عوني القلمجي
امريكا وايران وثالثهم كلبهم
يوما بعد اخر تغوص الكتل والمليشيات المسلحة، اكثر فاكثر في المستنقع الاسن لما يسمى بالعملية السياسية. فبدلا من الاستسلام للامر الواقع وتشكيل حكومة وطنية بديلة لحكومة المستقيل عادل عبد المهدي، تلبي مطالب الثوار المشروعة، والاكتفاء بما حصلوا عليه من اموال حرام ومكاسب لا تعد ولا تحصى، راحت تواصل الاجتماعات وتضع الخطط وتحوك المؤامرات للحيلولة دون ذلك وبقاء عادل عبد المهدي في منصبه تحت عنوان حكومة تصريف اعمال. ومن اجل تحقيق هذا الهدف الخبيث، استغل هؤلاء الاشرار المواد 76،81 من الدستور التي تعالج الية تشكيل الحكومة. فهي من جهة تعطي الحق للاغلبية برفض اي مكلف جديد او اقناعه بالاعتذار، وهؤلاء يمتلكون الاغلبية الى جانب وسائل الضغط والتهديد على القوى والكتل الاخرى، وهي من جهة اخرى، تمنح مزيدا من الوقت وحرية المناورة لاقناع البرلمان باعادة تكليف عادل عبد المهدي لتشكيل الحكومة، فعادل عبد المهدي يمثل بالنسبة لهؤلاء الاشرار صمام امان وسد حماية من اية مسؤولية قانونية او سياسية او اخلاقية. ناهيك عن ان بقاء عادل عبد المهدي هو مطلب ايراني ملح.
وفق هذا السياق قدم الدكتورمحمد توفيق علاوي اعتذاره عن تشكيل الحكومة قبل ساعات من انتهاء المهلة الدستورية، والعودة هاربا الى مكان اقامته الدائمة في لندن، ثم سار على الطريق نفسه المكلف الثاني عدنان الزرفي، الذي اختفى في جنح الظلام وبهدوء تام، على الرغم من الضجة التي ثارت حوله. لكن الرياح سارت بما لا تشتهي سفن هؤلاء الاشرار، حيث اصبحت هذه اللعبة هزيلة ومكشوفة، وفي نفس الوقت مستهجنة من قبل عموم العراقيين. الامرالذي اضطر رعاة العملية السياسية، امريكا وايران، الى وقفها، والاتفاق على تكليف المدعو مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة الجديدة. خاصة وان كلا البلدين المحتلين قد وجدا في الكاظمي قاسما مشتركا ومقبولا. حيث رأت ايران فيه الرجل الذي قد يستطيع لعب دور في تخفيف حدة التوتر مع امريكا، بالنظر لما يمتلكه من علاقات جيدة وقديمة معها، في حين رأت امريكا بالكاظمي الشخص القادر على لملمة الوضع، والحد من التدخلات السافرة لملالي طهران ووقف اعتداءات المليشيات المسلحة على القوات الامريكية وقواعدها المنتشرة في العراق. ومن اجل ذلك ارسلت طهران رسلها، وتمكن اخرهم المدعو اسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، من اقناع هؤلاء الاشرار بالكاظمي، وسحب جميع الاتهامات الثقيلة التي وجهت له، ومنها اتهامه بالاشتراك مع الامريكان في عملية قتل قاسم سليماني وابو مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد الدولي.
لكن هذا ليس كل شيء، فعلى ارض الوقائع تمكن الكاظمي، خلال هذه الفترة القصيرة، من عقد لقاءات عديدة مع الكتل السياسية، وكان اهمها اللقاء الذي عقد في بيت هادي العامري، زعيم كتلة الفتح، وحضور زعماء الكتل النيابية
"الشيعية" الاخرى مثل، رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، ورئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، ورئيس ائتلاف النصر، حيدر العبادي، ورئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري، نصار الربيعي، ومستشار الأمن الوطني، فالح الفياض، وحصل منهم على ضوء اخضر، لتمرير حكومته في البرلمان، مقابل موافقته على الاخذ ب"الاستحقاق الانتخابي"، والمقصود به توزيع الوزرات والمناصب وفقا لعدد مقاعدها في البرلمان. وكذلك موافقته على تقديم ضمانات بحماية شخصيات الخط الأول وإغلاق جميع الملفات المجمدة بشكل نهائي، بما فيها ملف سقوط الموصل، ومجزرة سبايكر وسرقة المال العام، واخيرا عدم التعرض للحشد الشعبي الذي اصبح الاسم الرمزي للمليشيات المسلحة. ومن الطريف ان الكاظمي لم ينكر هذه الحقيقة. حيث ذكر بانه "فتح حوارا مع جميع القوى من اجل التوصل الى اتفاق يرضي جميع الاطراف لتمرير كابينته الوزارية".. وبالتالي لا استبعد ان يتمكن الكاظمي من تشكيل حكومته ونيل ثقة البرلمان، واداء اليمين الدستوري كسابع رئيس حكومة في ظل الاحتلال.
اذا سارت الامور كما هو متوقع، ترى هل سيتمكن الكاظمي وحكومته الجديدة من الوفاء بوعوده الخجولة؟ ام انه سينتهي الى اداة لتنفيذ ارادة المحتل كما فعل اسلافه من قبله ويضيف اسمه الى سجلهم الاسود؟
لا يوجد سبب واحد يدعوني الى التفاؤل، فالكاظمي هو فعلا من رجالات امريكا التي تربى في حضنها، مثلما تربطه علاقات وطيدة مع ايران، وكلا البلدين المحتلين لا يفكران على الاطلاق باي خير للعراق، وانما الحاق مزيد من الخراب والدمار به وبشعبه الجريح. بالمقابل فالرجل يعرف البير وغطاه، ويعلم بان امريكا المحتلة لا تنوي ابدا القضاء على نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ولا انهاء منظومة الفساد المالي والاقتصادي والسياسي. ولا تسعى لحل المليشيات وتسليم اسلحتها الى الدولة، بقدر ما تسعى الى وقف عدوانها على القوات الامريكية وقواعدها في العراق. بمعنى اخر فان القادم الجديد، سواء كان ضعيفا او قويا، كفوءا او جاهلا، وطنيا او عميلا، لن يجد حرجا في التخلي عن وعوده سواء للشعب العراقي او لثوار تشرين. مثلما لم يجد حرجا في منح هؤلاء الفاسدين حصة الاسد في حكومته وتوزيع الوزارات والمناصب والدرجات الخاصة بالطريقة القديمة نفسها. هكذا فعل جميع رؤساء الحكومات التي تعاقبت في ظل الاحتلال. بدءا من اياد علاوي وابراهيم الجعفري، ومرورا بنوري المالكي، وانتهاء بحيدر العبادي وعادل عبد المهدي.
اما المكونات الثلاثة شيعة وسنة وكرد حسب تصنيف المحتل، التي تسيطر على الغالبية العظمى من مقاعد البرلمان، فهذه هي الاخرى لن تمنح الثقة للقادم الجديد ما لم ينفذ طلباتها دون زيادة او نقصان، ولم يخف ممثلو هذه المكونات تلك المطالب، حيث اعلن كل منهم على حدة، بان مكونه لن يصوت للكاظمي قبل ضمان حصصهم والحفاظ على مكتسباتهم. بل ان ممثلي الكرد وضعوا شروطا اضافية، منها عدم المساس بالدستور، او بالحصة المالية المخصصة من الميزانية العامة، وكذلك صرف رواتب البيشمركة وهي مليشيات مسلحة. في حين صرح ممثلو الكتلة "السنية"، بانهم غير مهتمين بتسمية رئيس الوزراء كونه استحقاقا شيعيا، على حد تعبير رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بقدر اهتمامهم بتامين "حصتهم في عدد الوزارات والمناصب العليا والدرجات الخاصة".
كل ما يستطيع الرجل فعله وسيفعله بكل تاكيد، وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، هو تلوين جلباب اسلافه بالوان براقة وزاهية لذر الرماد في العيون. والمقصود هنا احتمال قيام الحكومة الجديدة باصلاحات خدمية متواضعة، وايجاد فرص محدودة للعاطلين عن العمل، او اطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين، على امل ارضاء العراقيين الذين ضاقت بهم سبل الحياة، وحرمان الثورة الشعبية من وقودها الدائم، تمهيدا للالتفاف عليها ومن ثم انهائها. خاصة وان المحتل الامريكي والى حد ما الايراني ، قد ادركا تماما بان استمرار عمليات النهب والفساد والسرقة وارتكاب الجرائم بهذه الطريقة المكشوفة والصلفة، ستؤدي بهذا الشعب المظلوم الى العودة لساحات التحرير بقوة كبيرة، وتصعيد نشاطات الثوار، وربما تحول الثورة السلمية الى ثورة مسلحة. بعبارة اخرى، فان هؤلاء الاشرار، سيقبلون على مضض تقديم بعض التنازلات التي لا تمس جوهر مصالحهم، ولا تقلل كثيرا من مكاسبهم غير المشروعة. اذ من دونها لا يمكن لهم تجنب مصيرهم الاسود وخسران كل ما ملكوه من المال الحرام، وربما فقدان حياتهم. هذه هي الحقيقة واي مراهنة على اقدام الكاظمي على تلبية مطالب الثورة، وفي مقدمتها حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة باشراف دولي، او قيامه بحصر السلاح بيد الدولة وانهاء دور المليشيات المسلحة التخريبي، او تقليص النفوذ الايراني، او مطالبة الامريكان بالانسحاب من العراق، هي مراهنة فاشلة جملة وتفصيلا. لسبب بسيط اثبتته الوقائع وتجارب الشعوب مفاده، بان المحتل عبر عصور التاريخ المختلفة لم يقدم الحرية والبناء والتقدم للبلدان التي احتلها، وانما قام بهدمها وتقسيم اراضيها وتمزيق وحدتها الوطنية وتهجير اهلها وتجويعهم واذلالهم ، وان الاداة التي تقوم بتنفيذ هذه المخططات الغادرة هي الحكومات المرتبطة بالمحتل، وحكومة الكاظمي لن تكون سوى واحدة من هذه الحكومات.
عوني القلمجي
17/4/2020
4744 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع