مثنى عبيدة
لو ضاع أسمك گول آني عراقي
في يوم جميل وكنت ُ قد وعدت ولدي بالذهاب إلى مكان ٍ مخصص ٍ للألعاب والتسوق في آن واحد وبينما نحضر الأطفال للخروج وما يصاحب ذلك من صعوبات ومحاولات للإقناع والترغيب قمنا بفتح جهاز الحاسوب المحمولُ لغرض الاطلاع على الأناشيد والأغاني الخاصة بالطفولة وإذا بنا نفتح إحدى القنوات الفضائية العراقية وبغض النظر عن رسالتها وأهدافها وطبيعة الخطاب الذي توجهه للمتلقي وهذا أمر قد نتفق عليه أو نختلف إلا أن برنامجها الذي وقعت عليه أعيينا يحمل طابعاً إنسانياً مما شدنا إليه وبدأنا نطلع عليه .
أنه يعرض قصة عراقي أصيل من أهل البصرة الكرام وقد تعرض لانهيار عصبي مما أقعده الفراش نتيجة رؤيته لحادث إصابة أخته بطلق ناري هذا العراقي أسمه حسن وقد أستعرض معد البرنامج البيت الذي يؤويه حيث تحول إلى خربة وممتلئ بالأوساخ والأتربة في ظل معاناة إنسانية مؤلمة حقاً حيث تشاركه في هذا المنزل أخته وهي تعاني من مشاكل عقلية وقد تخلى عنهم الأهل والأقرباء والأصدقاء ولا يوجد من يعيلهم أو يعينهم في ظل تراجع القيم الإنسانية والأخلاقية التي نشئ عليها المجتمع العراقي عبر التاريخ والتي للأسف يبدو أنها تتلاشى مع التحولات التي شهدها ويشهدها البلد يومياً .
طبعاً يجاور هذا البيت عدة عيادات طبية لأطباء كبار ومختصين في مجلاتهم الطبية ولكن للأسف الشديد لم يستطع أحدهم أن يُعطي من وقته جزءً يسيراً للحالات الإنسانية الصعبة أمثال حسن وغيره الكثيرين .
بدأت الكاميرا تتجول في أجزاء البيت ناقلة مشاهد يـُخيلُ للمرء بان الرجل وأخته يسكنون الكهوف وليس البيوت .
بعدها تحدث حسن عن حاله وكيف أنه كان موظفا وحالياً متقاعد وأخته تذهب لاستلام راتبه رغم حالتها الصحية وأن موظفي البنك يساعدونها في تسلم هذا الراتب تقديراً لحالتهم الإنسانية ، ثم عرج على سوء وضعه الصحي والإنساني وحاجته إلى العلاج والعناية في بلدٍ يفترض أنه واحد من أغنى دول العالم بالثروات التي تختزنها أرضها الطاهرة التي وهبها الله لهم وليس هبة من حاكم أو نظام أي كان شكله ولونه الفكري والسياسي .
إلى هنا والبرنامج لا يحمل جديداً في طبيعة عرض قضية إنسانية يعاني منها الملايين من أبناء العراق الذين يعانون معاناة إنسانية كبيرة وصعبة جداً منذ عقود طويلة مما حدا بولدي أن يسألني بابا ( ليش العراق ما عدهم فلوس ) فقلت له لا بابا عندهم فلوس ولكن ما عدهم نفوس تتقي الله فيهم وتتحمل المسؤولية بالشكل الذي يتلاءم مع كل القيم الدينية والإنسانية والاجتماعية . ( إلا ما ندر ولا نزكي على الله أحد )
هنا انتبهت إلى صورة هذا العراقي الشريف وإذا به يهتز ويرتجف ويرفع يده اليمنى النحيلة المتعبة والتي تولدت فيها كل عناصر القوة وهو يصيح بعدما سأله المراسل عن وضعه وحالته ومن له ومن يخدمه أو يسهر عليه وقد تخلى عنه الجميع فإذا بالأخ حسن أبن البصرة يصرخ
( لو ضاع أسمك كول آني عراقي ولو ضاع أسمك كول آني عراقي )
وبداء يرددها عشرات المرات وقد دبت في جسده النحيل كل مشاعر الاعتزاز والانتماء والشرف بهذا الوطن الرائع ....
لقد أستصرخ حسن العراقيين جميعاً وأوقظهم من سباتهم العميق وأرسل لهم رسالة عراقية خالصة هي أبلغ من كل المتحدثين من السياسيين والمنافقين والمادحين الذين كلما نطقوا باسم العراق كأنهم يحملون السكين لتقطيعه أرباً أربا والله لا تشعر بصدق أو أي تفاعل حينما يتحدث أحدهم عن العراق مثلما تشعر بصدق وحرارة الكلمة ونبل القلوب الطاهرة التي تحملها وتنطقها بها حينما تخرج من أفواه العمال والفلاحين والفقراء والمخلصين لهذا البلد بترابه وأرضه وسماءه بأنهاره وروافده بجباله وسهوله وصحراءه بكل قرية وقصبة في أقصى العراق تشعر بدموعهم الطاهرة تناسب على وجناتهم الكريمة وهي يهمسون أو يصرخون باسم العراق
بكيت وبكيت مع حسن العراقي الأصيل الذي حينما سأله المراسل عن ماذا يشتهي فقال أشتهي قيمر وعسل للفطور ومرقه الفاصوليا والتمن للغذاء ... يالله هل هذا كل ما يشتهيه العراقي البسيط الذي هو دون عن خلق الله لا يريد لا سفر ولا رحلات وجولات في عواصم العالم العراقي يريد أن يأكل بأمن وأمان وكرامته محفوظة والله هذا هو مطلب كل العراقيين البسطاء والذين لم يفهمهم الحكام الذين تعاقبوا على حكمهم ... طلب بسيط حياة هانئة كريمة حرة يتنفس فيها نسمات دجلة والفرات وهو جالس على حصيرة أو تخت خشب لكنه يحس أنه يملك الدنيا ترى والله هذا العراقي يريد يعيش مرفوع الرأس في وطنه ينعم بخيراته وبشكل معقول ومقبول لا بطراً ولا ترفاً ( رغم أنه يستحق هذا الترف ) .
العراقي الذي يعمل بيديه ويكدح ويركض النهار كله وتحت حرارة الشمس لا تكييف ولا تبريد العراقي الذي كان لا يغادر البيت إلا إلى الجامع أو المقهى التي تقبع في نهاية شارعهم أو في محلتهم العراقي أبو البيت والعشرة والرحمة والله مع الأسف أصبح العراقيين تحت كل نجمة ........
أعود إلى حسن العراقي الذي أكمل رسالته العراقية الواضحة وهو ينشد ها خوتي النشامى ولو ضاع أصلك كول آني عراقي ولو ضاع أسمك كول آني عراقي
وكأنه يقول لكل الطامعين والساعين واللاهثين كالكلاب سعياً لتمزيق هذا العراق وقتل الروح الوطنية الحقيقة البعيدة عن الشعارات
سترحلون ويبقى العراق وهو الفخر والانتساب والهوية والعنوان هو الأصل وهو الشجرة التي تفرعت وأثمرت رجال ونساء وأطفال يفخرون بالعراق حتى لو كانوا خلف المحيطات .....
حسن وأمثاله الكثيرين من المرضى والشيوخ والأطفال الأيتام والأرامل الكريمات وعائلات المعتقلين والشهداء من كل أبناء العراق ينتظرون وعيونهم ترنو إلى السماء يرجون رحمة ربهم الكريم ذو الجلال هؤلاء وغيرهم الكثيرين الكثيرين الذين لم ترصدهم الكاميرا ولا الشاشات لهم حق ٌ في بلدهم وخيراته وأن حرموا منه بسبب ظلم ودكتاتورية وتعسف مستمر وهضم للحقوق منذ زمان فإنهم عراقيون عراقيون حتى النخاع وسوف يأخذون حقهم وأن طال الزمان وحينها سيقولون وبملأ الأفواه هانا نحن باقون وأنتم أيها السارقون الظالمون إلى زوال
لذا أوجه رسالتي إلى كل سياسي أو صاحب فكر يقول انه عراقي وحريص على أهل العراق أتقى الله وأتقي يوماً لن تفلت فيه من العقاب والحساب أتقي هذا اليوم بأهلك العراقيين فإن كنت من الإسلاميين أو المتدينين فهذا ما يأمرك به دينك وأن كنت من العلمانيين أو اليساريين فهذا ما كنت تتحدث عنه طوال عقود العدالة الاجتماعية والشراكة الإنسانية وغيرها من شعارات وأن كنت مثقف فإن الثقافة هي الرحمة بالإنسان الذي هو أخوك بالإنسانية أقول لكل هؤلاء
وغيرهم إلا تشعرون بالخجل وأنتم تشاهدون ما حل بالعراقيين وإذا كنتم تقولون أنكم قد ورثتم هذه التركة الثقيلة أليس هذا مدعاة للعمل لأجل العراقيين حتى نقول بأنكم اطهر وأنظف وأخلص ممن سبق ....
ماذا ستتركون للتاريخ وهل انتم خالدون في هذه الأرض.. بالله عليكم وأرجوك أن تظهروا للعالم وللعراقيين عن برامجكم الاجتماعية ومساعداتكم الإنسانية وجهودكم في السعي من أجلهم لكي نعرف على الأقل بأنكم حاولتم وتحاولون لقد قالها حسن لو ضاع أسمك كول آني عراقي ) وأنتم ماذا تقولون غداً ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أما رسالتي التي أرجو الله تعالى أن تجد صدى طيب في نفوس عراقية كريمة من أهل النخوة والرحمة والإحسان من العراقيين الاصلاء الذين تفرقتم بهم الديار وقلوبهم معلقة بالعراق أقول لهم أخوتي أهلي أعمامي وأخوالي خالاتي وعماتي أخواتي هذا درب الخير مفتوح الأبواب وطرقاته معبدة بالخيرات والدعوات فلا تحرموا أنفسكم من الأجر والثواب ودعاءٍ بمنتصف الليل والصلوات ، أرجوكم أن لا تقول أن هناك حكومة وهذه مسؤوليتها أرجوكم أن نترك كلمة ( شعليه) ( ترى والله هي اللي هجمت بيوتنا ) أرجوكم أن تعودا إلى تلك الأيام الخوالي والذكريات الكريمة وكيف كنا إخوة وأحباب نساعد بعضنا البعض ولو بالكلمة الطيبة والنية الحسنة
أخوتي أن كفالة الأيتام ورعايتهم بمبلغ بسيط جداً يكفل لهم لقمة كريمة وحياة آمنة من المنزلقات والموبقات بإذن الله
أن مساعدة الأرملة الشريفة التي تسعى بكل شرف وعزة نفس من أجل أيتامها والله شرف للمتبرع ما بعده شرف
أن شراء كرسي متحرك لمعاق يعيد ُ له الأمل ويعينه في تنقله للعمل أو للمدرسة ...
أخوتي الكرة في ملعبنا جميعاً لأننا أهل هذا البلد وأهل الغيرة والنخوة والرحمة ...
لقد قالها حسن وقالها العراقيون الاصلاء وهم يوجهون أجمل رسالة والتي سعت قوى خارجية كثيرة لكي يمزقونها ويمزفزن العراق وثقوا بالله لو تم ترجمة عبارة حسن إلى صناع القرار الظالم في دول متعددة كانت تشكل أكبر لطمة على وجوههم وعلى مخططهم الساعي لقتل الروح العراقية والانتماء العراقي الفريد للنخلة والبيت والجيران وكل معاني العراق ...لأنه لن تجد أجمل من العراق
ولو ضاع أسمك گول آني عراقي ولو ضاع أصلك گول آني عراقي
744 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع