حيدر زكي عبدالكريم
فن التمثيل وشركات الفن والثيوقراطية
لم يختلف المنظرون في تفسير معنى التمثيل باعتباره من المحاكاة منذ اقدم العصور وحتى اليوم وان اختلفوا في كيفية التطبيق واسلوب التعبير ووسائله وكذلك اختلفوا في مقدار اهمية الموهبة في تكوين الممثل واهمية التدريب .
يُشير المنجد الى ان (فلانا قد مثل الشيء لفلان تمثيلا ) أي ( صوره له بالكتابة ونموها حتى كأنه ينظر اليه ) ويذكر ايضا مصطلح ( ماثله مماثلة ) أي (شابهه) و( ماثله بفلان) أي ( شبهه به) ويذكر ايضا (تماثل الشيئان) أي (تشابها) . وكذلك (الممثل) أي (الشبه) او (النظير) او (المماثل) و (المثيل) أي (الشبيه) و (النظير) . وفي مكان اخر من المنجد جاء مصطلح (حاكي محاكاة) أي (شابه) .
يُعرف (ارسطو) لفن التمثيل بتعريفه للتراجيديا عندما ذكر انها " محاكاة لفعل انساني .. الخ " ويعرفه (سيرجون تمليغود) بأنه "تقليد للحياة وهو قابل للتغيير من عصر الى عصر ومن جيل الى جيل اخر" . ويذكر (توني روزو مارتن بنسون) في معرض حديثهما عن الممثلة (نورا هيرد) . " ان المتفرجين لم يمتلكوا انفسهم من العجب وصاحوا ما هذا انها تشبه بالضبط مدام ..." . ويذكر (زكي طليمات – الممثل المسرحي المصري الشهير ) : " أنّ الممثل يرسم صورة على اديم نفسه ليعكسها على نفوس المشاهدين ، فأذا هم يطالعونها ويطالعون من خلالها انفسهم " .
ومن هذه المصطلحات نفهم ان فن التمثيل فن ينصّبُ على المشابهة او المحاكاة . أي قيام شخص بتقديم المثيل لشخص اخر او هو من محاكاة شخص لشخص اخر .
وفي التطبيق اتجه بعض الفنانين خلال العصور الماضية الى اسلوب محاكاة المظهر الخارجي للشخصية التي يمثلونها . ثم جاء بعد ذلك اخرون ونادوا بضرورة محاكاة الفعل الداخلي بتحريكه والايمان به . وتوفير عنصر الاقناع بالفعل الذي يؤدونه لكي يقنعوا المشاهدين . وراح اخرون ينادون بضرورة لجوء الممثل الى التعبير بجسمه اكثر مما بصوته ، ونادى اخرون بضرورة مواجهة الممثل لنفسه وكشفها امام نفسه وامام المشاهدين في اثناء التدريب وخلال العرض . وتوصل اخرون الى ضرورة ابتعاد الممثل عن التقمص حتى لا يحدث أي تعاطف بين الشخصية وبين المشاهد واللجوء الى الرواية عن الشخصية .مقتبس من ( مجلة البحوث – يصدرها المركز العربي لبحوث المستمعين والمشاهدين في اتحاد اذاعات الدول العربية ، العدد 25، نيسان 1989 ، بغداد ، ص 59 وما بعدها ) .
وفي هذا الصدد تميز الفن العراقي بمختلف اشكاله السينمائية والمسرحية والموسيقية والتشكيلية بأروع صوره خلال القرن الماضي وان تعرض لجمود فترة محددة ، كما ظهرت شركات للإنتاج السينمائي كمسوّق للفن والثقافة العراقية ومنها شركة بابل للإنتاج السينمائي والتلفزيوني وشركة الحضّر للإنتاج الفني ومن اشهر الاعمال الفنية على سبيل الحصر، افلام استعراضية مثل فيلم (حمد وحمود) انتاج 1984 مونتاج صاحب حداد واخراج ابراهيم جلال، بطولة الفنان العراقي الكبير (حسين نعمه) والفنانة شذى سالم, والفنان الكبير احمد نعمة بالإضافة الى الملحن الرائع محمد جواد اموري الذي قام بتلحين اغاني الفيلم وقدم منها بصوته مثل يا "دفان" . والفيلم الاستعراضي الكبير (بابل حبيبتي) وهو انتاج مشترك بين القاهرة وبغداد من اخراج الاستاذ فيصل الياسري وتمثيل نخبة من الفنانين العراقيين والمصريين، وفيلم (بديعة) من تأليف معاذ يوسف واخراج عبدالهادي مبارك وتمثيل فوزية عارف وطعمة التميمي وسناء عبدالرحمن وقاسم الملاك وراسم الجميلي وجاسم شرف. وكذلك الفيلم التلفزيوني (التحدي) سيناريو واخراج جمال عبد جاسم وتمثيل عواطف ابراهيم ووجيه عبدالغني وفوزية الشندي ومحمود ابو العباس. وفيلم (العربة والحصان) سيناريو وحوار ثامر مهدي واخراج محمد منير فنري وتمثيل سليم البصري وحمودي الحارثي وجلال كامل واخرين.. وبدعم من مديرية التوجيه السياسي لوزارة الدفاع العراقية (سابقا) وبالتعاون مع دائرة الاذاعة والتلفزيون ، تم انتاج الافلام الحربية والتي جسدت واقع الحرب العراقية الايرانية وبالرغم من انها تمثل وجهة نظر الجانب العراقي لكنها ابرزت حقيقة جدّارة الممثل العراقي الذي يعمل مثل هكذا افلام في ظّلّ ظروف مُعقدة وتحتاج الى تحمل شاق ولياقة بدنية تقتضي هكذا نوع من الافلام .
ومن الجدير بالذكر ان شركة بابل للإنتاج السينمائي والتلفزيوني التي تأسست اواخر السبعينيات من القرن الماضي والتي صدر قانون تشكيلها بالرقم (34) لسنة 1980 لقد تم تصفية اعمالها في العام 2014، وعلى الجانب الاخر يرافقها الاستعانة بالتقنيات الاجنبية للعمل السينمائي والتلفزيوني - هو امر لا بأس فيه من حيث المبدأ ، لكن تصفية شركة متخصصة تنشر الفن والثقافة العراقية لماذا ! ولمصلحة من ؟ الجواب يُترّك للقارئ!
وعلى صعيد اخر (الدراما) وما تنتجهُ المؤسسات والافراد من برامج مؤخراً قد تختلف بضوابطها المهنية نسبياً وما تُقدمه للمتلقي او المشاهد عموماً وفق بيئة زمكانية مُعينة وما يُنجز منها حاضراً فهو انعكاس للواقع السائد لفترة ما وقد لا يؤدي المهمات المطلوبة ويتعارض مع الذوق العام لسبب من هنا وهناك ، لكن الاعتراض المطلق وفق النظرة ذات السمات (الثيوقراطية) مُنطلقة من اخطاء او هفوات ممكن ان تحدث في هذا العمل او ذاك ، لا يعني ان تفرض أيدولوجيتها على مجتمع بأكمله متنوع مثل المجتمع العراقي ولنا وقفة مع المثال الاتي ، ونقلاً عن ( مجلة الثقافة – مجلة الفكر العلمي التقدمي ، العدد السابع ، السنة الخامسة ، تموز 1975 ، ص183: مسرحية " الجرّة المُحطّمة " والتي قُدمت على مسرح اكاديمية الفنون الجميلة في سبعينات القرن الماضي من تأليف الالماني هايريش فون كلايست ، ترجمة : د. مصطفى ماهر ، اخراج : بدري حسون فريد "رحمه الله" ، تقول – ان القضاء في هذه المسرحية هو المتهم والنص يُعريّ زيف هذا القضاء الذي تنكر للعدالة في البداية .. فالجرة مكسورة ، وهي عزيزة لدى صاحبها ، ويتهم شاب بحب ابنة صاحب الجرة بكسرها .. لكننا نكتشف بان القاضي قد استغل منصبه واوقع الفتاة في شرك المساعدة لإنقاذ حبيبها من المشاركة في الحرب بتحصيل موافقة بإعفائه .. ولقاء ذلك يزورها ويسقط الجرة وينسى باروكته هناك .. الفتاة تعريه .. ولم يكن الشيطان هو الذي كسرها كما يثار ، فخطى القاضي وشكله ووقع قدميه تصلان بالنتيجة الى حقيقة كونه كاسر الجرة ، وهو اذ يعرف حقيقة ذاته يتنكر ويدعي بانه سوف يرى الاصدقاء الذين سيساعدونه ، لكن المستشار القضائي يأمر باعتقاله ومحاكمته .. فيفرح اهالي القرية باكتشاف الجاني ويفرحهم ان يناضلوا جميعا ضد غزاة بلادهم ) انتهى الاقتباس . والامثال تُضرب ولا تُقاس .
ويَحقُ لنا ان نسأل اين هي العدالة مُنذ الاحتلال الامريكي العام 2003 لوطننا وعلى مختلف المجالات الانسانية والاقتصادية والسياسية وما حدث في انتفاضة تشرين 2019 (انتفاضة الطلبة والشباب) ما هي الا نتيجة لسبب – الشوفينية (المغالاة) التي تحكم باسم الدين ( والدين بَرَاء منها ) بمسمياتها المختلفة (حزب او تيار او كتلة الخ ...) والتي ثارت ثائرتها على الاعمال الدرامية ؟
واخيرا - تحية لكل الفنانين العراقيين المُخلصين ورحم الله من رحل منهم ..
حيدر زكي عبدالكريم
كاتب من العراق
1121 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع