الدكتور: مليح صالح شكر/ نيويورك
تحل يوم الأربعاء 15 مايس 2013 الذكرى التاسعة والستون لوفاة الكاتب الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر. وبالرغم من السنوات الطويلة التي قضيتها في عملي الصحفي لم أنشر شيئاً لمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الوالد
وقد تسنى لي تدوين نص إضبارته الشخصية بوزارة الداخلية عام 1962 بفضل موافقة مدير الداخلية العام ، هادي الجاوشلي، وهو في حينه الشخص الثاني بالوزارة قبل العمل بنظام وكيل الوزارة ، وكان رجلاً كردياً فاضلاً، وشخصية معروفة في تاريخ العراق، ساعدني كثيراً ، وأخذني شخصياً الى غرفة الأوراق بالوزارة ليبلغ الموظف المسؤول بالسماح لي الاطلاع على إضبارة إبراهيم صالح شكر، وكانت من ثلاثة أجزاء، وتدوين ما فيها من معلومات، وقمت بذلك بشكل كامل، وهي النسخة بخط يدي التي ما تزال محفوظة عندي حتى اليوم.
ووظائفه كانت كما يلي وفقاً لإضبارته الشخصية:-
مدير تحريرات لواء الحلة من 12/7/1924 إلى 12/10/1924
مدير تحريرات لواء بغداد من 13/10/1924 إلى 6/6 /1925
إستقالة
وكيل مدير ناحية شهربان من 20/8/1925 إلى 30 /11/1925
تثبيت مديراً لناحية شهربان من 1/12/1925 إلى 12/12/1925
مدير ناحية قزلرباط من 14/ 12/1925 إلى 30/8/1926
مدير تحريرات لواء ديالى من 2/9/1926 إلى 1/6/1927
إستقالة
مدير تحريرات لواء بغداد من 4/9/1930 إلى 31/1/1931
إستقالة
مدير ناحية تكريت من 24/8/1932 إلى 3/12/1932
مدير ناحية شهربان من 7/12/ 1932 إلى 5/9/1933
قائمقام قضاء شهربان من 6/9/1933 إلى 2/5/1934
قائمقام قضاء قلعة صالح من 24/5/1934 إلى 24/8/1934
قائمقام قضاء الهاشمية من 25/8/1934 إلى 18/2/1935
قائمقام قضاء الصويرة من 23 /2/ 1935 إلى 4/7/1935
ملاحظ المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 10/7/1935 إلى 27/7/1935
سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 28/7/1935 إلى 2/2/1936 ( كان رشيد عالي الكيلاني وزيراً للداخلية في حكومة ياسين الهاشمي).
قائمقام قضاء سامراء من 8/2/1936 إلى 26/6/1936
قائمقام قضاء خانقين من 5/7/1936 إلى 30/7/1937
قائمقام قضاء المحمودية من 9/8/1937 إلى 22/9/1937
قائمقام قضاء الفلوجة من 29/9/1937 إلى 19/8/1939
قائمقام قضاء الكاظمية من 20/8/ 1939 إلى 7/7/1940
قائمقام قضاء خانقين ( ثاني مرة) من 13/7 /1940 إلى 23/6/1941
قائمقام قضاء قلعة صالح ( ثاني مرة ) من 2/7/1941 إلى 16/11/1941
وللتاريخ، يبدو أن أمراضه قد بدأت بوظيفته مديراً لناحية قزلرباط( السعدية حالياً) التي بدأها في 14 كانون الأول عام 1925، وبقي فيها حتى 25 آب 1926 ، وبعدها في أيلول تم نقله إلى وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى .
ففي قزلرباط حصل بتاريخ 11 تموز 1926 على إجازة إعتيادية لإصابته بمرض الملاريا ، وأتبعها بإجازة مرضية لمدة شهر ، ثم تتابعت الأمراض ليصيب الرواتزم الحاد كتفه، والقرحة جدار المعي، والسكري ، وغيرها ، كان يقول عنها ( انه يحمل أمراضاً عجز الطب عن علاجها).
وباشر إبراهيم صالح شكر في 11 أيلول وظيفته المنقول إليها في مديرية تحريرات اللواء. وبقي فيها ثمانية أشهر ، حصل خلالها على إجازة طبية لمدة 15 يوماً، وعاودته في 22 شباط 1927 الحمى الحادة فحصل على إجازة لمدة 15 يوماً أخرى إستناداً إلى التقرير الطبي الصادر من الطبيب المركزي في بعقوبة ، ثم مددها مجدداً بتقرير طبي وقعه الدكتور إستاوري في البصرة ، دون أن يسنى معرفة دوافع سفره إلى البصرة وهو مريض، ولكنه بالتأكيد حاول إصدار جريدة في البصرة باسم ( الثغر) وقدم طلبه بهذا الشأن الى وزارة الداخلية ، سوية مع طلب ثاني لإصدار صحيفة في بغداد، بأسم( الزمان).
وتعددت صداقات إبراهيم وتنوعت ، ومنهم رؤوساء حكومات ووزراء وأدباء وصحفيين، وكان أقربهم إليه رئيس الوزراء لثلاث مرات ، علي جودت الأيوبي ، والسياسي يونس السبعاوي ، والصحفي عبد القادر إسماعيل البستاني ، والصحفي رفائيل بطي، والصحفي لطفي بكر صدقي.
وما تزال بعض أوراقه المحفوظة عندي تحمل توقيع الأيوبي عندما كان رئيساً للوزراء، وهو الذي أهداه القلم الذي كتب به سلسلة مقالاته المشهورة ( قلم وزير)، وكذلك بضعة رسائل موجهة إليه من لطفي بكر صدقي، وكذلك رسالة واحدة من بطي من معتقل العمارة عام 1941 .
لطفي بكر صدقي
وقد قابلت علي جودت الأيوبي عدة مرات في الستينيات في منزله بالوزيرية ، وأكرمني بكل ذكرياته عن والدي . وقال لي ان الوالد كان يهرب فجأة من الوظيفة عندما كان يعمل معه وهو متصرف في لواء الحلة أو لواء ديالى ،( حالياً محافظة بابل، ومحافظة ديالى)، وإن الوالد ( في إجازة متى أراد ذلك)، ويذهب الى بغداد ليقدم إستقالته الى الوزارة مباشرة ، ثم يطلب إمتيازاً لإصدار جريدة.
وللتاريخ ، لابد من القول بأن علي جودت الأيوبي عندما كان نائباً لرئيس الوزراء بحكومة جميل المدفعي ، التي تشكلت في 5 آذار 1953 بعد إستقالة حكومة الفريق نور الدين محمود العسكرية ، قد أحاطنا نحن أبناء إبراهيم صالح شكر بعناية خاصة، روى لي تفاصيلها ، خالي عبد الوهاب عبد الرزاق الفرضي ، وقال انه كان ذات يوم في فترة الغذاء من عمله طباعاً في إحدى مطابع شارع المتنبي ، وسمع بمن يناديه، ولما إلتفت الى مصدر الصوت ، إكتشف انه معالي علي جودت الأيوبي الذي كان مكتبه في رئاسة الحكومة بالقشلة، جوار شارع المتنبي.
وسأل الأيوبي خالي عن مصير أبناء إبراهيم ، وفهم منه انهم يعيشون في كنف سيدات العائلة المعلمات في قضاء عنه بلواء الدليم ( الأنبار حالياً)، فطلب الأيوبي من الخال موافاته الى مكتبه في اليوم التالي ، وأملى عليه صيغة عريضة بأسم أخي باسم الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة عشر من العمر ، ولم يغادر خالي مكتب الأيوبي في ذلك اليوم إلا ومعه كتاب بتاريخ 21/4/1953 وصادر من ديوان رئاسة مجلس الوزراء وبتوقيع الأيوبي ، موجهاً الى
أخي باسم ، يقول الأيوبي فيه: ( إنشاء الله سأسعى لإيجاد طريقة لكم لتأمين معيشتكم على قدر الإمكان).
والأيوبي في هذا التاريخ كان نائباً لرئيس الوزراء في حكومة جميل المدفعي، ومن أعضائها نوري السعيد وزيراً للدفاع، وتوفيق السويدي وزيرا للخارجية، وأحمد مختار بابان وزيراً للعدلية وغيرهم، وتولى الأيوبي رئاسة الحكومة ثلاث مرات في حياته ، هي:
من 27 آب 1934 – 4 آذار 1935
من 10 كانون الأول 1949 – 5 شباط 1950
من 20 حزيران 1957 – 15 كانون الأول 1957
وقد أوفى الأيوبي بوعده ، فمنذ ذلك الحين أصبح لنا الثلاثة، أبناء إبراهيم صالح شكر ، راتباً تقاعدياً ظل يصرف لنا حتى عام 1961 ، حينما صار أخي باسم ضابطاً في الجيش العراقي ، فإنقطع الراتب التقاعدي لأن الأخ الكبير أصبح معيلاً لنا وفقا للقوانين.
وقد ضاقت السبل بالوالد عام 1928 نتيجة ملاحقة وزارة عبد المحسن السعدون لصحفه ، وبعد تعطيلها إثر صدور العدد رقم 44 من جريدته ( الزمان) ، وحاول رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون رشوته بعشرة اشتراكات في الجريدة لكل قضاء من أقضية العراق مقابل
سكوته عن الوزارة والتوقف عن مهاجمتها ، لكنه رفض ، فضربته الحكومة بسلاح التعطيل ، ووضعت بهذا الإجراء نهاية لجريدته التي لم تعد الى الحياة ثانية.
وسافر غاضباً الى سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن ومصر بجواز سفر ما زال محفوظاً هو الآخر عندي، وينص على ان مهنته هي الصحافة ، ويحمل أختاماً للسلطات الفرنسية على الحدود مع سوريا ولبنان ، وأختاماً لحكومة فلسطين، وأختاماً وطوابع عراقية ومصرية .
وتوطدت علاقاته مع الأدباء العرب والسياسيين في تلك الأيام، وقد ذكرهم إبراهيم جميعاً في مفكرته لعام 1928 وما دار بينه وبينهم، والتقط معهم صوراً ما تزال بعضها محفوظاً عندي وهي تحمل إهداء أصحابها. ومنهم في سوريا ولبنان ، معروف الأرناؤؤط صاحب جريدة ( الفتى العربي) ، والأديب صهيب العطار، وفوزي الغزي ، وهاشم الأتاسي ، والشاعر فخري البارودي، والشاعر اللبناني أمين نخلة، ونجيب الرئيس صاحب جريدة ( القبس) ، ورشيد الملوحي محرر جريدة ( العرب) ، وفائز الخوري، وأدمون رباط ، وعبد اللطيف العسلي ، والأمير حسن الأطرش ، وقابل الأخطل الصغير بشارة الخوري في بيروت
أما في شرقي الأردن وفلسطين فقد التقى مع الأمير عبد الله عدة مرات، وسجل أراء الأمير في الإنكليز والصهيونية ، ومصطفى وهبي التل ، وعارف العارف ، والتقى في حيفا مع الشيخ كامل القصاب الذي أوصله في اليوم التالي الى محطة قطار حيفا ليسافر الى مصر عبر القنطرة على قناة السويس، وفي عودته الى القدس ، قابل حسام الدين الخطيب صاحب جريدة( جزيرة العرب) ، وزار الحرم الشريف .
وتوطـدت علاقاتـه في مصر مـع محمد علي الطاهـر صاحـب جـريدة ( الشورى)، ومع أحمد زكي باشا، وتوفيق دياب ،وخير الدين الزركلي، وسامي السراج، وأسعد داغر، ورشيد الخوجه ، وزار عزيز المصري في منزله في عين شمس وقضى عنده نهاراً كاملاً
، وحضر حفل حزب الوفد في ذكرى الجهاد الوطني ، وإستمع الى خطبة النحاس وقصيدة الشاعر عبد المحسن الكاظمي، وسجل في مفكرته انطباعاته عن المطربة أم كلثوم.
وكان الوالد مواظباً على حضور المجلس الأدبي في مقهى الشط ببغداد، مع جميل صدقي الزهاوي ، وعبد الحسين الازري، ورشيد الهاشمي ،ومحمد الهاشمي وإبراهيم حلمي العمر، وعبد الرحمن البنا، وصادق الاعرجي، وعبد الجبار صدقي، وعباس العبدلي، وروفائيل بطي ، ومحمد أحمد السيد ،وحسين الرحال، وعوني بكر صدقي، وصديق الخوجة ، وناجي القشطيني.
وأبلغني ناجي القشطيني ، في زياراتي له بمنزله في السفينة، جبهة النهر بالأعظمية ، انه والوالد كانا لا يفترقان ، وتلقيا العلم سوية عند العلامة نجم الدين الواعظ بجامع العادلية، وتردد عليه في مدرسة الفضل عندما أصبح القشطيني عام 1917 مديراً لها، وتناولا الغذاء في المدرسة عدة مرات بعد إنصراف الطلبة ، ثم يذهبان سوية الى المقهى ، وتردد القشطيني عليه عدة مرات في منزله بقهوة شكر عندما كان الوالد يتعرض للمرض أو الانزواء بعيداً عن الناس.
وإستعرض القشطيني لي في أيلول 1966 بعض الذكريات عن إبراهيم صالح شكر ومشاركته ومحمد الشماع في كتابة عريضة عام 1922 موجهة الى الملك فيصل الأول حول الاحتفال بمناسبة 9 شعبان ، ذكرى الثورة العربية ضد الأتراك، وتأييد فهمي المدرس في الديوان الملكي .
ومن الأحداث التي رافقته في عمله الإداري انه كان يرفض الهدايا ويحارب الرشوة ، حتى انه تدخل عندما كان قائمقاماً في قضاء خانقين لمنع مد شارع أمام منزل أحد وجهاء المدينة لان هذا الشخص حاول تقديم رشوة لكي يضمن مرور الشارع من أمام منزله .
وفي قضاء الهاشمية كان صديقه عارف قفطان متصرفاً للواء الحلة ، الذي تضايق من أوامر القائمقام إبراهيم صالح شكر بإعتقال أحد الشيوخ ، وطلب إطلاق سراحه ، لكن إبراهيم رفض ، وقال للمتصرف عارف قفطان انه مارس صلاحياته القضائية ،وليست الإدارية لإعتقال الشيخ بسبب ورود شكوى ضده . وكانت العادة آنذاك هي ان يجري تخويل القائمقام أو مدير الناحية صلاحيات حاكم جزاء في المنطقة التي يعمل بها بإرادة ملكية حسب توصية وزير العدلية.
وفي إضبارته الشخصية بوزارة الداخلية عدة طلبات لسلف مالية من مديرية أموال القاصرين لكي يواجه بها أعباء الحياة له ولعائلته، وفي إحداى المرات،في نيسان 1937 ، وهو الموظف بدرجة قائمقام في الدولة ،إشترك إسماعيل الغانم، الموظف في وزارة العدلية، وعبد الله علوان ، المستشار في مديرية الاوقاف العامة ، ثم بوزارة الداخلية ، في كفالته أمام اموال القاصرين لمنحه سلفة مالية ، وهما من أصدقائه . وقد إستقطعت الحكومة عندما فصلته من الوظيفة ، من مستحقاته المالية ، ما لمديرية أموال القارصين من ديون عليه، وكلاهما الغانم وعلوان من أنصار رئيس الوزراء ياسين الهاشمي.
وفي الفلوجة ، عندما كان إبراهيم صالح شكر قائمقاماً فيها ، وتعرضت المدينة في شتاء 1939 لخطر فيضان الفرات وبالتالي تهديد المعسكر الإنكليزي في سن الذبان ( الحبانية ) ، وجاءته أوامر وزارة الداخلية بفتح ثغرة على ضفة الفرات لكي لا تغرق سن الذبان ، لكن إبراهيم رأى في الثغرة ستكون تهديداً للعراقيين بالغرق ، فجمع الشيوخ والأهالي ، كلا في منطقته على النهر ، وأصدر أوامـره بعدم فتح أيـة ثغرة لتصريف المياه قائـلا لـهم ( يريدون إنقاذ الإنكليز ليغرقوا العرب) ، فسمع الملك غازي بالحادثة ،وقدرعمله بهدية هي بندقية صيد .
وكان الوالد في خانقين حينما إندلعت ثورة مايس 1941 ضد الإنكليز، وبحكم منصبه ، تمكن من تسهيل مرور قادة الثورة العسكريين والمدنيين بعد فشلها عبر الحدود العراقية – الإيرانية ، ورافق بعضهم حتى نقطة الحدود ، ولما عاد الى منزله وجد فيه عدداً من الشخصيات العربية التي شاركت في الثورة، ومنهم عادل أرسلان وأكرم زعيتر، فساعدهم على عبور الحدود الى إيران. وقد ذكر القائد صلاح الدين الصباغ ،دور إبراهيم صالح شكر هذا في مذكراته التي صدرت بدمشق في الخمسينيات من القرن العشرين بعنوان ( فرسان العروبة في العراق) .
وروى إسماعيل الغانم لي، في زياراتي له بمنزله في شارع عمر بن عبد العزيز بالاعظمية ، انه كان حاكماً في أحد أقضية لواء ديالى ، وإلتحق خلال الثورة بصديقه إبراهيم في خانقين ، ثم سافرا سوية الى بعقوبة، وأقاما عند صديقهما مدير البلدية أحمد عزة الأعظمي ، وكان الغانم شاهداً على جميع إتصالات إبراهيم الهاتفية مع صديقه يونس السبعاوي الذي أعلن نفسه حاكماً عاماً في بغداد بعد خروج قادة الثورة من العراق، وطلب السبعاوي من إبراهيم تولي مهام متصرف ديالى وإلقاء القبض على متصرفها حميد صرصر، لكن إبراهيم لم يستجب لدعوة السبعاوي.
ومن إتصال مع قائد القوة الجوية أكرم مشتاق ، فهم إبراهيم ان الأمور غير طبيعية في بغداد ، وإختار البقاء في العراق ورفض مغادرته وهو في مدينة تقع على الحدود مع إيران، حتى علم بإعلان الهدنة وان أرشد العمري، أمين العاصمة ورئيس لجنة الأمن الوطني المشكلة تواً قد أرسل قوة مسلحة لإعتقال السبعاوي وصديق شنشل، ونقلتهما مخفورين الى الحـدود .
يونس السبعاوي
ويؤكد إسماعيل الغانم ، وهو شاهد عيان ، على أن إبراهيم صـالح شكر خرج من خانقين الى ناحيـة قزلـرباط ( السعدية حالياً) التابعة لقضاء خانقين ليستقبل السبعاوي وصحبه ، وتحدث معه بعض الوقت ، وكلف موظفاً لديه بمرافقتهم الى الحدود . بينما يروي رفائيل بطي رواية أخرى يقول فيها إنه أثناء مرور السبعاوي وشنشل في خانقين بحراسة الشرطة ، منعوا من الاتصال مع القائمقام إبراهيم ، لكن السبعاوي ، عند وصوله الى المنذرية إتصل بإبراهيم هاتفياً ، وودعه ، وأوصاه بعائلته التي تركها ببغداد ، وأعاد على مسامعه المداعبة القديمة التي كان إبراهيم يقولها للسبعاوي، ومفادها ( كتب علي أن أراك وزيراً ، ثم أراك مشنوقاً(، وقال له (أغادر العراق ولم يكتب لك أن تراني مشنوقاً ).
على أية حال، قررت عائلتا يونس وصديق الالتحاق بهما في إيران، ولم تكونا ، ولا والدة يونس ، يحملون جوازات سفر ، فتم لهم ذلك في خانقين بمعرفة القائمقام إبراهيم صالح شكر.
وأرسل إبراهيم صالح شكر قائمقام خانقين أكثر من برقية تأييد لرئيس وزراء الثورة رشيد عالي الكيلاني حال سماعه بإندلاعها ، وكما يلي :
فخامة الزعيم الجليل الأستاذ رشيد عالي الكيلاني
في هذا الصباح أعود من جولة في الأودية والمخارم والجبال والحماسة الوطنية تضطرم في قرية تلو أخرى، وفي قبيلة أثر قبيلة، تدفعها روحانية باسلة تنشد النصر في زعامتكم . ومتى إجتمعت القوة المخلصة والحق المؤمن مشى جلال التاريخ في عمر الدنيا، يسجل أبلغ الصفحات، وعن الله كتاب محفوظ، هذه النهضة من سوره.
ان صرخة الوطن من وحي الرحمن، وهي مرحلة رائعة من عمر العراق ، وثمرة طيبة في فم الدنيا.
عاش الشعب، عاش الوطن، عاش الملك.
إبراهيم صالح شكر
8 نيسان 1941
رشيد عالي الكيلاني
فخامة الزعيم الجليل الأستاذ رشيد عالي الكيلاني
السحاب الأحمر إنما يتدفق في الأفق ليشرق على مجد مل الرقاد بين الأحلام والذكريات فهب الى الجهاد في حشد واسع الأمل ، واضح الرجاء ، يستمد النصر من نور الله ، ويأبى الله إلا ان يتم نوره.
وبين زغاريد البطولة ، وهتاف الشرف ، وتهاليل الكون يتولى الذادة والحماة أمانة الجهاد في كتائب حمراء تواكبها هالة من ضياء يوهج بالأيمان وتقوى الرحمن.
باسم الله والوطن ، حيا على الصلاح ، حيا على الفلاح ، حيا على خير العمل
إبراهيم صالح شكر
قائمقام خانقين
3 أيار 1941
الى جمعية الهلال الأحمر
في حفل تشرف عليه من الملأ الأعلى أرواح الأبرار من شهداء الجهاد وضحايا الوطن، وفي موقف للأيمان يزدهي به سجل المؤمنين جمعته الفطرة، وجاء به الإخلاص، وفي مظاهرة مطمئنة ، كل نفس فيها أمة باسلة العزمات، وكل فرد فيها شعب يرى في جهاده الإنكليز مجداً في الأرض وخلوداً في السماء.
بهذه الحماسة الحمراء إجتمع الغيارى في خانقين فتبرعوا بما في متناول الأيدي فبلغت التبرعات ألف دينار، يضاف إليها تبرع البلديات وإسالة الماء البالغة مائتي دينار أخرى.
أنه لحاضر عظيم لماض باهر ومستقبل تتطلع إلى أمجاده الأجيال القادمة.
وبهذه الحمية الجياشة تستمر قائمة التبرعات مفتوحة ، وفي البريد أرسلت أسماء المساهمين.
ان عقبى الأيمان بحق البلاد نصر يشع يالقوة والفلاح
قائمقام خانقين
18 أيار 1941
وعاقبته الحكومة بعد فشل الثورة بنقله الى قضاء قلعة صالح بلواء العمارة ( محافظة ميسان فيما بعد) في جنوب العراق ، وهو ما إعتبره الوالد نفياً له ، وإتصل عدة مرات بصديقه جميل المدفعي رئيس الوزراء لإيجاد مخرج له ، دون جدوى حتى قررت حكومة نوري السعيد الذي أصبح رئيساً للوزراء في 21 أيلول 1941 بعد استقالة المدفعي ،فصله من الوظيفة.
وكان وزير الداخلية صالح جبر قد كتب في 26 تشرين الأول 1941 كتاباً سرياً الى مجلس الوزراء برقم س – 506 يطلب فيه فصل من أيد الثورة من الموظفين الإداريين ، وحسب ما يلي:
1/ إبراهيم صالح شكر قائمقام قضاء قلعة صالح لمدة سنتين
2/ عبد الرزاق الفضلي قائمقام المحمودية لمدة سنتين
3/ جميل الوسواسي قائمقام بدرة لمدة سنتين
4/ نوري السيد سعيد قائمقام مندلي لمدة سنتين
5/ عبد الحميد الدبوني قائمقام العمادية لمدة سنتين
6/ حكمت الزهاوي قائمقام كويسنجق لمدة 6 أشهر
7/ حسن التكريتي قائمقام الرفاعي لمدة سنتين
وبعد يوم واحد فقط ، صدرت الإرادة الملكية برقم 669 وتاريخ 27 تشرين الأول 1941 وبتوقيع الوصي على العرش عبد الإله ، ورئيس الوزراء نوري السعيد ، ووزير الداخلية صالح جبر بفصل الموما إليهم وفقا لتوصية وزير الداخلية .
وتركه رئيس الوزراء نوري السعيد 16 شهراً بعد الفصل ، قضاها إبراهيم في المكتبات يقرأ كتب السيرة النبوية والتاريخ والتصوف والفتوحات الإسلامية والسير والتراجم، ويداوي أوجاعه الجسدية والنفسية ، ثم قرر إستخدامه في مكتبة الأوقاف العامة :
أمر إداري
العدد: 2037
التاريخ 23/2/1943
بناء على رغبة فخامة رئيس الوزراء في العناية بالمكتبات العامة وخاصة ما يعود منها للأوقاف ، يعين السيد إبراهيم صالح شكر مديراً لمكتبات الأوقاف العامة بإعتباره مستخدماً براتب مقداره ثلاثون ديناراً في الشهر ليقوم بما تحتاج إليه هذه المكتبات من تنظيم وعناية .
التوقيع/ مدير الأوقاف العام
وهكذا فقد كان تدخل نوري السعيد سبيلاً للتخفيف عن الوالد الذي بدأ في هذه الفترة يعاني بشدة من أمراضه المتعددة، وأخذت صحته بالتدهور ، فقد أصيب بالملاريا وكان يعاني من الروماتزم في الكتف الأيسر، ، والقرحة في جدار المعي ، ثم دخل مرض السكر الى قائمة أمراضه العديدة، وسكن في دار مستأجرة في رخيتة بالكرادة الشرقية ،( وفي هذه الدار ولدت أنا أصغر أبناء إبراهيم صالح شكر)، وأبقت الشرطة الدار تحت المراقبة ، وقيل لي من قبل أحد أصدقائه بأن الوالد إعترض في إحدى المرات الشرطي السري الذي يراقبه ، وأعطاه ورقة ، قائلاً : يا إبني لا تتعب نفسك، هذه هي حركاتي فإكتبها لمن أرسلك!
لكن مسلسل إعدام رجال الثورة، وعلى الخصوص إعدام صديقه المقرب يونس السبعاوي زاد من مشاكله الصحية ، وقالت لي إحدى سيدات العائلة ، أنه إستضاف في منزله والدة السبعاوي ليلة إعدامه، وشاركها الحزن، وبأنه كان حزيناً جداً لما سبق أن قاله للسبعاوى حول توزيره وشنقه ، وأثرت في حالته الصحية والنفسية ، فأصيب بذات الرئة ثم السل الحاد، فنقل ، بمعرفة محمود صبحي الدفتري الى مستشفى العلمين بالكرادة الشرقية، وتولى علاجه
الطبيب ، الدكتور ألبير إلياس ، وتوفي فيها في الساعة السابعة والربع من صباح يوم 15 أيار 1944.
محمود صبحي الدفتري
وحدثني محمود صبحي الدفتري في منزله بالشواكة ببغداد، حالياً شارع حيفا، أنه كان وزيراً للخارجية ، وإتصلت به إدارة المستشفى ، على غير العادة ، لتبلغه برغبة إبراهيم صالح شكر حضوره الى المستشفى، بالرغم من أنه كان يزوره يومياً ، وإكتشف عند وصوله ان الوالد
قد أوصى بمغادره ابنه، رياض ، للمستشفى الى البيت، لكي لا يموت أمام إبنه ، وأبلغ الأطباء ، الدفتري ، بأن إبراهيم يحتضر ، وحضر الى المستشفى أيضاً رفائيل بطي والمحامي فائق توفيق ، وكان الثلاثة موجودون ساعة وفاة إبراهيم صالح شكر.
وكانت ( البلاد) قد قالت يوم الجمعة 5 أيار 1944 بأن صحة ( حضرة الأديب الأستاذ إبراهيم صالح شكر في إنحرفت في الأيام الأخير ، وبعد معالجة بضعة أيام قرر الأطباء نقله إلى مستشفى العلمين حيث يكون التطبيب والمعالجة أيسر ، فنقل أمس ، فنسال للكاتب المبدع شفاء عاجلاً) .
وفي يوم17 أيار قالت أيضاً ( أحتفل ضحى أمس إحتفالاً كبيراً بتشييع جثمان فقيد البيان الرفيع والفكرة الوطنية الحرة الأستاذ إبراهيم صالح شكر. وقد خف جمهور من علية القوم وأصدقاء الفقيد إلى داره في رخيتة ، ومن هناك بدأ التشييع فوضعت الجنازة على سارة مكشوفة وبجانبها رسم الكاتب النابغ).
وشيع يوم 16 ايار 1944 وكان نعشه ملفوفاً بالعلم العراقي ،وتقدمت موكب التشيع صورة كبيرة له ،وهي الصورة الموجودة عندي حتى اليوم.
وشارك في التشيع جميل المدفعي، ومحمود صبحي الدفتري ، والوزراء ، وممثل عن نوري السعيد ، ورئيس مجلس النواب الشيخ محمد رضا الشبيبي ، ورئيس مجلس الأعيان محمد الصدر ، وجمع غفير من الوزراء ورجال السياسة والدولة والصحافة والأدب، ورفائيل بطي وجميع أصدقائه ، ودفن في مقبرة الغزالي بوسط بغداد، بعد أداء الصلاة على جثمانه في مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني.
وبعد حين توفي إبنه البكر ، رياض عام 1946 في لبنان نتيجة إنتقال وباء السل إليه بالعدوى بعد ان كان ملازماً لوالده في المستشفى ، ونقل الى مصح بحنس اللبناني للعلاج دون جدوى، ودفن في بحنس بأشراف قنصل العراق العام عبد الجليل الراوي ، والشاعر اللبناني أمين نخلة ، وهما من أصدقاء الوالد المقربين .
وبكى الشاعر أمين نخلة على الهاتف عندما إتصلت أنا به عام 1970 ليدلني على قبر رياض في لبنان، وتكررت إتصالاتي ومراسلاتي معه في إطار جمعي لتراث والدي.
وبعد عشرة أيام من وفاة إبراهيم صالح شكر ، قالت جريدة (البلاد ) في 26 أيار 1944 بأنه قد تم تشكيل لجنة في بغداد لإقامة حفل تأبين له ضمت : نجيب الراوي نائب الدليم ونقيب المحامين ، والمحامي إبراهيم الواعظ سكرتير نادي الاتحاد العربي، والشيخ الشاعر باقر الشبيبي، والمحامي عبد الوهاب محمود نائب البصرة، والمحامي جميل عبد الوهاب نائب ديالى ، والمحامي عبد الرزاق الشيخلي، والصحفي رفائيل بطي.
وإجتمعت هذه اللجنة ، وإتفقت على إقامة حفل التأبين في أواخر شهر أيلول 1944 ، وإصدار كتاب بما نشره وتخصيص ريعه لأسرة الفقيد ، وإقامة ضريح له فوق قبره بمقبرة الغزالي. لكن هذه القرارات لم تشهد التنفيذ ، فلم يقم حفل التأبين ، ولم يصدر الكتاب ، ولم يقم الضريح ، وما يزال قبر إبراهيم صالح شكر قبراً عادياً حتى يومنا هذا.
وقبل وفاته ، وتحديداً في 6 نيسان 1944 أملى على ابنه رياض ، من على سرير المرض في المستشفى، نص رسالة موجهة الى صديقه عبد الجليل الراوي، قنصل العراق في بيروت ،هي آخر ما في تراثه الأدبي، وأصلها محفوظ لديّ، ونشرها الشاعر أمين نخلة في كتاب الملوك
للأطلاع على الجزء الأول يرجى النقر على الرابط أدناه:
http://www.algardenia.com/maqalat/4396-69.html
880 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع