بقلم علي الظفيري
اسمه وصفته العسكرية كفيلة بإحداث ارتباك ما قبل لقائه، الفريق الركن رعد مجيد الحمداني، قائد الفرقة الثانية للحرس الجمهوري العراقي حتى عام 2003، الضابط العراقي الذي شارك في حرب أكتوبر 1973، ثم الحرب العراقية الإيرانية حتى عام 1988، وكان قائداً للفيلق الذي حشد على الحدود الكويتية العراقية منتصف يوليو 1990، لينطلق صبيحة الثاني من أغسطس مدشناً عهداً عربياً جديداً، يحتل فيه العربي بلاد جاره العربي، وتستمر بعده حالة الانقسام والسقوط والتشظي، فتتوج باحتلال العراق وسقوطه بين الولايات المتحدة وإيران.
لما صافحته أدركت ما معنى أن يكون الرجل جندياً ناجحاً ومنضبطاً، الفريق رعد من أبرز القيادات العسكرية المنضبطة في الجيش العراقي، سيرته وأخلاقه يثبتان ذلك، ورغم أنه في مطلع الستينيات من عمره، فإني أوشكت على السقوط من شدة ما قبض على يدي في أثناء السلام، مازحته قائلاً: هل هذه التحية نوع من التهديد المبطن قبل إجراء المقابلة؟ أجاب ضاحكا: بل هذا ترحيب مضاعف.
وقد عبر عن إعجابه بالبرنامج وما إلى ذلك، والرجل ليس مجرد عسكري تقليدي، إنه مثقف حقيقي وقارئ نَهِم للتاريخ، وقد ألف كتابين مهمين، الأول كتاب قبل أن يغادرنا التاريخ، يسجل فيه شهادات مهمة حول المرحلة التي كان شاهداً عسكرياً عليها، والثاني كتاب حول معارك الجيش العراقي، وهو منهمك بإعداد كتاب ثالث - يبحث له عن ناشر - حول الاستراتيجية وفهمه كعسكري مقاتل لها.
اللقاء بالرجل كان بغرض تسجيل حلقة عن حرب احتلال العراق، بمناسبة الذكرى العاشرة الأليمة لسقوط بغداد، والفريق رعد لاعب رئيسي في قطاع الحرس الجمهوري، وكان قائداً للفرقة الثانية -الفتح المبين- المسؤولة عن المنطقة الجنوبية والفرات الأوسط، لكنه لا يرى بداية الحرب في يوم 20 مارس من عام 2003، ولا يعتقد أن نهايتها مع ذلك المشهد الأليم يوم التاسع من أبريل، يوم قامت شرذمة برفقة جنود الاحتلال بإسقاط تمثال صدام حسين في وسط العاصمة، روايته تدل على وعيه الكبير بما يجري، يقول الفريق رعد: إن نهاية الحرب العراقية الإيرانية شكلت بداية الهاوية للعراق وجيشه العظيم، خرجت البلاد منهكة اقتصادياً وعسكرياً وبشرياً من هذه الحرب، لكن القيادة لم تكن كذلك، وقد طلب منه في منصف العام 1988 استطلاع الجبهة الأردنية المتاخمة لدولة العدو الصهيوني، كان صدام حسين يتحدث عن تحرير القدس، ومحدثي يراه صادقا ومؤمنا بذلك، وهنا يمكن الحديث عن شيء آخر لا يراه الفريق رعد، خرج صدام منهكاً من الحرب، ولديه جيش ضخم لابد من إشغاله وتوجيه بصره خارج الحدود دائماً، ولم يكن لدى القيادة العراقية رؤية أو توجه لإصلاح الأمور داخل البلاد، فضلاً عن جنون العظمة الذي تتمتع به شخصية الراحل، لكن لم أرد مناقشة الفريق بكل هذا، أردت الاستماع له وفهم كيف سارت الأمور من قبل أحد الفاعلين في المشهد ذلك الوقت، قبل غزو الكويت طلبت القيادة العراقية من ضيفي وآخرين التمركز بقواتهم على الحدود الكويتية، ولفتني استفهامه لصاحب الطلب، الكويت الشقيقة؟! كانت الإجابة بنعم، والعلاقات قد توترت بين البلدين، ورفع صدام حسين حينها شعار قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، وقد فهم الفريق رعد الأمر على أنه تلويح باستخدام القوة من أجل تعزيز الموقف التفاوضي بين البلدين، لكن هذا لم يحدث، الرابعة من فجر يوم الثاني من أغسطس دخل الجيران أرض الكويت، وتحدث صاحب القبعة الحمراء، الزي الذي يرتديه منتسبو قوات النخبة في الحرس الجمهوري، عن المطلاع وكبد وواحة الغانم ومعركة الجسور والطريق الدائري الرابع والسادس، وعن اللواء السادس ولواء 35 والمغاوير الكويتي، وعن تفاصيل المشهد الذي أعرفه جيداً، كنت في الكويت يوم دخول القوات العراقية، في الرابعة عشرة من عمري، وكانت المرة الأولى التي أشاهد فيها هذا الحجم المهول من القوات العسكرية، وأذكر جيدا كيف كان الإصرار على أن نحمل جواز السفر السعودي لنشهره في وجه نقاط التفتيش العراقية، في الأيام الثلاثة الأولى كان الأمر على خير ما يرام بين السعودية والعراق، وقد حاول العراق قصر الأمر على الكويت وضمها دون استفزاز السعودية.
أخبرت الفريق رعد كيف أن طفلا عربيا وقف مذهولا ومرعوبا أمام الفرق المدرعة العربية تقتحم مدينته الصغيرة، وكيف أن أياما صعبة قضيناها في انتظار خروجها من مدينتنا، لكن هذا لم يحدث كما تمنينا، بل بطريقة أخرى مؤلمة وقاسية وحزينة إلى أبعد مدى.
خرجت القوات العراقية بعد حرب تحرير الكويت بأقل من نصف قدراتها، تم تدمير القدرات البحرية بالكامل، ومعظم القوات الجوية العراقية، وقرابة نصف القدرات البرية لهذا الجيش الكبير، خرج مهزوما مكسوراً مدمراً من هذه المغامرة التي قادها صدام، والتي لا يمكن عزلها اليوم عن الأفعال الأخرى، لكنها تظل -حسب الفريق رعد- أكبر خطأ استراتيجي ارتكب في حق العراق، وبعد حصار دام اثني عشر عاماً، وتواطؤ عراقي مع المحتل الأميركي وإيران، كان مشهد سقوط بغداد غير مفاجئ لمن يعرف كيف تسير الأمور، ثلاثة أسابيع استطاع بعدها الجيش الأميركي إنهاء الحرب، وتعيين بول بريمر ورفاقه العراقيين الشيعة والسنة والأكراد في الحكم، وبعض تفاصيل هذه الحرب يرويها ضيفنا غدا، في حلقة خاصة على الجزيرة بهذه المناسبة.
1791 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع