ضرغام الدباغ
الانتفاضة في شهرها الثالث
يوم واحد يفصلنا عن دخول الانتفاضة شهرها الثالث ... كيف نقيم الموقف في تاريخ أعظم حدث عراقي منذ الاستقلال وحتى اليوم ...؟
ابتداء لم يكن أحد يتوقع (إلا القليلون) أن تتواصل الانتفاضة لهذا المدى الزمني وبهذا الزخم المتواصل المتصاعد، ثم أن الكثير من المحللين اعتبروا أن غياب قيادة واضحة للانتفاضة هو ما ينقصها، ولكن فات الجميع أن غياب هذا العنصر بالذات هو من أسباب قوتها ومنعتها، إذ لا يملك شخص أو جهة أن تتفاوض وأن تساوم بأسمها .. وهي شأن الثورات العظمى : الفرنسية ، الروسية، ثورة العشرين العراقية ..
استقالة رئيس الوزراء سوف لن يكون لها تداعيات مهمة، لأن المنصب هذا بحد ذاته غير مهم، كما أنه ليس من مفاتيح السلطة، وإذا كان هناك من دور له، فهو كان سلبياً لنفسه أولاً، ثم للمسألة بخطوطها المختلفة، فهو لم يكن ممن يوصف ممن يمسكون بخيوط اللعبة، وللحق فإن من تولى الحكم من العراقيين بمجموعهم لم يكونوا سوى أدوات، والسنوات الأولى من الاحتلال كان الأمريكيون هم كل شيئ، وأستمر الأمر كذلك ربما حتى 2010، كان خلالها رجال العملية السياسية (المحسوبون على الفرس غالباً) يسايرون الأمريكان والإيرانيين، ولكن بمواقع أدنى، وللحق كان الأمريكان يكنون لهم احتراماً أكثر مما أظهره لهم الإيرانيون الذين لم يحترموهم أمام الشعب العراقي، بل أمعن الإيرانيون بإذلالهم، وإظهارهم كمجرد تابعين صغار يقبلون أياديهم (وأحياناً حتى أقدامهم)، وفي كل مناسبة يصرح المسؤولون الإيرانيون أنهم يحكمون العراق وأن كادر المنطقة الخضراء مجرد تابعون لهم، وإن الشخصيات الحاكمة هي صور كارتونية، ولذلك فمن البديهي أن تغير عادل عبدالمهدي بغيره سوف لن يغير من جوهر الأمور شيئاً.
اليوم وبعد مرور شهران على الانتفاضة، والشخصيات الوطنية العراقية وقفت بما يشبه الإجماع، موقف المؤيد من الانتفاضة / الثورة، والحركات السياسية التي سوقت للاحتلال ونتائجه أو شكلت الأرضية السياسية له، وهناك أكثر من سبب يجعل الجميع يعترفون بعنفوان الانتفاضة ومشروعيتها، وقبل ذلك بفشل المشروع السياسي وانهياره الذي كان يدور في الخفاء والعلن منذ 2003 وحتى الآن. فالأمريكيون يصرحون جهاراً نهاراً أن أجهزتهم الاستخبارية كانت تشحن طوال سنين طويلة بمعلومات مزورة من عملاء مزدوجين، أو من جواسيس طامعين بالمال القذر، وحتى مسئولون إيرانيون لم يتورعوا عن القول أن هناك من خدعهم بالقول أن شيعة العراق يحبون إيران أكثر من حبهم للعراق، وهنا ينطبق القول عليهم أنهم مذنبون بتصديق مثل هذه الأقاويل، لأن التاريخ لم يعرف شعباً يحب محتليه، فكيف يفعل العراقيون ذلك وهم شعب قديم له جذوره الممتدة في الأرض لعشرات القرون، ولهم شخصيتهم المميزة وتقاليدهم.
اليوم تتأكد حقائق جديدة، فمن الغباء تجاهل إرادة الملايين التي خرجت وهي تريد وطناً حراً، ولا تريد أن ترى الإيرانيون أو غيرهم يتصرفون في البلد كأسياد، العراقيون يطلبون أشياء جوهرية وليست سطحية كتغير رئيس وزراء يتولى منصبة بإرادة إيرانية، يريدون إلغاء دستور المحاصصة الطائفية، يريدون إزاحة سلطات الفساد، يريدون إصلاح النظام القانوني، يردون القضاء على الفاسدين ومحاسبتهم واسترداد أموالهم المنهوبة، يريدون أن تكون لهم دولة حديثة مستقلة، وإدارات نزيهة، وهذا لا يتم بمجرد تغير رئيس وزراء بآخر من ذات البطانة أو من حاشيتها وحواشيها. مطالب المنتفضون معروفة، ولم يدفعوا هذا الدم العطر من أجل تغيرات سطحية ...!
النور الذي أطلقته انتفاضة / ثورة تشرين الأول، لا يمكن اعتقاله أو حبسه، هو نور أنتشر ودماء مئات الشهداء وألاف الجرحى التي سالت في ساحات العراق لا يمكن أعادتها إلى الشرايين، الثورة انتصرت من الآن عندما تجاوزت حدود الطائفية والمناطقية، انتصرت حين قلبت طاولة فسيفساء الاحتلال وهرطقات المحتلين وأتباعهم، ولمن في قلبه مرض، أن العراق واحد موحد إلى الأبد، وأثبتت لمن يحتاج إلى إثبات، أن : الاحتلال هو احتلال .. ويطلق النار بكل بساطة ليقتل ..ويسرق وينهب ولا يدخل ذلك في قيم الحلال والحرام .. الاحتلال لا قيم له ولا أخلاق ...
866 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع