بالفضة. وبسبب النشاط الصيني قي التجارة كانت الفضة تتدفق من الهند إلى الصين. وقررت شركة الهند الشرقية تغيير هذا الوضع، وبدأت في بداية عام 1800 بتهريب الأفيون، حيث كان الطلب عليه في الصين، ثم جرى تهريبه إلى أواسط الصين.

وكان لهذا السم عواقبه المدمرة على الصحة العامة للشعب وفي بداية حرب الأفيون عام 1839، كانت التقديرات تشير إلى نحو 2 مليون مدمن على المخدرات في الصين، وباتجاهات آخذة بالتصاعد. وكان هذا الاتجار غير المشروع بالمخدرات يتسبب في خروج كميات كبيرة من الفضة الصينية دفعاً لثمن هذا السم (الأفيون).

وقامت الحكومة الصينية حكومة لين، الاستيلاء على كمية كبيرة من الأفيون من المهربين وصادرتها في ميناء كانتون، ثم قامت لاحقاً بإحراقها علناً. وبذريعة واحدة أعلنت بريطانيا الحرب التجارية ضد الصين. وهزمت القوات الملكية الصينية ، وفي عام 1842 اضطرت الصين إلى تقديم تنازلات مهينة في معاهدة نانكينغ، فيما أطلق عليه بالمعاهدة غير المتكافئة. خسروا بموجبها هونغ كونغ، لصالح بريطانيا، كما تعين على الصينيين فتح خمس موانئ بوجه السفن البريطانية من بينها شانغاهاي، وكانتون، وسمح فيها لتجارة أوربية غير محدودة، ودفع مبالغ تعويض عالية. والآن أصبح الأفيون يدخل البلاد بدون ممانعة ويسري في البلاد .

وكانت العواقب الاقتصادية كارثية بالنسبة للصين. والميزان التجاري الذي كان جيداً تحول إلى السلبية، وتدفقت كميات كبيرة من الفضة إلى الخارج. وتضاعف سعر الفضة الذي كان أساساً للتعامل في الضرائب في السنوات اللاحقة، فيما أنخفض سعر النحاس الذي كان يمثل عملة البلاد. ونشأ عجز كضخم في ميزانية الدولة ، لأن معظم الفلاحين لم يعودوا في وضع يمكنهم من دفع ما يترتب عليهم من الضرائب. وكانت الدولة بحاجة سريعة لكمية كبيرة من المبالغ المالية. وفي معظم المناطق، كانت المواقع الوظيفية معروضة للبيع، ولم تعد المؤهلات والخدمة الطويلة شرطاً لإشغال المراتب الوظيفية العليا في الإدارة. والكثير من الفلاحين كانوا يرزحون تحت ضرائب لا ترحم.

وكانت النتيجة انتفاضة فلاحية دموية في مناطق نهر اليانغسي، وثورة في مناطق تايبينغ،، ثم سرعان ما حدث نهوض في الشمال وثورة في نيان. وقد دام الأمر نحو ربع قرن (25 عاماً) حتى تم سحق هذه الثورات والانتفاضات، وقد بلغ أعداد الضحايا 20 إلى 30 مليون نسمة. وتعرضت مناطق كثيرة ولا سيما في جنوب البلاد للتدمير وللتصحر. ولم تتمكن الحكومة الملكية من سحق الثورات إلا بمساعدة القوى الغربية، ولكنها في المقابل دخلت تحت هيمنة القوى الإمبريالية بشكل كامل.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان على الصين أن تقوم بفتح المزيد من الموانئ. وأن تسمح بمناطق خارج سيطرة الدولة مثل ميناء شنغهاي، مناطق دولة تتحول إلى السيطرة التامة للقوى الأوربية، وظهرت مناطق مستأجرة (تقوم الدولة الصينية بإيجارها)، محافظات صينية تركت للأجانب وفق حق الانتفاع، مثل شانتونغ، والمنطقة الألمانية المستأجرة في شمال الصين.

كانت الإدارة البحرية والجمارك تحت سيطرة الدول الأجنبية، وفقدت الصين مستعمراتها : تونكينغ، آنام، بيرما، وكوريا، وفي الشمال الغربي ضمت روسيا إليها المناطق شمال آمور، ومع تواصل تقديم التنازلات أقام الأجانب السكك الحديدية وخطوط التلغراف، تلقت المناجم إلزاما بدفع الضرائب. وبدأت حركة بيع واسعة النطاق، وفقدت الصين سيادتها. وبسبب تبعيتها المالية من المانحين الأجانب، كان عليها أن توقع على المزيد من الاتفاقيات غير المتكافئة، وأصبحت البلاد كالكرة تتقاذفها القوى الإمبريالية.

تشكيل المعارضة
ابتدأ النفوذ الأجنبي بالتدهور بوضوح منذ منتصف القرن التاسع عشر، في النظام الاجتماعي الصيني القديم، وقام الأجانب بضخ كثيف للمنتجات وعلى نطاق واسع من خلال الموانئ المتعاقدة، والتي كانت تنقل إلى مناطق أخرى في البلاد بواسطة السكك الحديدية والسفن حتى إلى داخل البلاد، وساهمت في تدمير الصناعات الناشئة (أشكال الإنتاج قبل الصناعية). والزراعة الصينية التي كانت معتمدة على منتجات الورش، وكان الكثير من الفلاحين الصينيين يعتمدون في معيشتهم على إنتاج القطن ومن ثم غزول وخيوط ومنسوجات القطن، ويتغلغل التسويق الواسع للمنتجات المستوردة سقطت حلقات مهمة من هذه الدورة الاقتصادية، فيما كان الاستيراد يتواصل بقوة من أوربا، ومن اليابان أيضاً. ومن نتائج هذه العملية أيضاً تصاعد أعداد البروليتاريا في الريف وهجرة الكثير منهم إلى المدن.

وفي المدن دار النضال بين العاملين في الورش بوجه طوفان السلع الأجنبية المستوردة. وبهذا كانت التأثيرات الإمبريالية تخلق التناقضات. وكان على الفلاحين بأعداد متزايدة أن يبيعوا منتجاتهم من أجل تسديد الضرائب، وشراء السلع المستوردة، ومع نمو السوق الداخلية وبدأ يخلف فرصاً للمنتجين المحليين. ونمو سريع للمدن مما ضاعف من حجم الاستهلاك في مجالات: الأثاث، المنسوجات، الورق، والحصران وصناعات الأحذية. ومثلت فئة المنتجين الصغار من الصينيين منافسين للأجانب، التي كانت تعتمد على استغلال القوة العاملة الصينية مقابل أجور مخفضة غير مقبولة.

وحيال الهيمنة الأجنبية تأسست في بداية القرن العشرين تحالف متناقض يتألف من فئات اجتماعية مختلفة:
المثقفين الذين لم تكن أعدادهم غفيرة، كانت الجماعة الأكثر تأثيراً بسبب امتلاكهم المقدرة على الانتشار و التأثير والتوعية والقدرة على صياغة المصالح الصينية، ولتكون قوة اجتماعية واسعة مؤثرة. اجتماعيا كان أبناء زعماء القبائل والأسر النبيلة أو من الموسرين من الفلاحين، وعوائل التجار الأثرياء وأصحاب الورش، أبناء الموظفين والعسكريين. وفي الأوقات العادية كانت لديهم أراء حيال الدولة برواتب ثابتة وفرص للممارسة الفساد وتحقيق الأرباح، ولكن نظراً للحالة المتراجعة لحكم أسرة كوينغ، مثل ذلك كوسيلة للتعرف أشكال نظم الحكم للدول الغربية، والنظريات الديمقراطية والاجتماعية، بدأت تنمو بين صفوفهم والاقتناع بها. التي لا يمكن لأي أسرة تنقذ الصين سوى نظام جمهوري ويفتح المجال لهم لبدء مسيرة جديدة.

عانى التجار والحرفيون (أصحاب الورش) والصناعيون، معانة شديدة من المنافسة الأجنبية، والتي كانت تقلص من أرباحهم، وعدا ذلك، كانت الصناعات المحلية تدفع الضرائب العالية على عكس المنتجات الأجنبية للقوى الاستعمارية مما أبقة الرأسمال الوطني صغيراً ويعاني من معوقات النمو. لذلك كان طرد الإمبرياليين يصب في مصلحة المنتجين الصينيين.

وقد عانت الطبقة العاملة الصينية الناشئة من ظروف العمل والسكن خلال التصنيع الرأسمالي. بل أن الكثير من أرباب العمل الصينيون قد استغلوا، وفي هذه المرحلة المبكرة لم تكن البروليتاريا الصينية قد طورت أداتها التنظيمية، أو بلورت نظريتها الخاصة بها لخصوصية أوضاعها، وكانت ترى في المانشو العدو الرئيسي. ولاحقاً حدث التناقض بين رأس المال والعمال وتكشفت أبعاده.

ولعب الصينيون المقيمون في الخارج دوراً مهماً في الثورة. منذ القرن التاسع عشر هاجر الكثير من الصينيين لا سيما من الأقاليم الجنوبية مفضلين جنوب شرق آسيا، وبعض الجزر في المحيط الهادئ، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وغالباً ما كانوا يأتون كعمال متعاقدين في المستعمرات الأوربية، كما على سبيل المثال : إلى ماليزيا وعملوا هناك في بساتين ومزارع المطاط. وفي غضون عدة أجيال حقق الكثير منهم أوضاعاً مالية جيدة. وعلى الرغم من أنهم كانوا يعيشون خارج الصين، إلا أنهم كانوا يشعرون بأرتباطهم بوطنهم، وكانوا يريدون إنهاء الحالة المزرية التي يعيشها الوطن. وصينيو الخارج كانوا يدعمون الحركات الجمهورية عبر تحويلات مالية كبيرة.

وحتى ضمن الفئة الحاكمة، تأسست ولا سيما في جنوب الصين تشكيلات معارضة، كبار الموظفين وقسم من النبلاء الذين لم يعودوا يريدون أن يتلقوا الأوامر من بكين العاصمة، وبدأوا يظهرون نزعات انفصالية.

عانت جماهير الفلاحين من الظروف الاجتماعية القاهرة. وأدى ضغط السكان إلى ارتفاع أجرة الأرض، إذ كانت رغبة صغار المزارعين إلى توسيع أراضيهم. وبالقرب من المدن الكبرى أفجرت أسعار العقارات وأجرة الأرض من 60% ــ 70% في زيادة لم تكن مألوفة. وفي ثورة 1911 لم يلعب الفلاحون دوراً فيها، إذ كان قادة الثورة من أبناء المدن. كانت قوة الثورة في الصين بحاجة ماسة إلى قائد. لكي يتمكن من تعبئتهم، وهذا توفر في القائد الدكتور صن يات صن (Sun Yat sen) وكان من مثقفي الصين المهاجرين.

            

بداية ونهاية الجمهورية
كان صن يات صن ( 1866 أو 1870 ــ 1925) قد أمضى شبابه في هاواي، ثم أنتقل إلى هونغ كونغ عام 1886، درس الطب، ثم عمل هماك طبيباً بعد تخرجه. وبعد عدة سفرات إلى البلدان الغربية تمثل له تفوق الديمقراطية والتكنولوجيا الغربية، غذت عنده عدم رضاه بسيادة الأسرة المنشورية في الصين. في عام 1895 قام للمرة الأولى بتنظيم انتفاضة في مدينة كانتون، ولكنها فشلت، ولكنه قام عام 1905 بتأسيس منظمة ثورية، التي كانت المقدمة لتأسيس حزب الشعب الكومنتاج (Kumintag).
(الصورة : الدكتور صن يات سين مؤسس حزب الشعب الصيني)

طور صن يات صن ما يسمى المبادئ الشعبية الثلاثة : القومية، الديمقراطية، والرخاء الشعبي. وحاول مع حزبه تحقيقها. وكان رأيه أنه يطور المنهج الثوري الذي سيكون بوسع الصين ليس فقط استبدال عائلة حاكمة بأخرى، بل تحويل الصين إلى نمط أوربا الغربية والنموذج الأمريكي هيكلياً وبصفة تامة، ويقيم دولته الحديثة. هكذا عبر صن يات صن عن مبادئه، ولكن لم يكن بوسعه تحقيق أهدافه الطموحة.

القومية : كان شعار القومية عنده مترافقاً مع طرد الأسرة المانشورية الأجنبية، وتأسيس قومية الهان (Han Nationality) وكان تحرير الصين عنده يعادل تقويض حكم أسرة كوينغ (Qing Dynastic). القوى الغربية لم تجد فيه تهديداً، وكانت نفوذهم الضار على الصين بحسب رأيه يعود إلى سياسة المنشوريين الذين عقدوا اتفاقيات غير متكافئة ألحقت الضرر بالصين. وكان يعتقد أن صين ديمقراطية ستعامل من قبل القوى الغربية على قدم المساواة، ولكنه لاحقاً فقط لحظ أن هذه ليست سوى أمنيات.

الديمقراطية : كان صين ديمقراطية هو حلم صن يات صن، ولكنه كان يرى ايضاً أن الصين لا تمتلك خبرة أو تقاليد ديمقراطية. لذلك فهو كان يعتقد أن البشر يجب يتقدموا خطوة فخطوة ليعتادوا على قواعد اللعبة الديمقراطية، وركز على ثلاثة مراحل.
في أول ثلاث سنوات من المرحلة الأولى، كان العسكريون ما يزالون يسيطرون على البلاد من أجل الاستقرار. ثم بدلوا تدريجياً بتسليم السلطة لممثلي الشعب المنتخبين، وفي النهاية وبعد ستة سنوات، أصبح البلد يحكم بواسطة برلمان. وقد أستند هذا إلى سوء تقدير كامل للطموحات السياسية للضباط الجنرلات في البلاد.

الرخاء الشعبي : وهو مبدأ يشوبه التعقيد والاضطراب خلال طرحه. فهو كان يعلم من خلال تجاربه الشخصية، شقاء الطبقة العاملة في الولايات المتحدة وفي أوربا. وكان هذا بحسب رأيه أن الأرض هناك بيد قلة قليلة من الأثرياء والذين يشغلون الناس في المدن(أرباب العمل)، كانوا في وضع يرغم الناس على العمل ولو من أجل القليل من المال.

ومن أجل تجنيب البروليتاريا الصينية هذا المآل، ينبغي العمل على إبقاء الفلاحين في الريف وعدم دفعهم للهجرة إلى المدن. فما ينبغي عمله هو عدم تفتيت الملكيات الكبيرة، بل الأفضل، كان يخطط أن يفرض وسيلة ضريبية جديدة على أصحاب الملكيات والمستأجرين. وأن إصلاحاً في الأرض كهذا، أقتبسه من الأمريكي هنري جورج الذي كان يخطط لشيئ مماثل في الولايات المتحدة. والهدف كان تجنب النزوح للمدن من الريف، أو خلق بروليتاريا فلاحية.

التفسيرات الثلاثة لمبادئه تبدو بعيدة عن الواقعية، ولم يشاركه فيها الكثير من أتباعه. وكان رأيهم يتمثل بطرد كافة الأجانب من البلاد، وإقالة الجنرالات، ومصادرة الملكيات الكبيرة يمكن أن تحل المشكلات الصينية. كان هذا على الأقل قناعة الجناح الراديكالي لحزبه، ولاحقاً وجهة نظر الشيوعيين أيضاً. ولكن على أية حال نجح صن يات صن نجاحاً واسعاً في أن يكون رمزاً لجمهورية صينية.

سقطت سلالة كوينغ (Qing Dynastie) في آخر أزمة شهدتها عندما توفيت الإمبراطورة الأرملة تسو هيس (Tzu His) عام 1908، وهي أسرة دموية ومغرقة بالرجعية، التي وقفت عائقاً أمام أي تقدم للصين. وكانت قد عينت بو يي (Pu Yi) ليخلفها وكان لما يزل طفلاً، لذا وضع تحت الوصاية. وفي هذا الظروف الصعبة، تقدم عدد من القوى والحكام المحليين في الجنوب وحازوا المزيد من النفوذ والمزيد من النزعات الاستقلالية عن العاصمة بكين .

ومن أجل تأديب فئة النبلاء الجامحة في المناطق الجنوبية وإعادة الانضباط، طلب ممثلوا الملك من قائد جيوش الشمال الجنرال يوان شي كاي (Yuan Schi Kai) الذي كانت تحت قيادته قطعات ممتازة مجهزة تجهيزاً جيداً. وكان الجنرال يوان ذاته يمثل مصالح كبار رجال وموظفي الدولة، وهم من العروق المنشورية غالباً، وملاك الأراضي وكبار التجار الأثرياء في مناطق الشمال، التي كانت في الماضي من أكثر مناطق البلاد تخلفاً.

كانت المناسبة التي قادت إلى إسقاط حكم المنشوريين لها طبيعة تصادفية. ففي أواخر عام 1911 بدأت في غرب الصين أحدث ما يسمى " أعمال شغب السكك الحديدية ". وكانت الحكومة الصينية قد اقترضت من الخارج وقامت برهن خطوط السكك الحديدية التي تعود لمساهمين صينيين. وهؤلاء قاموا بالدفاع عن مصالحهم وتمكنوا من تعبئة عمال السكك الحديدية في مساعيهم. وبعد ذلك بوقت قصير، اندلعت في مدينة بوخانغ (اليوم جزء من فوهان) انتفاضة مسلحة. كانت هذه الانتفاضة المسلحة مدعومة من نبلاء جنوبيون.

الجنرال يوان شي كاي الذي بدا وكأنه قد قرر أن يقمع الثورة، ولكنه تردد فيما بعد. وكان الوضع يتطور لصالح الثوار، ولكن مع الحذر من أن تقوم قوات عسكرية حكومية بضرب الثورة من قوات الشمال، وقام نبلاء جنوبيون بالاتصال مع الثوار في نانكينغ، من أجل تقوية الوضع، وأستغل الثوار هذا الدعم وأعلنوا قيام الجمهورية الصينية وإعلان صن يات صن رئيساً لها.

الحكومة الجديدة في هذا الوقت تجد نفسها في موقف ضعيف. لم تكن بحوزتها قوات عسكرية مناسبة، وكانت حيال القوات الشمالية بدون قدرات حقيقية، كما لم تكن ترغب المجازفة في خوض حرب أهلية سوف لن يتمكنوا من الانتصار بها.

الجنرال يوان شي كاي كان لما يزل متردداً بتوجيه ضربة للثوار الجنوبيين، ولم يكن يعلم كيف سيكون رد فعل الغربيين الأجانب، وهم الذين لم يكونوا يهتمون بجمهورية ديمقراطية صينية، ولكنهم أيضاً لم يكونوا يرغبون في حكم سلالة كوينغ المنهكة. (4)

والغربيون كانوا يفضلون حاكماً قوياً يسيطر على كافة أرجاء الصين هو الحل الأفضل. الجنرال يوان شي كاي أدرك أنه يمكن أن يكون هذا الرجل، وأستغل الفرصة. ففي 12 شباط / فبراير / 1912 أرغم آخر ملك على التنازل ، ثم قدم الجنرال يوان عرضاً بدعم الجمهورية، ولكن شريطة أن يعينوه رئيساً للجمهورية. وافق صن يات صن أدرك موقفه اليائس ومن أجل الحفاظ على وحدة الإمبراطورية، وتجنب حرب أهلية محتملة، قد استقالته قي 14 / شباط / 1912 استقالته كرئيس للجمهورية، وفي اليوم التالي أنتخب الجنرال يوان شي كاي كرئيس جديد للجمهورية.

وبسرعة مثيرة للدهشة، أستسلم الجمهوريون، وكانت ثقتهم بالرئيس الجديد بلا شك ساذجة ، ولكن خلال فترة حكمه القصيرة لم يقم البرلمان بفعل ما عليه فعله، فالنواب كانوا مشغولين بتبادل اللوم مع بعضهم، وأن يمنحوا أنفسهم رواتب كبيرة، كما أن فضائح الفساد على الملأ دمرت سمعة الجمهورية بسرعة. أدرك يوان بسرعة هذا المسار، وارتقى بواسطة البرلمان إلى كأمبراطور جديد، بحيث بدا أن نتيجة كل ما حدث هو تبديل الأسرة الحاكمة ليس إلا.

لكن يوان لم يتمكن من الصمود طويلاً، إذ سقطت بلاده في دوامة الحرب العالمية الأولى، فوضعه اليابانيون تحت الضغط وقلصوا من سلطاته، والحرب الأهلية التي كان الجميع يحاول تفاديها، حدثت أخيراً، ويوان نفسه توفي مطلع عام 1916، وبذلك انتهى فعلاً النظام الملكي.

في السنوات المقبلة، سينتزع بقايا مجموعة صن يات صن، الكومنتاج (Komintag) سوية مع نبلاء الجنوب السلطة رمة أخرى، وخوض حرب دموية مع السلطة العسكرية في الشمال، وانتصروا في هذا الصراع. ولكنها كانت تمثل مصالح العسكريين في المدن، وقسم من النبلاء، ، ولكنه في ذلك أهملوا مشكلات الصين الحقيقية كمشكلة الزراعة، وحالة العمال أهملت بصفة تامة، لذلك فإنها ستفشل وسيتركون الميدان للشيوعيين، الذين كانوا على العكس منهم، تحتل قضية الفلاحين والعمال الدرجة الأولى في اهتماماتهم.

وبالرغم من اخطاء صن يات صن فهو يعتبر سواء من قبل الشيوعيين أو القوميين في تايوان، القائد المؤسس للصين الحديثة، وينال تقديراً وافراً. وعلى عكس الجارة اليابان، التي أبتدأ عملية النهوض والتحديث من قبل الطبقات والفئات العليا، كانوا هؤلاء المعوقين في الصين، فالجمهوريون كانوا أضعف من المضي قدماً، ولم يدرك مواجهة المشاكل وحلها سوى الشيوعيون.

هوامش

1. هذا خطأ تقليدي يقع فيه كل محتل، الذي همه الأول الحصول على المال والامتيازات، ويريد الحصول عليها بأي طريقة، ولا يهمه في ذلك أن تكون الأساليب محترمة وراقية. لذلك فالأساليب هي دائماً النهب والسرقة، والسلب والاستيلاء.

2. البناء الأرتكازي، هي تلك المنشأت الضرورية السابقة لعملية الإنتاج الصناعي والزراعي، وتتمثل : بالطرق والمواصلات، مراكز تجميع الإنتاج، الموانئ، منشأت الطاقة، المستشفيات.

3. لاحظ تطور التاريخي، سلاله ضعيفة، حكم داخلي ضعيف، سيستولي الأقوياء ما عند الضعفاء، وخارجيا سيغري الضعف جهة خارجية قوية لتستولي على البلاد. ولتبدأ دورة تاريخية جديدة. والإفلات من هذه الدورات لم يكن ليحدث إلا عبر ثورة شعبية قادها ماوتسي تونغ.

4. هذا الموقثف قد يدهش القراء، ولكنه موقف تقليدي لكل طامع أجنبي، هو لم يقطع البحار والمحيطات ليثبت قيم أخلاقية وسياسية، فهذا لا يهمه بشروى نقير، ما يهمه هو مصالحه السياسية والاقتصادية ومن يؤمنها له هو المرغوب والأفضل. وهذا درس صيني مهم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2348 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع