القس لوسيان جميل
الى آبائي الأجلاء وإخوتي القراء
كان آخر مقال لي ( وليس الأخير إن شاء الله )، كان عنوانه: كان يسوع علمانيا. أي كان يحارب فكر رجال دين العهد القديم الجامد، لكنه لم يكن ملحدا ولم يكن هرطوقيا ولا شخصا بدون اله وبدون بوصلة روحية ومبادئ، يسير عليها. وهنا يسرنا إن نقول بأن يسوع انتصر على كل الجهات التي حاربها. وهو جاهز ليكون مع كل من يختار العلمانية سبيلا للحرية والتحرر من الأفكار البالية. فالعلمانية هي نتيجة التغيير الذي حدث في العالم، وهي بمثابة دعوة موازية لدعوة يسوع الأولى التي جعلت من الانسان بكرامة ابناء الله. وليس عبدا لله ولا لرجال الدين السلفيين.
هذا واننا نعرف الآن ان العلمانية،ان لم تكن الدعوة الأخيرة للتحرر من الفكر الاقطاعي المسيحي القرن اوسطي، فأنها من الفترات التي ترينا وجه يسوع التحرري المستمر في قضم جزء من تسلط الفكر الديني القرن اوسطي، باتجاه نهاية لا نعرف حقيقتها . فالكنيسة بشكل عام وكنائسنا المشرقية بكل خاص كانت مدعوة الى الولوج الى الفكر العلماني الشبيه بفكر يسوع الذي قضى على تسلط رجال دين العهد القديم ورجال الدين الديانة الرومانية الوثنية. غير إن الكنيسة، مع الأسف لم تستطع، لاسباب لا نخوض فيها إن تلبي دعوتها الى المواكبة للحقائق الانسانية المرحلية في تغييرها الصاعد. لكن الكنيسة يبدو انها فضلت فكرا مسيحيا مزورا مجمدا في قوالب فكرية سلفية اقطاعية بحسب قوالب قومية آشوري كلداني سرياني وغير ذلك. فهذه القوميات التي هي سبب البلاء لكنائسنا حاول البعض ان يجعلها غنيمة للسياسيين. هذا مع اننا نتمنى ان نعود الى فكر المجمع المسكوني الذي كان يدعو الى انفتاح الكنيسة الى العالم الذي يسير نحو العلمنة والحرية. وان لا تبقى الكنيسة متقوقعة حول عقائدها الاسطورية، الني يبدو انها كانت حاجة حضارة القرون الوسطى، والتي يبدو ان كنيستنا الكاثوليكية، كنيسة البابا يوحنا بولس الثاني بقيت عالقة فيه، بحجة الحفاظ على الايمان الذي هو هو بالأمس واليوم والى الأبد. كما ادعى البابا المذكور وجمد الكنيسة على عقائد اسطورية لا حياة فيها خدمة لفوبيا الماركسية كانت عند البابا الراحل ( القديس ) والذي كانت تدفعه الى محاربة التغيير باسم الايمان الذي لا يتغير.
هذا بينما كان المجمع المسكوني يطلب من الكنيسة المواكبة لمستجدات الحضارة باستمرار والانفتاح الى العلم والعلوم وليس الى محاربتها. هذا ويبدو ان كنائسنا المشرقية تلقت بسرور الردة البابوية فعادت حالا الى اسمالها القديمة. وعادت خاصة الى خطيئتها الأولى او عشقها الأول الوثني، وعادت الى خطيئة بقائها ككنائس قومية كلدانية – سريانية – آشورية ارمنية وغير ذلك. في حين اننا نعرف ان كل المصائب تأتينا من التخريب الذي عملته كنائسنا بالعودة الى التنظيم الطائفي والعمل على جعل الطائفة النموذج الذي يجب ان يبقى جامدا لا يتحرك الى الأبد.
اما الحجج فكانت موجودة مسبقا وهي فوبيا الاسلام والخوف منه. فصارت كنائسنا كنائس خوف عوضا عن ان تكون كنائس جرأة وطموح وأمل. ولذلك نرى كنائسنا تعلقت بشدة بمن تحسب انه يحميها وهي بذلك لم تعرف انها فقدت استقلالها وحيويتها وبقيت مسحوبة خلف عربة احزاب هي نفسها لا تعرف ماذا تريد. وهكذا دخل الصراع الى كنائسنا ودخلت معه التفرقة القومية الطائفية التي يا ليتها كانت قومية بالصحيح. وكذلك دخلت الجسارة والوقاحة الى عملاء الأحزاب والمجندين لمراقبة الفيسبوك وما ينشر فيه وتكون على اهبة الاستعداد للعربدة والطعن بآباء الكنيسة دون تمييز بين ما هو من حقها وبين ما ليس من حقها، ولاسيما وهي تشعر ان ظهرها محمي من قبل احزابها ومحمي بطبيعة الفيسبوك التي تقول ان خصوصية المشاركين محفوظة ومحترمة.اما ما نقوله عن مسؤولية رؤساء كنائسنا في وضعنا الحالي المأساوي للشعب وللكنائس نفسها، فهو ان هؤلاء الرؤساء، وحفاظا على مصلحتهم الفئوية الكنسية وعلى تيجانهم وصولجاناتهم ابقوا الشعب جاهلا بحقائق كثيرة، ومنها حقائق تفسير الكتب المقدسة تفسيرا علميا يتعارض حتما مع التفسير العقائدي. وهكذا صارت العلمانية التي هي بالحقيقة هدفا ومصيرا حقيقيا لمجتمعاتنا البشرية، صارت بعبعا وهرطقة يجب تجنبها،حالها حال العلمية والعلم ونتائجه على حد سواء.
ملحوظة: يسر الكاتب ان يقول لقرائه ان النقد الذي يوجهه الى الكنيسة والى رؤسائها انما يوجهه الى السلفيين منهم والمصممين على ابقاء كنائسهم في دائرة التقاليد الغيبية الاسطورية، في حين هناك مجال واسع للعبور بكنائسنا وبمسيحيينا الى دائرة العلوم ونتائجها المنطقية الانسانية. كما وفي كل الأحوال يبقى الكاتب محترما وبقوة لجميع رؤساء كنائسنا ويبقى على محبتهم هذه المحبة التي تدعوه احيانا للإشارة الى بعض اخطاء رؤسائنا المهنية وليس الى الأخطاء الفردية والشخصية لأحد منهم.
القس لوسيان جميل
2018
4719 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع