بقلم لواء الشرطة الحقوقي
محي الدين محمد يونس
خزين ذاكرتي وطريف الحكايات -الشـرطـة ورطـة
كان صديقنا الحاج أحمد (أبو شورش) يعمل معنا موظفاً مدنياً في شعبة الحسابات في مديرية شرطة محافظة أربيل وكان شخصاً لطيفاً مرحاً بخيلاً وكانت تستهويه خصلة اقتناء وجمع التحف والأنتيكات بمختلف أنواعها وبيعها لهواتها والمتلهفين للحصول عليها بأسعار مربحة لعدم توفر هذه النوادر في الأسواق بسبب سيطرة الدولة على الجانب الاقتصادي الداخلي والخارجي والاستيراد من خلال شركاتها العديدة في هذا المجال (الشركة الأفريقية، أورزوي باك وسميت لاحقاً بالأسواق المركزية، الآلات الدقيقة، المعدات والعدد).
في أحد أيام شهر آب من عام 1979 دعانا (الحاج أحمد) أنا وزميلي النقيب (يونس دحام العلاف) إلى داره الواقعة في شارع الستيني (الدائري حول مركز مدينة أربيل) وكانت داره راقية وفخمة لكون المذكور كان ميسور الحال ومتمكناً مادياً.
دعانا لتناول وجبة غداء في الموعد المحدد للحضور توجهنا إلى داره وفي باب الدار ضغط زميلي (النقيب يونس) على زر المنبه فجاءنا صوت (الحاج أحمد) من سماعة مربوطة بالمنبه: ((من في الباب؟))
أجبناه: ((نحن...))
أجابنا من خلال السماعة: ((تفضلوا... تفضلوا))
وانفتح الباب تلقائياً... دخلنا الدار وبعد الترحيب بنا جلسنا وقدم لنا وجبة غداء أربيلية دسمة لا تخلو من الدولمة والرز ولحم الضأن والدجاج وبعدها الشاي وأنواع الفاكهة، انتقلنا بعد ذلك للحديث في مختلف أمور الحياة ومنها أن نغتاب بعض زملائنا في الدائرة وفي خلال الحديث أبدى (الحاج يونس) وأقصد النقيب يونس (وكان حاجاً مخضرماً وحجيته كانت تستحق التجديد) إعجابه بالمنبه (الجرص) وطلب من (الحاج أحمد) أن يبيعه إياه إلا أن الأخير رفض ذلك متحججاً بأنه قد اشتراه من شخص قدم من ألمانيا وبسعر غالي وبالرغم من إلحاح الأول عليه في بيعه الجهاز وبالسعر الذي يطلبه إلا أن الأخير ظل مصراً على موقفه الرافض في إبرام هذا العقد.
الرز ولحم الضأن الدولمة العراقية
وعندما لاحظت إصرار الأول في الحصول على هذا الجهاز وإصرار الثاني على رفض بيعه... قرصت الأول من ساقه وهمست في أذنه وطلبت منه عدم الإلحاح في طلب الجهاز وإنني سأتكفل في جعله يبيعك إياه...
خرجنا من دار المرحوم (الحاج أحمد) مودعين وشاكرين له هذه الدعوة الكريمة وداعين له أن يديم في عمره ورزقه، وفي طريق العودة إلى الدائرة بسيارة (الحاج يونس) وكانت من نوع فيات نصر مصرية الصنع استفسر مني فيما إذا كان بمقدوري اقناع المرحوم (الحاج أحمد) في أن يبيعه الجهاز ليركبه على باب داره الذي انتهى أخيراً من بنائه في مدينة الموصل، طلبت منه الصبر وعدم الاستعجال وأنه سوف يحصل على الجهاز وفق الخطة المدروسة التي وضعتها في خيالي وهي غير قابلة للفشل... وحظ نجاحها لا يركن إليه الشك.
سيارة فيات نصر 128
في ظهر اليوم التالي وكان الجو حاراً طلبت من (الحاج يونس) الاستعداد لغرض الذهاب في مهمة البدء بتنفيذ مخطط اقناع (الحاج أحمد) ليتنازل عن ملكية الجهاز ويبيعه له...
توجهنا إلى داره وأوقفنا السيارة وطلبت من زميلي أن يبقى فيها وينتظرني وهي تشتغل، توجهت نحو باب الدار وضغطت على المنبه فجاءني صوت (أبو شورش): ((هادراً من في الباب؟))
أجبته بعد أن وضعت منديلاً على فمي: ((أنت الحاج أحمد...))
أجابني: ((أنا الحاج أحمد... من أنت؟ وماذا تريد؟))
أجبته: ((أنت رجل بخيل وفاسق وكاذب و.... و..... و......))
عدت مسرعاً إلى السيارة وطلبت من زميلي التحرك بسرعة والابتعاد والعودة إلى الدائرة، وفي اليوم التالي كررنا نفس العملية إلا أن زوجته هي التي أجابت على المنبه.
قائلة: ((من في الباب؟))
أجبتها: ((هل أنت زوجة الحاج أحمد؟))
أجابتني: ((نعم أنا... من أنت؟ وماذا تريد))
أجبتها: ((هم إنتي فرحانة متزوجة من هذا الرجل... كيف إنتي عايشة وياه؟... إش شايفة منه))
عدت إلى السيارة كاليوم السابق... وفي اليوم الثالث وكنت جالساً عند زميلي (الحاج يونس) في الدائرة وإذا بالمرحوم (أبو شورش) يدخل علينا وبيده كارتون وبداخله (الجرص) المطلوب.
بعد السلام.... بدأ (الحاج أحمد) الحديث قائلاً: ((عيني حجي يونس ذاك اليوم شفتك متعلق هوايه بهذا الجرص وندمت على رد طلبك وبقيت أفكر وأنا نادم وجئتك اليوم لأقدم لك ما طلبت وبسعره الذي اشتريته به))
استلم (الحاج يونس) الجرص منه وشكره ودفع له المبلغ الذي ذكره ولا أدري إن كان المبلغ هو نفس مبلغ الشراء أو زاد عليه شيئاً.
كنت أنا و (الحاج يونس) ينظر أحدنا في وجه الأخر وعلائم الارتياح بادية علينا من نجاح خطتنا دون خسائر وجعل الحاج أحمد (أبو شورش) يتنازل طواعية عن ملكية الجرص عن طيب خاطر وبسهولة...
4826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع