طارق الهاشمي
كتب نائب وزير الدفاع الأميركي السابق بول وولفويتز مقالا نشر في الصحيفة يوم الثلاثاء 9/4/2013 تحت عنوان «ما الذي كان يمكن فعله بصورة مغايرة في العراق؟» بمناسبة مرور عشر سنوات على الحرب في العراق.
وفي هذا المقال يرد طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي على ما كتبه وولفويتر محاولا تفنيد ما جاء في المقال، إذ يرى أن اجتياح العراق «كان كارثيا عليه وعلى المنطقة، بل والعالم أجمع».
وقال الهاشمي إن «من يقرأ مقالة وولفويتز يخرج بانطباع واحد هو أن الغزو حقق أغراضه بإسقاط نظام صدام حسين، لكنه يتغاضى عن حقيقة أن الغزو لم يستهدف النظام فحسب.. بل استهدف العراق كدولة والعراقيين كشعب، وحوّل بلدهم من بلد تام السيادة إلى تابع». وأوضح أن «العلاقة بين العراق وإيران ليست (تقاربا بين بلدين)، كما يصفها وولفويتز، بل هي تحول ما أطلق عليه مشروع (تحرير العراق) إلى مشروع (استعمار إيران للعراق)»
بعد عشر سنوات والعراقيون منقسمون ومنشغلون في البحث عن مخرج لكارثة وطنية حلت بهم، والأميركان منقسمون وحائرون في الاتفاق حول مخرج لأزمتهم المالية والاقتصادية، يخرج الكاتب عن صمته ودوره معروف في غزو العراق. ولكن وهنا المفارقة، لا ليعترف بفشل أو يقرّ بذنب أو يعتذر لشعب أو يقدم حلا لمشكلات تفاقمت بسبب الغزو، بل ليكرّر نفس المزاعم التي ثبت بطلانها وباعتراف الإدارة الأميركية نفسها. ويدافع عن قرار تأكد للجميع أنه كان كارثيا على العراق والمنطقة، بل والعالم أجمع.
ببساطة، الكاتب لم يتعلم الدرس لكن أميركا تعلمته بالتأكيد، بعد أن ثبت أن الغزو كان مغامرة غير محسوبة المخاطر، تجاوزت كلفتها المادية والبشرية والاستراتيجية جميع التوقعات حتى أكثرها تشاؤما.
من الواضح أن الكاتب لا يقر بالفشل الذريع على الرغم من اعترافه بالكلفة الباهظة، حيث تجاوزت فاتورة بلاده للحرب تريليوني دولار، وخمسة آلاف قتيل وما يزيد على ثلاثين ألفا من الجرحى والمعوّقين، وأمثال هذا الرقم من المصابين بأمراض نفسية بسبب الحرب. كذلك فإنه لا يبدو مكترثا بتراجع هيبة الولايات المتحدة عالميا بسبب الخسارة الاستراتيجية التي تعرّضت لها، وربما كانت الأكبر في سجل الخسائر. إذ تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالشؤون العالمية، وأصبحت أكثر حذرا في استخدام القوة العسكرية في السياسة الخارجية، وهذا ما صرح به الرئيس باراك أوباما «... لن نذهب باستخدام القوة العسكرية فيما يتجاوز إمكاناتنا ومواردنا ومسؤولياتنا». انكفأت الولايات المتحدة بدل ذلك إلى همومها الداخلية التي تفاقمت ماليا بسبب تكلفة الغزو، التي بلغت أرقاما فلكية. وكتحصيل حاصل تعاظمت التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في مناطق مختلفة من العالم، وتشجع خصومها التقليديون على التمدّد على حساب نفوذها، كما دفعهم ذلك لاتخاذ مواقف متشددة.. وسلوك بيونغ يانغ الماثل حاليا دليل واضح.
أن لا يعتذر بول وولفويتز للشعب العراقي متوقع، لكن أن لا يعتذر حتى لعوائل الضحايا أو لدافع الضريبة الأميركي فهنا تكمن المفارقة والغرابة.
من يقرأ مقالة وولفويتز يخرج بانطباع واحد هو أن الغزو حقق أغراضه بإسقاط نظام صدام حسين، لكنه يتغاضى عن حقيقة أن الغزو لم يستهدف النظام فحسب - اتفقنا أو اختلفنا معه - بل استهدف العراق كدولة والعراقيين كشعب، وحوّل بلدهم من بلد تام السيادة إلى تابع. إلى بلد ممزق يعاني من أمراض لم يعرفها سابقا، انتقلت إليه بسبب الاحتلال، كالمحاصصة والعنف والإرهاب وسوء الإدارة والنفوذ الخارجي والطائفية... إلخ.
الغريب أن وولفويتز يريدنا نحن العراقيين أن ننتظر ستين سنة أخرى (؟؟) لكي يأتي الخير الموعود وتتحقق نبوءته. وهو بذلك يستشهد بكوريا الجنوبية لكنه في نفس الوقت يغض الطرف عن التدهور المنهجي في حياة العراقيين خلال السنوات العشر الماضية، طبقا لتقارير منظمات رصينة تصنّف العراق الأخطر آمنا والأوسع فسادا والأشد انقساما والأكثر تخلفا. في مثل هذه الأحوال، والحياة العامة تتعرض إلى تدهور منهجي، كيف يتسنى للعراقيين تحقيق الأمل الموعود؟!
إن العلاقة بين العراق وإيران ليست «تقاربا بين بلدين»، كما يصفها وولفويتز، بل هي تحول ما أطلق عليه مشروع «تحرير العراق» إلى مشروع «استعمار إيران للعراق»، إذ سلبت سيادة العراق وحوّلته إلى مصدر خطر غير مسبوق على أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والخليج العربي على وجه الخصوص. وحتى في هذه المسألة إنما يوجه أصابع اتهامه للعرب ويتكتّم في البوح عن أي اتفاقيات جرت في الغرف المظلمة بين «الشيطان الأكبر» و«محور الشر».
في استطلاعات الرأي عام 2004 صوّت 55 في المائة من الشعب العراقي قائلين إنهم يتوقعون أن أوضاعهم ستكون أفضل. لكن في عام 2013 صوّت 56 في المائة منهم بعكس ذلك، وأكدوا أن أوضاعهم في ظل النظام السابق كانت أفضل (؟!)، كما تبيّن أن 89 في المائة يشعرون بأن المؤسسات الحكومية فاسدة، وأن 60 في المائة يقرّون بغياب الديمقراطية، وأن 86 في المائة أكدوا أن شعب العراق منقسم، وأن 75 في المائة يعرف نفسه مذهبيا بينما كانت النسبة عام 2004 لا تتجاوز 25 في المائة.
آمل أن يطّلع وولفويتز على هذه الحقائق، ويعلّق إن كان العراق تقدّم أم أنه، في واقع الحال، يتراجع في جميع المجالات؟
هذا هو الشعور الحقيقي العام في العراق تبلور بعد أن فقد العراق، بسبب الغزو، ما يزيد على مليون ومائة وخمسين ألف قتيل.. والقائمة مرشّحة للزيادة، مع مئات الألوف من الجرحى والمعوّقين، ترافق ذلك مع خمسة ملايين عراقي مهجّر في الداخل والخارج وملايين من جيش يتعاظم من الأرامل والأيتام والمعوّقين. هل بهذه الكلفة العالية، وفي ظل هكذا وضع سنصل بعد ستين سنة إلى العراق الآمن المستقر المزدهر؟! كيف؟
لقد تضمّنت المقالة الكثير من المغالطات من بينها «أن لا تأسف الولايات المتحدة في فشلها في تنصيب ديكتاتور بديل؟؟»، ولست أدري كيف يرى المالكي وهو في السلطة منذ عام 2006 وقد ذبح ثقافة التبادل السلمي للسلطة وهو صاحب مقولة «أخذناها وما ننطيها». والمغالطة الأخرى بقوله «لو كان صدام في السلطة اليوم أما كان من المرجح أن يمد يد العون لبشار الأسد»، يبدو أن وولفويتز لا يعلم ما فعله ويفعله نوري المالكي يوميا بالتنسيق مع «دولة ولاية الفقيه» دعما وتأييدا لبشار الأسد سواء في الميليشيات أو الأموال أو الأسلحة والعتاد!!
كما أن وولفويتز تجاهل بغرابة هذه الحشود المليونية في ساحات العزة والكرامة في الرمادي وسامراء والفلوجة والموصل وكركوك وبغداد وديالى وغيرها وهي تنادي بإسقاط المالكي وتدين نهجه السيئ في الحكم، الذي تميز بالظلم والتهميش والإقصاء واستهدف العرب السنة بحملة تطهير لم يسبقه فيها أحد.
وأخيرا لست آسفا على شيء قدر أسفي على بلدي وحزني على أوضاع شعبي، كما أني لست متحاملا على أحد. ولو كانت الولايات المتحدة حققت ما وعدت به شعب العراق عند غزوها عام 2003 لكنت لها من الشاكرين، لكن الذي حصل فعلا يرقى أن يكون جريمة ضد الإنسانية.
1964 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع