لمحة عن الصحافة الساخرة في العراق

                                                 

                           مؤيد عبد الستار

   

             لمحة عن الصحافة الساخرة في العراق

   تؤرخ جريدة الزوراء التي اصدرها الوالي العثماني المجدد مدحت باشا ببغداد عام 1869 كأول جريدة رسمية تصدرها الامبراطورية العثمانية ببغداد باربع صفحات باللغتين العربية والتركية . واستمرت بالصدور 48 عاما واصدرت 2607 اعداد تراوحت بين الجيد والردئ وظلت تصدر حتى الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917 .كما كانت هناك جريدة في الموصل واخرى في البصرة وهما لسان حال الولايات العثمانية .

بعد صدور الدستور العثماني عام 1908 صدرت عدة جرائد في العراق باللغة العربية وانتشرت دون ضوابط مما جعل بعضها لا يستحق الذكر، الا ان الجريدة الرسمية التي صدرت بعد الدستور العثماني هي جريدة بغداد وقد صدر عددها الاول عام 1908 اصدرها حزب الاتحاد والترقي العثماني ببغداد .

عرف العراق الصحافة باشكالها المختلفة منذ أوائل القرن العشرين مثل جريدة العرب ، والاوقات البغدادية - باللغة الانجليزية - في بغداد والموصل في الموصل ونجمة كركوك بالعربية ثم بالتركية فقط في كركوك . ومرآة العراق بالعربية والانكليزية في الموصل وسليماني بيشكوتن - تقدم السليمانية - باللغة الكردية في السليمانية .
بعد استكمال مؤسسات الدولة العراقية الحديثة اثر تأليف الحكومة عام 1921 بدأت الصحف الحديثة تنتشر ببغداد بشكل رئيسي و من ثم في البصرة والموصل .ومن بين أشهر الصحف الحديثة التي ظهرت إبان حقبة الحكم الملكي في العراق، جريدة الاستقلال ولسان العرب ودجلة والرافدين والامل جريدة الشاعر معروف الرصافي والزمان جريدة الكاتب ابراهيم صالح شكر والاخاء والاهالي والراي العام جريدة الشاعر الجواهري والطريق والكرخ وشط العرب وغيرها كثير ، ويحصي السيد عبد الرزاق الحسني الجرائد والمجلات التي صدرت بين عام 1908 وعام 1923 م بالآتي : ( تسعون مجلة ومائتان وثلاث عشرة جريدة بين سياسية وادبية وفكاهية ) الصحافة العربية في ربع قرن . لعبد الرزاق الحسني ، بغداد 1957

ومن أشهر جرائد السخرية والفكاهة جريدة الهزل عام 1924 ، وجريدة كناس الشوارع 1925 ، و اصدر ميخائيل تيسي و حسين الرحال الشخصية السياسية المعروفه جريدة سينما الحياة - نصف هزلية - تصدر في الاسبوع مرة واحدة . واصدر الملا عبود الكرخي جريدة الكرخ 1927 وغيرهم كثير .
اما جريدة حبزبوز التي اصدرها نوري ثابت فهي أشهر جريدة ساخرة فكاهية ناقدة صدرت عام 1931 واستمرت حتى عام 1938 ولذلك فهي أطول عمرا من جميع الصحف الساخرة الاخرى .
ثم تلتها صحف أخرى مثل صحيفة بهلول للقطيفي عام 1932 و أبو حمد جريدة الكاتب المعروف عبد القادر المميز وهي جريدة فكاهية اسبوعية صدرت عام 1933 وهناك صحف أخرى صدرت في البصرة وكانت معظم الصحف في تلك الحقبة تقلد الصحف الصادرة في استانبول عاصمة الخلافة العثمانية ، لذلك لم تكن صحافة الهزل والفكاهة ذات مقاييس متقدمة بسبب عدم الاطلاع على الصحافة الغربية المشهورة بنوع متميز من صحافة الهزل والفكاهة والنقد السياسي والاجتماعي واقتصار الصحافة العراقية على الاساليب الادبية العربية التقليدية .
تشكل جريدة حبزبوز لنوري ثابت والشاعر الملا عبود الكرخي ورسوم كاركتير مصطفى ابو طبره أشهر ثلاثي يمثل الاتجاه الساخر والفكاهي في الصحافة العراقية .
كان نوري ثابت ضابطا في الجيش العثماني ومن ثم تحول الى معلم ومفتش تربوي واخيرا الى كاتب وصحافي ناقد أصدر أشهر صحيفة في العراق حملت أفكاره ونقده وسخريته يعاونه في ذلك مجموعة من الكتاب والفنانين والشعراء .
كانت صحيفته تحمل حملات ساخرة على الحكومة والبرلمان والوزارات وتطعم المقالات برسوم كاريكتورية يساهم هو احيانا بتقديم الفكرة للرسام الذي يجسدها .
كما كان الشاعر عبود الكرخي يساهم في النشر بجريدة حبزبوز بقصائده الساخرة الناقدة .*
ومن الكتاب الذين تميزت كتاباتهم بالسخرية والفكاهة الكاتب خلف شوقي الداودي ، ولد عام 1898 .
يذكر الكاتب جلال زنكابادي انه من كرد كركوك ينتمي الى عشيرة الداودي وقد ولد في الديوانية لاب كان ضابطا في الجيش العثماني واصدر جريدة شط العرب في البصرة اولا ومن ثم في بغداد عام 1924 وله عدة مؤلفات ومقالات ساخرة وناقدة منشورة في صحف ومجلات تلك الحقبة . وهناك كتاب يروي سيرته من تاليف الباحث زين النقشبندي بعنوان شوقي خلف الداوودي ، من اعلام اليقظة الفكرية في العراق .**

الكاركتير

استخدم نوري ثابت في صحيفته حبزبوز الكاركتير استخداما مثابرا والكاركتير فن عرف في انجلترا منذ القرن السابع عشر ومن أشهر الكاركيترات السياسية الساخرة في تلك الحقبة كاركيتير حلوى الاجاص في خطر لجيمس جيلراي . ينظر مقالنا حول الكاركتير - الرابط اسفل المقال .
ساهم في جريدة حبزبوز عدة فنانين منهم مصطفى أبو طبرة وهو الفنان الاول الذي يقدم الرسوم الكاريكتيرية الى نوري ثابت واحيانا يقترح عليه نوري ثابت الفكرة او التخطيط للكاركتير المطلوب ، كما ساهم الفنان غازي في رفد الجريدة برسومه والفنان سعاد سليم الشقيق الاكبر للفنان جواد سليم وغيرهم من فناني تلك الحقبة .
بعد سقوط النظام الملكي عام 1958 حصل تغيير كبير في الحياة الثقافية العراقية فانتشرت المطبوعات والكتب والمجلات والصحفة وانهالت على البلاد مختلف انواع الكتب المترجمة الى العربية ودخلت المطبوعات المصرية واللبنانية والسورية التي اشتهرت بطباعتها الفاخرة وتنوع مجالاتها الفنية والادبية والسياسية وكذلك اخذت كتب دار التقدم المترجمة عن الروسية ترفد الثقافة العراقية باشهر أعمال عمالقة الادب الروسي فساهمت في نهضة ثقافية وفكرية واجتماعية كبيرة ولذلك صدرت العديد من المجلات الفكاهية والساخرة مثل الفكاهة والمتفرج وانتشر فن الرسوم الكاركتيرية في الصحف وبالامكان الرجوع الى المصادر الثقافية للاطلاع على نتاجات تلك الحقبة التي مالبثت أن تعرضت الى انتكاسة فيما بعد نتيجة الاستبداد والحروب التي قصمت ظهر البلاد ، وخلال عقد التسعينات من القرن الماضي صدرت جريدة المجرشة وهي فكاهية ساخرة اهتمت بفن الكاركتير ايضا أصدرها الفنان العراقي فيصل لعيبي في لندن لكنها لم تستطع الاستمرار بالصدور لشحة الموارد المالية .

نموذج من كتابات حبزبوز : هل تدري

( هل تدري ان مقدار النفط والبانزين الموجود في جميع مخازن شركة I . P .C
وشركة نفط خانقين المحدودة وشركة نفط عبادان B. P .C

هو أقل من مجموع ما يقطر من ( العرق القجغ ) في الوية الموصل وكركوك وديالى . وان مقدار المتسممين بهذا السم القاتل هو اكثر من مقدار المواليد في العراق ؟
هذا ما لا تعرفه الا اذا دوخت راسك بربع من عرق القجغ وهذه حقيقة لاتبصرها الا اذا بلعت مثقالين من الترياق والافيون المباح في هذا البلد الامين !
وهل تدري ان مقدار الفقراء الذين يتكدسون في كل يوم امام مستوصفات المستشفى الملكي لا يعادل مقدار الربيات التي ( يقرقشها ) السماسرة من متورمي الجيوب لبعض الدكاترة ؟ هذا شيء لا يمكنك معرفته الا اذا كنت جوعا ومريضا في وقت واحد ، شافاك الله وعافاك وجعل بيتك مأواك والانتظار في المستشفى لمن عاداك ! فرحماك ربي رحماك .
وهل تدري اننا عندما نتناول في ابحاثنا الاوتيلات والخلاعات يهجم علينا اولئك الذين لهم بعض الصلات ( النهارية ) بالمغنيات هجوم الكلاب على الكلب الغريب . .... الخ )
فكأن نوري ثابت يعالج اليوم آفات العصر بمقاله ذاك .
..............
* ينظر : حبزبوز في تاريخ صحافة الهزل والكاريكتور في العراق لجميل الجبوري ، بغداد 1986 .
** ينظر مقال : جلال زنكابادي : خلف شوقي الداوودي (1898- 1939) المنشور في كتابه
(فرسان السرد العراقيّون من الأرومة الكرديّة ، قامشلو 2015)
ومقاله المنشور في صفحته على الفيس بوك بعنوان :
أوّل قاص عراقي عربفوني من الأرومة الكرديّة على الرابط التالي :

https://www.facebook.com/jzangabady1/posts/2009340122468109

رابط مقال الكاركتير السياسي

http://www.akhbaar.org/home/2015/2/184764.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع