د.محمد زاير
الكاتب والمؤرخ العراقي عباس احمد العلوي في ذمة الخلود
ولد عباس العلوي في النجف الأشرف- العراق سنة 1950 من عائلة دينية، والده أحمد محمد العلوي السيد الذي فصل الدين عن الدولة فسبق زمانه لعشرات السنين (1). تخرج من كلية الآداب جامعة بغداد- لغة عربية وأصول القراْن سنة 1973 التحق بعدها بالخدمة العسكرية لمدة عام وسبعة أشهر فلم يتحمل عموده الفقري فأصيب بالشلل الموقت لعدة أشهر وبعد أن تعافى عاد الى الخدمة العسكرية كمدرس للغة العربية وفن الخط العربي داخل وزارة الدفاع في بغداد وقد فاز تصميمه لغلاف المجلة العسكرية فكان فخورا.
ترك العراق سنة 1975 متوجها الى مصر بغرض الالتحاق بالدراسات العليا في القاهرة لكنه لم يُوفًق إذ أن باب القبول قد أُغلق حتى العام القادم، فتوجًه الى الأمارات العربية المتحدة بتاريخ 2 ديسمبر 1975 وبعد أحداث كثيرة لأتُناسب مقالي، وصل مالمو- السويد عام 1988 (2).
السويد بلد محايد لم يعش مصائب وويلات الحروب منذ عام 1814 وهي السنة التي جرت فيها الحرب بين السويد والنرويج التي دامت أسبوعا واحدا انتصرت فيها السويد فنتج عنها الوحدة بين البلدين التي انفصمت دون حروب عام 1905 بعد ان صوت البرلمان النرويجي بالأكثرية الساحقة في ذلك ولهذا فقد بقيت السويد منعزلة عن العالم في حيادها ونشطة في خدمة السلأم والعدل في العالم والدليل مقتل الكونت برنادوت عام 1948 من قِبل اسحق شامير في فلسطين لإنه طالب بحقوق الفلسطينين في بلادهم وكذلك داك همرشولد السكرتير العام الى هيئة الأمم المتحدة الذي اغتيل في الكونغو عام 1961 لإنه حاول فرض السلأم. وكذلك أولوف بالمه رئيس الوزراء الذي اغتيل في وسط العاصمة استوكهولم عام 1986 وهو الذي طالب بحقوق الفلسطينين والفيتناميين الذين تظاهر من أجلهم ووزيرة الخارجية السويدية أنًه لند التي انتقدت بوش انتقادا لاذعا لحربه الجائرة الظالمة غير القانونية تجاه العراق لكنها قُتلت طعنا في مخزن أن كو الشهير في استوكهولم يوم 10 أيلول عام 2003, والغريب العجيب أن هناك قوى خفية وقفت وراء كل من حاول فرض السلأم في العالم ومنها فلسطين, وقيل أن جون كندي تراسل مع ناصر لحل مشكلة فلسطين سلميا لكنه اغتيل هو وأخوه روبرت ولأ يُعرف الى يومنا هذا من هم المخططون الحقيقيون الذين وقفوا وراء كل هذه الاغتيالات المتكررة !!!
وحينما وصلتُ السويد أواخر عام 1959 أخبروني بأنه في بداية القرن كان هناك أسودا واحدا فقط يشتغل في مخزن في استوكهولم العاصمة الذي جعل الناس يأخذون أطفالهم الى المخزن لمشاهدة هذا الضيف الغريب الكريم!!
من اليسار - هلمر وعلى يساره عباس ثم الدكتورة جيل والدكتور محمد زاير
وصل الأخ عباس الى مالمو- السويد عام 1988 في بداية تدفق المهاجرين الوافدين، الذين ازداد عددهم بمرور الوقت مع المشاكل الكثار، وهو منهك حزين متألم مصاب في الهبوط لتركه وطنه الحبيب العراق وأهله وأصحابه وجذوره التي بقيت راسخة طيلة حياته، الأمر الذي جعله يراجع السلطات الصحية في مالمو فكانت الدكتورة جيل هي المسؤولة عن المهاجرين القادمين أنذاك. شعر بالراحة النفسية والمعاملة الأنسانية فبدأ يكتب مذكراته عن هذا اللقاء السعيد مع الدكتورة جيل الذي أصبح لأحقا أشبه بالأطروحة الجامعية!!
راجعني في عيادتي الخاصة (سلوت ستادن) في مالمو بعد قدومه فتوطدت بعدها علاقتنا الأخوية وازدادت رسوخا بعد أن اكتشفنا أننا نحترم أراء بعضنا حتى ولو كنا نختلف كل الاختلاف جملة وتفصيلا دون زعل أو خناق أو تخوين وانتقام وتهميش والكلأم البذيئ كما هو الحال في عراقنا الحبيب! كان الأخ عباس حينما نلتقي يزودني بمجموعة من الجرائد العراقية المعارضة أتذكر منها بغداد و... حيث كان ينشر أرائه فيها ... كان يؤمن حتى النخاع بعودة الملكية الدستورية الى العراق وذات علاقة حميمة مع الشريف علي بن الحسين الهاشمي المولود في بغداد عام 1956 المطالب بعرش العراق وقد أعطاني مرة بطاقة منه تدعوني لحضور وليمة في لندن مع الكثير من المدعوًين ورجاني الجواب. كان جوابي أنني أحترم رأيه وأراء الجميع لكني لأ أؤمن بعودة الملكية للعراق وإنما أؤمن بتعويد الشعب العراقي على النظام الدمقراطي الصحيح بانتخابات نزيهة حرة تنتخب رئيسا للجمهورية كرمز: مسؤولا وغير مصونا لفترة محدودة وليس ملكا مصونا وغير مسؤولا طيلة حياته!!
وتمر الأيام فأهداني كتابه باللغة الإنكليزية عما كتبه بعد التقائه بالدكتورة جيل وقد ساعده الأخ العزيز الفنان العراقي كاظم الداخل الساكن بنفس العمارة التي يسكنها الأخ عباس، بتزيين الكتاب برسومه الجميلة المناسبة. أعجبني موضوع الكتاب كثيرا واسلوبه الرقيق الحساس الرائع لوصف حالته المنهارة أثناء قدومه الى السويد فاقترحت عليه أن يهدي نسخة منه كهدية الى الكاتب الشهير هرمان لونك رئيس جمعية الأدباء السويدين في جنوب السويد والذي تعرفت
عليه بطريق الصدفة:
هلمر لونكَ:
وُلد عام 1924 في مدينة مالمو وانتقل الى رحمة الله عام 2014 في مدينة أنكَلهولم. قدم أطروحته في جامعة لند السويدية عام 1966 وأصبح لأحقا رئيس جمعية الأدباء السويدين في جنوب السويد تعرفت عليه بطريق الصدفة عام 1978 ففي خلال شهر . NVSS
ديسمبر من العام المذكور دهسته سيارة أثناء وجوده في لندن وأصيب بكسور في ساقيه, نُقل على عجل الى مستشفى مدينته أنكَلهولم الذي كنت أشتغل فيه فأشرفت على علاجه, وبمرور الوقت أصبحت علاقتنا لأ تقتصر على الناحية الطبية فقط وإنما تجاوزتها الى الأدبية وأهداني الكثير من نتاجه وبالمقابل أهديته الكثير عن شعرائنا الخالدين: المتنبي, الجواهري, بدر السياب...الخ المترجمة الى اللغة السويدية فشكرني واستبشر خيرا وسجًلني عضوا في الجمعية التي كانت تُعقد مرة في السنة في مكان ما في جنوب السويد تجمع الأدباء للنقاش وتقديم ما عندهم من نتاج, وفي يوم 11 ديسمبر 1996 اجتمعت الجمعية في المكتبة العامة في مدينة هلسنكَبوري قدًمت فيها بعضا من الشعر العربي المترجم الى السويدية. وفي خريف عام 1998 اجتمعنا مع هلمر لونك في فندق كَراند هوتيل الشهير في لند ومعنا الدكتورة جيل, تناولنا طعام العشاء وقدم الأخ عباس هديته نسخة من كتابه الى هلمر لونك الذي استبشر خيرا ووعد بقراءته والتعليق عليه كما أنه دعي الأخ عباس الى حضور المؤتمر العام السنوي لجمعية الأدباء السويدين الذي سيُعقد في مدينة هيكَانيس يوم 18 نوفمبر 1998 وفي اليوم المذكور جاء الأخ عباس وبصحبته الدكتورة جيل الى مدينتي أنكلهولم (87 كم عن مالمو) وواصلنا المسير سوية الى مدينة هيكَانيس (23 كم عن أنكَلهولم) حيث المؤتمر المجتمع الساعة 19 برئاسة هلمر لونك في قاعة تيفولي هوسِيت. افتتح المؤتمر هلمر لونكَ فرحب بحضورنا خاصة بالضيف الكريم عباس العلوي وقدم مع الأعجاب والشكر كتابه ،كما علًق عليه لأحقا قمت بترجمته Gill The Celestial Bird الى العربية والتي نُشرت في إحدى المجلات.
اقترحت على الأخ عباس أن يستمر في هذا الكتاب بأن يجمع حالات المهاجرين العراقيين في السويد ويدرس أحوالهم وأشغالهم وأعمارهم ...و... وبعبارة أخرى يجعله أطروحة يقدمها الى جامعة لند الشهيرة وبإشراف هلمر لونك الذي كان سابقا دوسنت بالجامعة خاصة وان الفرصة كانت سانحة ومواتية لذلك لكن الأخ عباس لم يتحمس الى الفكرة لإنه كما قال ظروفه لأ تسمح لذألك.
في يوم 16 كانون الثاني 2016 بدأ الأخ عباس بنشر المقالأت المتعددة في مجلة الگاردينيا عن أحزاب العار وعن مواضيع متعددة أخرى مهمة (3).
استمرت علاقتنا وتعليقاتنا على الأوضاع المأساوية المدمرة في عراقنا الحبيب بواسطة التلفون وأحيانا اللقاء وكنا نختلف ونتفق 100% دون زعل أو خناق أو فرض الرأي, وهي كثيرة لأتُحصى, أذكر أهمها باختصار: أخبرني مرة بأنه سيعقد مؤتمر لندن للبحث في الوضع في العراق...حذًرته وقلت بالحرف الواحد أن التغير يقرره الشعب داخل العراق وليس خارجه وأعدك أن الأجانب لا يريدون خيرا للعراق سيرسلون أسماء المشتركين الى النظام الحاكم لكي ينتقم منهم أو من أهلهم وذويهم...وبتاريخ 4أبريل عام 2017 أرسلت اليه إيميل وصلني فيه أسماء جميع العراقيين (137 عراقي) الذين اجتمعوا في لندن قبل الاحتلال من قِبل الأجانب وطالبوا الأجانب بكل أنواعهم لاحتلال العراق الحبيب ولم أجد إسمه فيهم. خابرته وسألته: هل شاركت في مؤتمر العار والخيانة وتدمير العراق؟ فأجاب بالنفي! علقت وقلت: مهما كان الخلاف مع النظام الذي ارتكب الأخطاء القاتلة والرعونة والعنتريات وخدعته السفيرة الأمريكية أبريل فلأيسبي وقتل أهله ورفاقه والأطباء الأعزاء فإن الحل كان يجب أن يكون من الشعب وإن تعذر ذألك فالانتظار وكل نفس ذائقة الموت وعدم تأييد الأجانب الذين دمروا البلأد والعباد وغرسوا فينا المحاصصات والطائفية البغيضة ...و...التي مازلنا نعاني منها!!!!
المكالمة التلفونية ألأخيرة معه قبل رحيله ببضعة أيام: خابرته لكي أُهنئه بعيد الأضحى السعيد، وبعد السلأم دخلت على الخط بصورة مفاجئة الشاعرة العراقية العزيزة ميسون الرومي تُهنئه بالعيد السعيد وتُعاتبه لعزوفه وسكوته وعدم الكتابة الأن وهو صاحب الأسلوب المعروف والعراق في حاجة إليه.. و....فأجابها بعدم رغبته الأن ولم يتطرق الى وضعه الصحي أبدا, وبعد إنتهاء المكالمة هذه استطعت العودة اليه قائلأ: أبو فراس صبًحكم الله بالخير عيد سعيد وانشالله الصحة والعافية وطول العمر شلون الأمور الفوكَانية والحدرانية؟ فأجاب: الحمد لله حياك الله حياك الله وعيد سعيد...الخ
أبو فراس، انته واعدتني أن التغير في العراق جاي هذه الصيف إوهسًه الصيف خلص أوماصار كل تغير! ستًاًعش سنه مرًت والعمائم والبهائم مازالت تخرج على شاشات التلفزيون وبكل وقاحة تنادي بالأصلأح!! ...أصبر اصبر القضية تاخذإلها وقت...أني متفائل أن التغير يجي من البصره... اشوكت؟ بعد خراب البصرة؟ الشعب العراقي معروف تاريخه وانشالله اتشوف بالقريب ... أبو فراس تخابرني أذا عندك خبر مفرح مفاجئ مودكُول!!! حياك الله حياك الله
رحمك الله أيها الأخ العزيز وأسكنك فسيح جنانه وكل نفس ذائقة الموت وإنا لله وإنا إليه لراجعون!!!!
1- الكاردينيا: السيد الذي فصل الدين عن الدولة فسبق زمانه الى عشرات السنين (أنقر على الكوكل).
2- المعلومات وصلتني مع الشكر الجزيل بالإيميل من زوجته ام فراس المحترمة التي أسهبت بالتفصيل عما جرى لأحقا (السيرة الذاتية) التي لأتناسب مقالي, واقترحت عليها أن تنشر هاذه السيرة الذاتية احتراما الى التاريخ!
3- المقالأت المتعددة التي نشرها في مجلة الگاردينا:
https://algardenia.com/2017-02-13-11-28-20/2017-02-13-11-33-108.html
1382 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع