الصفارين والبياضين وسوق الصفافير

                                              

                            منير الحبوبي

  

            الصفارين والبياضين وسوق الصفافير

      

توقفت سابقا كثيرا عن اسباب تسمية اهم سوق بالعراق تم بناؤه منذ العصر العباسي بسوق الصفافير او سوق الصفارين اي احببت ان اعرف من اين اتت هذه التسميه او اصلها وبعد جهد جهيد توصلت الى ما يلي:

باللغه العربيه الفصحى كان يطلق على النحاس بالصفر وخاصة للنحاس النقي الأصفر اللون اي الخالي من الشوائب ومن دون اي اضافات معدنيه اخرى عليه اي انه ميه بالميه من النحاس اي بعباره اخرى هو النحاس الجيد, ومن النحاس هذا تصنع ادوات منزليه كثيره كالصحون او الاواني المنزليه والقدور والصواني والاباريق والصطول او السطول والطشوت ودلال القهوه ومن يمتهن مهنة تصنيع العديد من هذه الماده النحاسيه يسمى بالصفار نسبة الى تعامله مع هذا المعدن الأصفر ومن هنا يمكننا فهم التسميه سوق الصفافير او الصفارين فهو يرجع الى مجموع الأشخاص الذين يمتهنون مهنة التصفير وفي تفسير آخر فالبعض منهم يعزي هذه التسميه الى تصفير القدور اي تصنيعها من النحاس اي الصفر,

, من ناحيه اخرى ان اضفنا للنحاس الزنك فالسبيكه الناتجه من هذا الخلط نسميها ب البراس وعلى العموم من هذه السبيكه تصنع لوحات اسماء الأطباء معلقه على جدران عياداتهم وهكذا الحال للكثير من المفاتيح قديما كانت تصنع من هذه السبيكه التي تعطي لونا اصفر ذهبي شبيه بلون الذهب

وطالما تكلمنا عن النحاس اي الصفر وكذلك عن البراس فلا اريد ان انسى التذكير بأنه ان اضفنا للنحاس معدن القصدير فسنحصل على سبيكه البرونز التي نعمل او نصنع منها التماثيل في كل ساحات دول العالم والذي لونه بني على ذهبي بالبدايه ولكنه مع مرور الزمن وبفعل عوامل الأكسده والتعري يتحول الى اللون الأخضر وطبعا كل نحاتين العالم يتعاملون مع هذه السبيكه

من هذه التسميات احب ان اذكر ان المداليات التي يكرم بها رياضي العالم بالمسابقات الأولمبيه هي بثلاثة انواع الذهبيه والنحاسيه والبرونزيه وعموما البرونزيه هي سبيكه من نحاس بمقدار 88 بالميه من وزن البرونز و 12 بالميه من القصدير

   

اما البياض او الرباب او الطلاء فهو الممتهن لمهنة تبييض الأواني المنزليه كالجدور والصحون والطشوت حيث من المعلوم ان كل هذه الاواني تتأكسد مع الزمن وتكسب لون آخر يفقد اللون الأصلي للنحاس الذي هو عادة اصفر او ذهبي براق وطبعا هذا خطر جدا من ناحية الصحه حيث قديما كل الصحون والأواني مصنوعه من النحاس وهذا التأكسد والذي بالعاميه نسميه الزنجار يعتبر ضار جدا لجسم الأنسان ومصدر للتسمم فلهذا تعمل امهات البيوت قديما حوالي كل عام بتكليف البياض بتبييض هذه الصحون وهي مهنه مربحه ومتعبه وعملية تبييض او اعادة اللون الأصلي لكل وعاء تتطلب اقل شي وقت يستغرق نصف ساعه وهذا يعتمد على كبر الوعاء فبعضها يتطلب حوالي الساعه,

التسميه البياض لا تعني بالضروره فقط تنظيف الصحون النحاسيه ولكن ايضا تعني انه يعطي الصحون هذه بعد ازالة الزنجار منها اعطاؤها لون ابيض ومن هنا اتت التسميه بياض حيث ان البياض يعمل بالبدايه على تسخين الوعاء النحاسي المراد تبييضه بوضعه على النار ومن ثم يضع بداخل الوعاء الرمل ويفركه بقطعه من الجلد وبواسطة القدمين وهذا متعب جدا ومن ثم بعد التنظيف من الصدأ او الزنجار فالبياض يقوم باذابة معدن القصدير مع النشادر الذي هو علميا كلوريد الأمونيوم ويقوم عندها بالفرك للجدران الداخليه للوعاء بواسطة قطعه من القطن حتى يحصل على لون ابيض للوعاء ثم من بعدها تفرك بالرمل ومن بعدها تغسل وتطهر بالماء ومن ثم يتم تجفيفها تحت اشعة الشمس,

عملية التبييض هذه كانت صعبه جدا ومرقه للعاملين بها وعموما يكثر وقت تبييض الصحون هذه بمناسبة قرب حلول الأعياد فتراهم يعملون ليل نهار لأنجاز التبييض وبعض الأحيان لا يستطيعون الأيفاء بوعودهم بتسليم الصحون بالوقت المناسب او المتفق عليه فتحصل مشاكل لا غنى عنها

في الوقت الحاضر هذه المهن الصفار والبياض تقريبا يمكننا القول انها شبه منقرضه وخاصة للبياض فنحن الآن بدأنا نتعلم عملية التبييض بكل سهوله حيث يكفي لأم البيت شراء اي حامض كيمياوي كحامض الهيدروليك او ما يسمى بروح الملح وهي تسميه من العالم العربي جابر بن حيان او وللعلم فجداتنا قديما كن للتخلص من الزنجار يستخدمن معجون الطماطه كماده حامضيه

من الأسباب الأخرى لأختفاء هاتين المهنتين هو لكون المواد النحاسيه عرضه للتاكسد بشكل سريع على الخلاف من الستينلس ستيل والألمنيوم حيث بخمسينيات القرن الماضي وزارة الصحه منعت بيع الأواني او الأوعيه المنزليه المصنوعه ,من الصفر اي النحاس

من الطريف هنا ان اذكر بعض المعلومات القديمه عن سوق الصفافير وهو ان اهل العروس هم من جانبهم ايضا يساعدون في تأثيث او اهداء العروسين ما يلزم كمستلزمات للبيت فتراهم يذهبون لسوق الصفافير ويشترون الطشت والأباريق والصحون المعدنيه وخاصة من الصفر وتقدم كهديه الى العروسين يوم زفاف العروس وكلما ازداد عدد الصحون المقدمه وشكلها ونوعيتها

وثقلها فهذا معيار لغناء ومحبة اهل العروس وكذلك هذا السوق اشتهر كثيرا حيث ان تسميته تتعلق بمثل عراقي كل العراقيين يعرفوه وهو ,,,,,وضايعه بسوگ الصفافير

من الأمور التي لم اعرفها هي هل ان العائله العراقيه العريقه - الصفار - تعود تسميتها لجدهم الذي كان يعمل صفارا ام لا فهذا لم اعرفه وهكذا الحال للعائله الكبيره بالعراق المسماة – بالبيضاني – ومن الناحيه التاريخيه فان سوق الصفافير له تاريخ عريق فهو قد بني منذ زمن العباسيين وكان يستخدم قديما خصيصا في تصنيع السلاح كبيع السيوف والدروع والخناجر والسهام والرماح وقديما هذا السوق كان يسمى ب - سوق الحرب - وكذلك ما يميز هذا السوق بالأضافه الى عراقته القديمه هو انك بدخوله تسمع اصوات الضرب والنقر وكأنها معزوفات موسيقيه تضرب يوميا ولا اعرف كيف ان العاملين بهذه الأسواق ايضا يتحملون اصوات الطرق هذه طيلة النهار خاصة انها ان كانت صادره من عامل جديد لا يجيد الطرق والضرب على هذه الأواعي المعدنيه,

للعلم سوق الصفافير عانى الكثير خصوصا بعد الحروب التي خاضها العراق بالثمانينات من القرن الماضي حيث بدأت تقل الماده الخام للتصنيع وكذلك متطلبات آلة الحرب التي كانت تقتضي الاستحواذ على خامات هذه المعدن لأن لها دور مباشر في تصنيع الأطلاقات الناريه للأسلحه بالتصنيع الحربي وكذلك قلة تواجد السواح الذين كانوا يشترون او يتبضعون من هذا السوق العديد من التحف او الجداريات التي تبين ملوية سامراء او لأسماء الله الحسنى او بعض اللوحات المعدنيه لبعض صور القرآن القصيره او خارطة العراق او أضرحة الأئمه الاطهار كالنجف وكربلاء وسامراء وكربلاء او الجنائن المعلقه في بابل او زقورة اور وكل ما يبين او يشير للمواقع الأثريه العراقيه كذلك اخيرا هو قلة عدد الصفارين الأصليين المحترفين وكذلك غلاء سعر اليد العامله بالعراق وسهولة استيراد هذه الأواني او التحف وبثمن قليل من الصين ومن ايران ودول اخرى كالهند فساهم هذا بتقليل عدد ممتهني مهنة الصفار او البياض بالعراق

ولكي ينتهي الموضوع بالأيجاب والتفائل وبأزدياد ملحوظ للزوار والسواح للعراق في السنوات الأخيره ومع بداية تحسن الوضع الأمني يالعراق فبدأت مهنة الصفارين تزدهر نسبيا وخاصة العراقيين المغتربين بدأوا يحبذون شراء هذه التحف وأخذها معهم الى بلاد الغربه لكي تكون على الأقل رابط حسي لهم مع بلدهم الأم

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

862 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع