خالد حسن الخطيب
أبرز واقوى أقوياء القرن العشرين على الاطلاق
اشترى جلالة الملك فيصل الاول ( اول ملوك المملكة العراقية 1921 –1933 ) اراضي زراعية كبيرة حيث دفع جلالته ثمنها من ماله الخاص الى اصحابها على شكل ليرات ذهبية في ذلك الحين وهذه الاراضي تقع حاليا ما يسمى بمدينة الغازي ( حي المأمون) وكذلك حي اليرموك وحي الداوودي والجامعة والخضراء والعامرية وحي العامل والإسكان حتى حدود مدينة البياع التي كانت ملكا الى أل النقيب في بغداد.
ومن الجدير بالذكر كان المرحوم علي البياع وكيل وأمين ممتلكات وأرضي أل النقيب وعندما شحت وقلت وارداتهم المالية بسبب قلة المحاصيل الزراعية وهبوط اثمانها التي لا تسد احتياجاتهم ومتطلباتهم المادية والاجتماعية تمت الاستدانة من وكيلهم المرحوم علي البياع حتى بلغت قيمة هذه الديون مستوى كبير وعال فأتفق أل النقيب مع المرحوم علي البياع على استيفاء هذه الديون من قيمة الارض التي حددوها له , وأصبحت منطقة البياع المعروفة حاليا مملوكة الى المرحوم علي البياع في ذلك الوقت وهذه الواقعة حدثنا بها الاستاذ عبد الوهاب النقيب رحمه الله ... وهو ابن عبد الرحمن النقيب اول رئيس وزراء في عهد الملك فيصل الاول حيث نقلها لنا الاستاذ الحقوقي صلاح عبد الحميد الحطاب ..
ومن الجدير بالذكر ايضا , كانت هناك ارضي زراعية ملكية في منطقة خانقين والكوت وكانت تدار من قبل موظفين ومستخدمين مرتبطين بالبلاط الملكي لا علاقة الدولة بهم من حيث الرواتب والإتعاب حيث كانت رواتب هؤلاء الموظفين يتقاضونها من ناتج غلة هذه الاراضي اي ان الرواتب تصرف من جيب العائلة المالكة . وكان مدير( المزرعة الملكية ) مزارع الكوت الملكية هو المرحوم يحيى عبد الفتاح ياسين الذي كان مدرّسا في احد المدارس العراقية , اما مدير ( المزرعة الملكية ) مزارع خانقين الملكية فكان مديرها المرحوم رشيد حويش والد الدكتور عصام حويش محافظ البنك المركزي العراقي سابقا الذي هو ابن اخت عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية العراقية السابق .
وبعد انبثاق ثورة 1958 صودرت جميع الممتلكات والأراضي العائدة الى العائلة المالكة وأصبحت ملكا للشعب ومنها قصر الرحاب وقصر الزهور والأراضي التي لم تباع مثل ( حي اليرموك و العامرية والجامعة والخضراء وغيرها لاحقا ) وكذلك مزارع الكوت الملكية ومزارع خانقين الملكية .
وكان جلالة الملك فيصل الاول قد أمر بنصب مكائن ضخمة على شاطئ نهر دجلة في ( منطقة القادسية حاليا ) تقوم بسحب المياه من نهر دجلة وضخها بصورة مستمرة الى ساقية تذهب عشرات الكيلومترات وتنتهي الى مرسلات الاذاعة في منطقة ابو غريب وكان عدد هذه المكائن ثمانية حيث تعمل اربعة لمدة اثنتا عشرة ساعة وتتوقف بعدها تعمل الاربعة الاخرى اثنتا عشر الساعة المتبقية وكان يديرها ويشغلها المرحوم الحاج حنوش الذي كان يسكن للدار الملاصقة لجامع المأمون .
وبعد وفاة الملك فيصل الاول كان قسم من هذه الاراضي التي ذكرناها هي حصة احدى بناته وهي الاميرة راجحة فيصل زوجة السيد عبد الجبار محمود الطائي الذي كان ضابط طيارا في الجيش العراقي .
وفي بداية خمسينيات القرن المنصرم قامت الحكومة العراقية بوضع خطة لشق طريق جديد ( الطريق من ساحة النسور الى مرسلات الاذاعة في ابو غريب مرورا بتقاطع نفق الشرطة وكلية الطب البيطري) ويحاذي الطريق العام القديم الذي يربط بين بغداد و الفلوجه , لكن كانت هناك مشكلة هي بوجود الساقية التي تعود الى الاراضي الملكية فجاءت فكرة بإنشاء مدينة سكنية محصورة بين الساقية وبين مشروع الطريق الجديد وهذه المدينة الصغيرة تتسع الى 180 قطعة سكنية فقط كتجربة او كمرحله اولى , وقاموا بجلب رجال خبراء بتخطيط المدن وكلفوا رجال لبيعها منهم المحامي كاظم الفلوجي والمحامي عبد الستار الشيخلي الذي اصبح فيما بعد قاضيا في وزارة العدل العراقية وكانت مكاتب هؤلاء المحامين تقع في منطقة الكرخ وبالقرب من ساحة الشهداء في عمارة تسمى عمارة الوتار بالقرب من علوة الاسماك القديمة . وقد سمّيت في اول الامر بمدينة الغازي تيمننا بالملك غازي رحمه الله وقد تم عرضها في سنة 1954 بواسطة الجرائد والصحف العراقية الصادرة في تلك المرحلة وكانت الناس تتوجس وتتخوف بالذهاب الى تلك المناطق البعيدة , وكانت اسعار هذه الاراضي على ثلاثة اسعار فكان سعر قطع الاراضي المحاذية الى مشروع الطريق العام بدينار ونصف للمتر الواحد وعلى شكل 400 متر للقطعة الواحدة ( العقارات المحاذية للشارع العام في منطقة المأمون وتبدأ من سوق غازي او محلات سيد الحليب الى سكة القطار حاليا ) , والتي خلفها مباشرتا بسعر دينار وربع للمتر الواحد وعلى شكل 400 متر لقطعة الواحدة ثم يشق طريق موازي لها بحيث تكون هناك قطع محصورة بين الطريق وساقية الماء وهي لا تتجاوز 200 متر للقطعة الواحدة وبسعر دينار فقط لمتر الواحد وذلك بسبب وجود الافاعي والحشرات والأشجار الكبيرة مثل الصفصاف وأشجار الغرو على ضفاف هذه الساقية .
وكان الاستاذ المرحوم عبد الهادي حسين الراوي احد المشترين لهذه القطع ذات قيمة الدينار الواحد وكان يعمل محاسبا في مدارس جمعية التفيض الاهلية وقام بأخذ سلفه مع منتسبين الجمعية على ان يتم تسديد المبلغ على شكل مراحل لغرض تسديد قيمة الارض بصورة كاملة ولم يبقى لهذا الرجل من المال ما يمكنه من بناء دار سكنية , وكان يغشى ان يستدين لعفته وعزة نفسه , وكان في ذلك الزمان ان سعر شاحنة ( اللوري ) الطابوق الكسر ب 750 فلسا الذي يكون ملئ بإنصاف الطابوق والطابوق المثلوم والطابوق المحروق ( المنصهر ) والطابوق الاحمر الغير مكتمل الحرق فقام بتعديل الارض بنفسه بعدها قام بتخطيط غرفة طويلة واشترى اثنان من لوريات الطابوق الكسر , وقام ايضا بشراء شبابيك مستعملة وباب مستعمل من محلات بيع الانقاض واشترى بعض قطع الشيلمان المستعمل واحضر لوري من الجص الذي لا يتجاوز سعره في ذلك الوقت ب 20 دينار وجلب عامل البناء ( الخلفه ) وقاموا الاثنين فقط بتشييد هذه الغرفة الكبيرة وبجانيها غرفة صغيرة تكون مثل المرافق او الحمام وقام بتبليط الارض ببقايا المواد الانشائية المتبقية وأصبحت غرفة صالحة للسكن وقام بتسيجها بواسطة اغصان الاشجار ولم تكلفة هذه العملية سوى 30 دينار فقط دون ان يستدين من احد بل اعتمد على نفسه وعلى همته وإرادته بعد توكله على الله وقام بهذا العمل البطولي لوحده بإيجاد مأوى امن له والى عائلة الكريمة دون ان يجعل من نفسه مطلوب الى جهة معينة .
وبعد سنوات قام بسداد ما تبقى بذمته وتحسنت اموره المادية بترقيته فقام الرجل ببناء دار حديثة وجميلة وكبيرة ومميزة على نفس قطعة الارض الذي يملكها وأصبحت مأوى له والى عائلته الى يومنا هذا .
هذه هي قناعة الرجل العراقي البطل دون ان يطأطئ رأسه الى احد , رحم الله ابو مزاحم على هذا العمل البطولي الذي اصبح قدوة لمن يريد ان يعيش بعزة وشرف مرفوع الراس دون ذل او مهانة ... وأخيرا أقول .. للبطولة رجال ابطال وعنهم كل كلمات المجد تقال .
فهذا الرجل ( رحمه الله ) كان وما يزال احد اكبر وابرز اقوياء القرن العشرين على الاطلاق بقوة ارادته وعزمه واصراره الذي لا يلين .
3973 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع