أ . د صلاح رشيد الصالحي
مثل سومري:(مدينة بدون كلاب حراسة، يكون الثعلب هو المشرف)
شكل 1: لوح سومري يضم قائمة أسماء ملوك سومر وهو نص قديم باللغة السومرية، حيث ذكر أسم الملك وفترة حكمه، ومكان دولته (دولة-المدينة)، وذكر بان الملكية تم تسليمها من قبل الآلهة، وان الملك نائب عن الآلهة في حكم الأرض، وطاعته واجب على الجميع، والكثير من ملوك سومر كانوا آلهة، وأقاموا تماثيلهم في المعابد إلى جانب تماثيل الآلهة السومرية
عندما تكون الدولة باتساع كبير وتضم أقاليم تحت إدارة حاكم يتم تعينه من قبل الملك السومري (سلالة أور الثالثة)، أو الملك الاشوري (العصر الاشوري الحديث)، وفي فترة كانت الاتصالات والمواصلات بطيئة، كان لدى الحكام والموظفين في الأقاليم التابعة الرغبة في الاستقلال عن السلطة المركزية خاصة في فترة الضعف والتدهور السياسي، أو العمل على سوء استغلال السلطة الممنوحة لهم لأغراضهم الشخصية بعيدا عن تدخل السلطة المركزية في (أور) أو (نينوى)، ولأجل السيطرة عليهم وفرض هيبة الدولة هناك طريقة لضبط أولئك الحكام والموظفين ومنعهم من ممارسة السلطة بشكل تعسفي أو الغنى الفاحش أو اصدار الاحكام الظالمة اتجاه الناس، ولهذا تفرض آليات الرقابة القوية عليهم وحرمان المسؤولين من أي سلطة تفوق ما يحتاجون إليه، فمن أجل أداء واجباتهم بشكل سليم فمن المفترض أن ينطبق عليهم المثل السومري: (مدينة بدون كلاب حراسة، يكون الثعلب هو المشرف)، أي المدينة التي يحرسها كلاب قوية لا يدخلها الثعلب فيهاجم حضائر الدجاج، بكلمة أخرى الملك القوي يمنع المسؤول الفاسد ان يدير شؤون الحكم، ومن هنا لابد من فرض السيطرة على المسؤولين المحليين، أو على الأقل تقييد استخدامهم للسلطة التعسفية والاثراء الفاحش، ويتم ذلك بمراقبة تصرفات المسؤولين المحليين والموظفين والاشراف عليهم من خلال المفتشين الملكيين مثل منصب سوكال-ماخ (Sukkalmaḫ) يعتبر أعلى مسؤول في سلالة أور الثالثة، وهو الرجل الثاني بعد الملك، ومن واجباته السفر بين الأقاليم والمقاطعات ومحاسبة المقصرين وفق صلاحيات منحت له باسم الملك السومري، وأيضا لدينا مسؤولي القرباتو (qurbatu) في الإمبراطورية الآشورية الحديثة ومهمتهم زيارة الأقاليم ومحاسبة الفاسدين، أو هناك أيضا مجموعة يطلق عليهم رجال (dayalu) وهم عيون وآذان الملك الآشوري بمعنى المخبرين يأتون بالأخبار من كل الأقطار، كما ورد في رسالة من سرجون الآشوري(Šarru-ukin) (شروكين) (721-705) ق.م موجهة إلى أحد ولاة المقاطعات : (اكتب لي كل شيء انت تراه وتسمعه)، فرجال (ديالو) (dayalu) ينقلون المعلومات عن كل ما تراه اعينهم وما يسمعون من افواه الناس في الازقة والأسواق، وبدورهم يبلغون البلاط الاشوري، واذا كان رجل (ديالو) (dayalu) نشطا في معلوماته فان الملك يعرفه بالاسم، ويكلفه بمهمات تجسسيه أيضا، ونفس النظام اقتبسه الملك الاخميني كورش الأكبر (Cyrus) (600-530) ق.م في عهد الدولة الاخمينية عندما كان يرسل العيون وآذان الملك للمقاطعات مكلفين بمهمة المراقبة ونقل الاخبار عن تصرفات الحكام وموظفيه.
تستند الضوابط إلى حد كبير على متابعة تصرف المسؤول والموظفين وفقا لمصلحتهم الشخصية، وأن على المسؤولين إطاعة السلطة المركزية في (أور) أو(نينوى)، فهم يعرفون مدى الخوف من عواقب عصيان السلطة حيث تصل العقوبة إلى القتل ومصادرة الممتلكات، وقد يكون الخوف من العقاب عن طريق فصلهم من مناصبهم وتعتبر هذه من العقوبات الرادعة ايضا، وكذلك وجود تحذيرات للمسؤولين بأن السلطة العليا قادرة على تدمير قاعدة الدعم الاقتصادي الخاصة بهم مثل الاقطاعيات الزراعية التي وهبت لهم عندما استلموا مسؤولية حكم الاقاليم، عموما ليس هذا فقط في التاريخ القديم انما حتى في العصر الإسلامي كما حدث عندما أخبر زياد بن ابيه والي البصرة موظفيه بضرورة معاملة الفلاحين بشكل جيد لأنه: (طالما هم في رخاء، أنتم في رخاء)، هنا يقصد كلما كانت حياة الفلاحين فيها ازدهار وإنتاج زراعي جيد فسوف ينعكس على الوالي والموظفين فيصيبهم الرخاء أيضا، أو كما هو المبدأ الذي سار عليه للملك الساساني خسرو الثاني (كسرى ابرويز الثاني) (Khosrow) (590-628) م بأنه: (من لا يطيع رئيسه، لا يطيعه مرؤوسوه) فمن لا يطيع الملك خسرو الثاني من الحكام والموظفين فان الناس لا تطيعه ولا تحترمه.
3675 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع