د.ضرغام الدباغ
دراسات ـ إعلام ـ معلومات
العدد : 202
التاريخ : / 2020
زلة لسان ... أم تعمد
لست من هواة متابعة التلفاز، ولكني أقتني مجلة البرامج وأشاهد منها ما أختار، والأفضل أطلع من خلال الانترنيت على ما أريد من البرامج. وأكثر ما يهمني هو المقابلات التي تجريها القنوات وخاصة الأجنبية، مع الشخصيات السياسية والعلمية. ورغم أنني أعرف تماماً أن السياسيون حذرون جداً ويندر أن تفلت من أحدهم كلمة أو جملة لا يريدون التصريح بها، ولكن رغم هذا تفلت أحياناً ما هو في نطاق الأسرار، أو المعلومات الغير متاحة في الصحافة والإعلام.
وعندما أشاهد وأسمع أن أحد تلك الشخصيات البارزة تصرح بحديث خطير، ومهم جداً، وهذا يحملني على التفكير، هل هذه الشخصية الكبيرة تعمدت هذا التصريح، فيدلي بكلمة أو جملة بعيدة المعنى والمغزى، أم ترى أن لسانه أفلت فل لحظة غضب، أو استرسال وانسجام في الحديث وندم عليها فيما بعد، ولكني أعرف أيضاً ليس جميع المشاهدين يتابعون بدقة حرفية، أو أنه يشاهد التلفاز دفعاً للضجر، وهكذا تفوته معلومات مهمة.
الرئيس السوفيتي ميشائيل غورباتشوف
1
ــ ومن بين أهم ما مرت علي من لقطات مثيرة لا تنسى، هي مقابلة التلفزيون الألماني مع الرئيس السوفيتي السابق ميشائيل غوورباتشوف (Michail Gorbatschow) بمناسبة ذكرى تقويض الجدار بين برلين الشرقية والغربية. وتحدث غورباتشوف بمعلومات بدت لي غريبة جداً، رغم أني أدرس وخبرتي بالعمل السياسي. والمعلومة هي كما يتحدث غورباتشوف: أن الاتحاد السوفيتي كان متفاهماً مع حكومة ألمانيا الاتحادية بصفة تامة على كافة الخطوات التي تبدأ بانسحاب القوات السوفيتية من ألمانيا الديمقراطية، وتسهيل إقامة الوحدة الألمانية، وتعديل اتفاقية لندن الرباعية (1971)، أو إنهائها، وكانت تشكل عقبة كأداء أمام الوحدة الألمانية.
الأطراف الأربعة لاتفاقية لندن هم : الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا، فرنسا. وكانت الموافقة السوفيتية تامة وبدون تحفظات. وكان المستشار الألماني الكفء هيلموت كول (Helmut Kohl) قد نجح بإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ريغان، الذي لم يكتف بإعطاء موافقته، بل وممارسة الضغط على رئيسة الوزراء البريطانية الحديدية مرغريت تاتشر التي كان موقفها لا يلين، وترفض أي حديث عن موافقتها للوحدة الألمانية، وهذه حسابات بريطانية عميقة لها أفق السيطرة والهيمنة على أوربا. ولكن حيال الضغط الأمريكي، وافقت بريطانيا مكرهة. وهذا الموقف البريطاني ليس مفاجأة، ولا الانصياع للضغط الأمريكي ليس مستغرباً.
الموقف الغريب حقاً لدرجة الدهشة بالنسبة لي، وأعتقد حتى لأكثر المراقبين والمحللين، تمثل بالموقف الفرنسي. ويقول غورباتشوف أن رفض الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، كان حازماً وقاطعاً، ويرفض أي مناقشة في الأمر. فرنسا حليفة ألمانيا الاتحادية الأولى في أوربا وفي العالم، الدولتان المؤسستان والراعيتان للسوق الأوربية المشتركة، ولمشاريع الاتحاد الأوربي، والشريك الاقتصادي الرئيسي، والشريك الاستراتيجي في الناتو وفي تحالفات ثنائية عميقة بين البلدين، ترفض بإصرار على الموافقة على الوحدة الألمانية ..... !
المفاجأة الكاملة والمذهلة كانت في الموقف الفرنسي... ولكن من يقرأ السياسة بدقة يرى أنه موقف طبيعي .. وكما أن الهواجس البريطانية مفهومة، فإن الهواجس الفرنسية مقبولة ومفهومة ربما بذات القدر ..! ألمانيا وفرنسا حليفتان منذ عام 1949، حين أرسى الجنرال الكبير شارل ديغول والمستشار المحنك كونراد أديناور أسس التحالف وفق رؤية بعيدة المدى، تنفذ على أرض الواقع بصبر وتوءدة حتى اليوم، إذن لماذا رفض الرئيس الفرنسي ميتران الوحدة الألمانية بإصرار ..؟
ولكن التاريخ والفرنسيون لا ينسون أن الألمان احتلوا العاصمة الفرنسية مرتين، وحاصروها على أبوابها مرة أخرى، والوحدة الألماني ستضيف إلى الدولة الألمانية الموحدة 17 مليون ألماني متعلم ومستوى صناعي وتعليمي راقي، ودولة صناعية من الدول العشرة الأولى في العالم (ألمانيا الديمقراطية الشرقية). برغم أن الإعلام الألماني (الغربي) عمل كثيراً وراح يقلل من أهمية ألمانيا الديمقراطية ويصور أن ألمانيا الغربية ستنفق كثيراً على ألمانيا (الشرقية)، ولكن الحقيقة هي أن مساحة ألمانيا اتسعت، وعدد سكانها أرتفع، وكذلك عدد جامعاتها الراقية، وجيش من العلماء والأخصائيين في كافة المجالات.
وبحسابات العقل والرؤية البعيدة، أدرك الفرنسيون أن ألمانيا ناقص، جزئها الشرقي، هي أضعف وأقل مقدرة منها قبل إقامة الوحدة، ويضعها في موقف أضعف في حسابات التحالف.لذلك كان موقف الرئيس الفرنسي ميتران العنيد ضد الوحدة، ولكن في السياسة ليس هناك مستحيل ونهائي، والمستشار الألماني العظيم كان يسير ملهماً صوب وحدة بلاده، فمالذي يحول بينه وبين حلم أمته ..؟ وبأختصار شديد، فعل كل شيئ (وألمانيا بوسعها فعل الكثير) ليلين موقف فرنسا، وتوصل لذلك فعلاً. وعندما تقاعد العظيم هيلموت كول، أنزوى في بيته بعيداً عن الأضواء والمجد العظيم الذي حققه لوطنه، لم يقل عنه كلمة مديح واحدة .. فالأمر كان سيفسد لو فعلوا ذلك .. هو قام بواجبه ..... فقط.
مقابلة الرئيس السوفيتي السابق غورباتشوف كانت مذهلة وهو يروي تفاصيل وخفايا تلك الحقبة التاريخية المفصلية في تاريخ أوربا : الاتحاد السوفيتي ــ ألمانيا. وأخمن أنه لم يفرغ كل ما في جعبته. ولكني كسبت منها تجربة سياسية كبيرة.
زلة لسان أم تعمد
2
لست من هواة متابعة التلفاز، ولكني أقتني مجلة البرامج وأشاهد منها ما أختار، وكما غالباً ما يتسنى لي متابعتها بواسطة الأنترنيت ومن خلاله اطلع على ما أريد من البرامج. وأكثر ما يهمني هو المقابلات التي تجريها القنوات وخاصة الأجنبية، مع الشخصيات السياسية والعلمية. ورغم أنني أعرف تماماً أن السياسيون حذرون جداً ويندر أن تفلت من أحدهم كلمة أو جملة لا يريدون التصريح بها، ولكن رغم هذا تفلت أحياناً ما هو في نطاق الأسرار، أو المعلومات الغير متاحة في الصحافة والإعلام.
وعندما أشاهد وأسمع أن أحد تلك الشخصيات البارزة تصرح بحديث خطير، ومهم جداً، وهذا يحملني على التفكير، هل هذه الشخصية الكبيرة تعمدت هذا التصريح، فيدلي بكلمة أو جملة بعيدة المعنى والمغزى، أم ترى أن لسانه أفلت فل لحظة غضب، أو أسترسال وانسجام في الحديث وندم عليها فيما بعد، ولكني أعرف أيضاً ليس جميع المشاهدين يتابعون بدقة حرفية، أو أنه يشاهد التلفاز دفعاً للضجر، وهكذا تفوته معلومات مهمة.
السياسي الألماني إيغون بار
ــ من المقابلات الهامة التي شاهدها في حياتي، هي المقابلة التلفازية مع السياسي الألماني الألمعي إيغون بار / Egon Bahr ــ 1922ــ 2015) وهو أحد أبرز الشخصيات السياسية التاريخية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وعمل لفترة طويلة مع المستشار الألماني فيلي براندت، ونائبا في البرلمان الألماني الاتحادي، وعمل وزيراً للمهمات الخاصة، وبهذه الصفة قاد ابرز وأهم المباحثات الألمانية مع ألمانيا الديمقراطية (الجزء الشرقي من ألمانيا)، ومع الاتحاد السوفيتي، ولعب دورا هاماً ومؤثراً في المباحثات ونتائجها.
فالرجل يمتلك إذن خبرات وتجارب عمل مهمة في بلد كبير كألمانيا، وخاض غمار تجارب سياسية حاسمة، من بين أهمها هو عمله لفترة طويلة في تحقيق الوحدة الألمانية. وقيامه بسفرات كثيرة وعقد اجتماعات حاسمة، ومن بينها سفرة قام بها إلى موسكو / للأتحاد السوفيتي وإجراؤه محادثات بصدد الوحدة الألمانية.
هناك مسألة ألمانيا كامنة في أعماق السياسيين الألمان، وفي أعماق نفسية كل ألماني، وهي إدراكهم العميق أن بلادهم مجزأة / مقسمة، أقتطع منها مساحات شاسعة، وقسمت لدول عديدة، والوحدة حلم كل ألماني، إلا أنهم يدركون أن ذلك صعب المنال، وتحيط بهذه القضية حسابات دولية معقدة، ومصالح أوربية وعالمية، وتثير هواجس حتى أقرب المقربين لألمانيا في التحالفات والعلاقات الصداقية الثنائية، فحسابات مصالح الدول السياسة هي غير حسابات الصداقة.
الدول الألمانية في أوربا كانت حتى عام 1991 هي : ألمانيا الاتحادية، ألمانيا الديمقراطية، النمسا، سويسرا، وهولندة، وأمارة ليشتن شتاين، هذا عن تواجد سكاني ألماني مهم وحضور ثقافي في : هنغاريا، يولونيا، الدانمرك، رومانيا، مناطق في القرم وأوكرانيا. وبنظرة سريعة يدرك المرء أن هذه هي مساحة جغرافية وتعداد سكاني واقتصادي كبير جداً، تقف بوجهه بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وربما حتى الولايات المتحدة. لأن الوحدة الألمانية ستخلق دولة عملاقة بقدرات فائقة تفرض إرادتها على مسرح العلاقات الدولية والأوربية بشكل خاص. فهو بهذا حلم بعيد المنال.
الدولة الألمانية بوصفها أكبر الكيانات الألمانية تدرك أن الوصول لهذا الهدف طويل ومعقد، وأن عليك أن تثبت للجميع، للأعداء والأصدقاء على السواء، أن الشعب الألماني لا يريد سوى السلام، ولا يضمر سوى الود لجميع الشعوب الأقربين منهم والأبعدين، وعليه أن يزيل تراث دموي من العلاقات، ويمهد الطريق لكيان ألماني كبير ومقبول ولا يثير مخاوف أي طرف من الأطراف. وهذه ليست مهمة سهلة بل هي في غاية التعقيد. ولكن ينبغي التحرك بحذر وصير وتوءدة. ومن ذلك الألمان يتجنبون إثارة حفيظة أي طرف من الأطراف، فلا يحيطون أي خطوة مهما كانت صغيرة في هذا الطريق بالضجيج الإعلامي والحماس العاطفي.
في المقابلة التلفازية يقول إيغون بار أن الوفد الألماني قصد موسكو للتفاوض، وقابل مسؤولين من وزارة الخارجية السوفيتية وهنا المفاجأة : " من دائرة ألمانيا وسويسرا والنمسا وهولندة .. (يبدو أن هناك دائرة متحدثة باللغة الألمانية في وزارة الخارجية السوفيتية)، ولكن إيغون بار أضاف كلمة " إذن دائرة ألمانيا الكبرى ...! ". (Grosse Deutschland) وطيلة إقامتي الطويلة في ألمانيا لم يتكرر سماع هذا المصطلح الهام. وأنا أعتقد جازماً أن السيد بار لم يتعمد ذكرها، بل وردت كزلة لسان ..!
جاك سترو وزير خارجية بريطانيا الأسبق
لست من هواة متابعة التلفاز، ولكني أقتني مجلة البرامج وأشاهد منها ما أختار، وكما غالباً ما يتسنى لي متابعتها بواسطة الأنترنيت ومن خلاله اطلع على ما أريد من البرامج. وأكثر ما يهمني هو المقابلات التي تجريها القنوات وخاصة الأجنبية، مع الشخصيات السياسية والعلمية. ورغم أنني أعرف تماماً أن السياسيون حذرون جداً ويندر أن تفلت من أحدهم كلمة أو جملة لا يريدون التصريح بها، ولكن رغم هذا تفلت أحياناً ما هو في نطاق الأسرار، أو المعلومات الغير متاحة في الصحافة والإعلام.
وعندما أشاهد وأسمع أن أحد تلك الشخصيات البارزة تصرح بحديث خطير، ومهم جداً، وهذا يحملني على التفكير، هل هذه الشخصية الكبيرة تعمدت هذا التصريح، فيدلي بكلمة أو جملة بعيدة المعنى والمغزى، أم ترى أن لسانه أفلت فل لحظة غضب، أو استرسال وانسجام في الحديث وندم عليها فيما بعد، ولكني أعرف أيضاً ليس جميع المشاهدين يتابعون بدقة حرفية، أو أنه يشاهد التلفاز دفعاً للضجر، وهكذا تفوته معلومات مهمة.
وزير الخارجية البريطانية جاك سترو
3
تابعت مقابلة تلفازية هامة أجريت مع وزير خارجية بريطانيا الأسبق ( Jack Straw) ، أدلى بها السيد سترو بتصريحات، وإن لم تكن المعلومات التي أدلى بها (عن التعاون الوثيق بين إسرائيل وإيران) في حيز الأسرار، ولكن تأكيدها على هذا المستوى السياسي المسؤول، مدعماً بالأرقام، منح المعلومات طابعاً تأكيدياً مهماً، وصار بالإمكان الاعتماد عليها كمعلومة موثقة تستحق الإشارة إليها.
يتحدث الوزير سترو عن التعاون الإسرائيلي الإيراني الحميم خلال 8 سنوات الحرب لعبت فيها إسرائيل دور المورد الأول للسلاح لإيران سواء الأسلحة من الصناعات الإسرائيلية، وقد عثرت القوات العراقية على اعتده إسرائيلية الصنع، ولكن بوسع السلطات الإيرانية الزعم أنها أسلحة موردة لإيران منذ زمن نظام الشاه.
والشهادة المهمة هنا تأكيد وزير الخارجية البريطاني الأسبق، أن إسرائيل كانت تضخ الأسلحة لإيران طيلة ثمان سنوات التي استغرقتها الحرب، وهذه الشهادة المؤكدة والمسؤولة، تضيف إلى المعلومات الكثيرة التي كانت بحوزة السلطات العراقية، وحتى الدولية، التي أكدتها سقوط الطائرة الأرجنتينية في مناطق الحدود السوفيتية / التركية، وعن رحلات بحرية بين الموانئ الإسرائيلية والإيراني لنقل السلاح. وأشار الوزير سترو أن مجموع ما صدرته إسرائيل إلى إيران في أعوام الحرب بالثمانينات بلغ 2 مليار دولار، وهو مبلغ غير بسيط في تلك السنوات.
وتتميز علاقات التسليح أو غيرها على الصعد السياسية والجارية بالتكتم وإحاطتها بالسرية، رغم أنه لا يمكن التعويل على الإبقاء على الأسرار، فتداخل العلاقات والتقدم التقني يكشف العلاقات السرية مهما حاولت الأطراف إخفاءها. وقد تتكون مصلحة لأحد الأطراف، أو لمن أطلع على أسرار العلاقة أن يعمد لكشفها بهذا الأسلوب أو ذاك. ومن تلك مثلاً أن قدمت إيران لإسرائيل ما تمتلك من معلومات وصور لمواقع العمل والأبحاث النووية العراقية، وسهلت بذلك مهمة قيام إسرائيل بشن غارات الطيران لقصف تلك المنشئات. وأن قيام تعاون إسرائيلي ــ إيراني عسكري / استخباراتي هو أمر منطقي حيال خصم مشترك وهو العراق.
ومن بين العلاقات التي أدلى الوزير البريطاني بمعلومات عنها، هو سماح السلطات الإيرانية بسفر اليهود الإيرانيين يقدر عددهم بنحو 100 ألف شخص، إلى إسرائيل، والعودة أو البقاء فيها، وهذا ما يمثل بمبادرة حسنة، لابد أن رد الإسرائيليون بمثلها. وأشار الوزير سترو أن خلال فترة خامنئي هاجر 50 ألف إيراني / يهودي إلى إيران.
عالم الاقتصاد الفلسطيني د. طلال ابو غزالة
4
د. طلال أبو غزالة عالم اقتصاد عربي فلسطيني، خرج من قلب المأساة وصنع من نفسه شيئاً لشعبه وأمته، وبفضل علمه توصل وتبوء مراكز علمية / سياسية دولية كبيرة، وبفضل هذه المراكز العليا التي توصل إليه، ومخالطته ومجالسته شخصيات دولية ذات أفق عريض، وبفضل علمه الغزير أولاً، توصل الدكتور ابو غزالة إلى فهم عميق لعناوين بل ولمفردات وتفاصيل ما يدور على مسرح العلاقات الدولية، وأكثر من ذلك اكتسب القدرة الفائقة على التنبؤ وفق مقاييس علمية دقيقة.
في متبعة محاضرات الدكتور ابو غزالة فائدة قصوى، وحتى تلك المعلومة أو الملاحظة التي ربما تعرفها أو تتفهمها، وقد تشعر بها، أو يتوصل إليها تحليلك العلمي، يخبرك أياها د. أبو غزالة عن معرفة وعلم، بطريقة لبقة.
في إحدى محاضرات د. ابو غزالة يتحدث فيها عن تنافسات الأقطاب العالمية، فيتطرق إلى نظام العولمة الذي يلفظ آخر أنفاسه، ومن المرجح أن لا يستمر فترة طويلة بعد، الدور القيادي أنهك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كما أنهكت مناطق كثيرة في العالم في بؤر التوتر وغيرها، وأولى مظاهر تراجع الدور القيادي الأمريكي يكمن في المؤشرات الاقتصادية قبل كل شيئ، وهو ما يعطي تحليلات هذا العالم المصداقية والعلمية.
المهم جداً الذي تحدث به د. أبو غزالة، هو ما كنا نلاحظه من خلال ظواهر عديدة، ولكنه لم يكن يرتقي لدرجة المعلومة، أو اليقين هو أن مسرح العلاقات الدولية الحالي يتجه بسرعة ليتبلور على معسكرين :
الولايات المتحدة ــ بريطانيا / الصين ــ روسيا
وبالطبع لكل من هذين المعسكرين حلفاء وأطراف، والأساس في هذين المعسكرين هو التحالف على أساس القوة الاقتصادية والعسكرية. ويتوقع د. أبو غزالة أن تكون هناك نقاط ساخنة في المحيط الهادئ وأطرافه وخاصة في بحر الصين، وقد يبلغ الأمر حدود حرب محدودة، سيكون بعدها مفاوضات، يجري بعدها تقسيم جديد للعالم، والتقسيم لا يعني وجود عسكري وسياسي استعماري، كولونيالي، فتلك طبيعة اندثرت منذ زمن بعيد، بل الحضور والنفوذ سيكون اقتصادي / سياسي.
الأمم الصغيرة لا حظ لها في الصمود كقوة لها وزنها في الميدان إلا إذا دخلت اقتصادياتها عالم الترليونات، وصارت لها أهميتها الاقتصادية لتحقق أهمية سياسية.
العالم قوة ... نعم هذا قيل دائما عبر التاريخ، ولكن ما يتغير هو الصور المعبرة عن القوة ....!
1790 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع