تحت المهجر -"حان الوقت لفتح ملف غزة "

 موفق الخطاب

"حان الوقت لفتح ملف غزة "

ربما سأتلقى سيلًا من الانتقاد والتجريح بسبب هذا المقال الصريح، لكني هنا أخاطب العقول النيرة وأبحث عن الحقيقة دون تخوين.
ولي في قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله حجة عندما قال جملته الشهيرة وهو يشير بيده إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كلٌّ يُؤخذ من قوله ويُردّ، إلا صاحب هذا القبر".

كما أطلب منكم الصبر قليلاً حتى تكملوا قراءة المقال رغم طوله لأهميته القصوى.

غزة أمرها جلل، تحار فيه العقول!

من الإنصاف أولاً أن نقف إجلالًا وإكرامًا لشهدائها ونحيي الأبطال المرابطين في غزة وجميع الثغور في فلسطين المحتلة، وقلوبنا معهم وألسنتنا تلهث بالدعاء لهم بالتثبيت والنصر المبين.

لكن دعونا نتناول ملف غزة بعيدًا عن التشنج والعاطفة ولغة التخوين، والتي ربما بسببها نعاني من توالي النكبات والتشرذم والضياع.

* لم يعد هنالك ضمير حي يتحمل ما يجري في غزة من تدمير وقتل ممنهج، فقد وصل حجم الدمار والكوارث فيها إلى مستويات خطيرة، وكذلك ما حل بأهلها من المجاعة جراء الحصار الظالم، وستتحول أرض غزة قريبًا إن لم يتحرك المجتمع الدولي إلى أكبر مقبرة جماعية يشهدها التاريخ وأبشع كارثة إنسانية في العصر الحديث، بإرتكاب الصهاينة المجازر والإبادة الجماعية والحصار المطبق، ويتحمل وزرها المجتمع الدولي. وهي جرائم حرب ينفذها المجرم نتنياهو ومن يسانده ويتحالف معه ومن يقف متفرجًا مكتوف الأيدي، مع فقدان الأمل في إنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة بعد أن أنهكهم الحصار والجوع ليغدوا هياكل عظمية وأشباح بشر، وسط صمت عالمي رهيب على المستوى الرسمي والشعبي، خاصة في عالمنا العربي والإسلامي.

* وبالعودة إلى جذور المشكلة، فمن حقنا أن نتساءل وليس من باب الانتقاص من مكانة حركة حماس ولا تضحياتهم، حتى لا يتصيد المتشددون في الماء العكر ويكيلوا لنا التهم جزافًا:

- ما الذي جناه قادة حماس طوال سنتين عجاف من صراع غير متكافئ مع عدو لا يأبه لأحد ولا ينصاع لكل المقررات الأممية ولا يعرف للرحمة والإنسانية سبيلاً؟
- أولم يتفكروا في عواقب الأمور قبل انطلاق شرارة طوفان الأقصى في حرب غير متكافئة ضد هذا العدو المغتصب ومن خلفه العديد من الدول الساندة بالمال والسلاح والآلة الإعلامية، تتقدمهم أمريكا وترسانتها المفتوحة، وهم لوحدهم في ساحة القتال ويعلمون علم اليقين أن الأنظمة العربية والإسلامية لن تناصرهم لأنها مكبلة القرار وشعوبها مسلوبة الإرادة، ولا يسمح لهم إلا بعقد مهرجانات الخطابة على استحياء، والتجمعات والتنديد بعد صلاة الجمعة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع؟

بالله عليكم، نبئوني أين هو النصر وماذا حققتم منه؟
فإذا كان قتل عدة جنود صهاينة ومستوطنين وأسر العشرات منهم مقابل حجم الدمار الذي لحق بغزة وعشرات آلاف الشهداء وضعفيهم من الجرحى وتصفية أغلب قيادات حماس هو نصر مبين، فتلك مقارنة لا تصلح أبدًا للمقارنة و التصريح.

فهل حررتم شبراً من الأرض، أم هل أعدتم للأقصى هيبته، أم هل تمكنتم من تحرير أسراكم من سجون الاحتلال، أم هل حافظتم على جمال مدينتكم وصنتم دماء ملايين الأبرياء؟

* دعوني سادتي أزودكم ببعض الإحصائيات عما حل في غزة من دمار وقتل وتشريد جراء ذلك الطوفان الذي اجتاح غزة ولم يمر بتل أبيب:

- 80% من مباني غزة أصبحت حطامًا، ولم يبق فيها لا مستشفى ولا جامعة ولا مدرسة ولا جامع يرفع فيه الأذان ولا كنيسة تدق فيها الأجراس، ولا محطة كهرباء ولا إمدادات ماء، ولم يسلم من الهلاك حتى البهائم والشجر والحجر.
- أما الضحايا العزل من المستضعفين من الأطفال والنساء، فذلك أمر يشيب له الولدان، فقد ارتقوا إلى بارئهم ومنهم ما زال تحت الأنقاض، وقد تجاوزت أعدادهم 60 ألف شهيد و140 ألف جريح، وآلاف المفقودين.
وتم هدم أكثر من 290 ألف منزل فضلًا عن عشرات الأبراج السكنية وتشريد أكثر من مليوني نازح، وهم محاصرون دون مأوى!

ومن حقنا، كما غيرنا، أن نسأل قادة حماس:
كيف تسنى لكم تأمين السلاح الخفيف والمتوسط والصواريخ والذخيرة والمسيرات؟
ومن هو الداعم والممول الرئيسي لكم؟
وكيف عبرت إليكم من حدود الدول المجاورة والمعابر وهي معروفة، وبالأخص جنوب لبنان، طوال هذه السنين؟ وكما هو معلوم، فإن أرض غزة وسماءها، بل كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، هي تحت الرقابة المشددة من الأقمار الصناعية الإسرائيلية وحتى الأمريكية، وكل المجسات تعمل على الأرض ليل نهار؟

ونفس تلك المجاميع والدول ومحور المقاومة الذين صدعوا رؤوسنا بجعجعتهم تواروا عن الأنظار عاجزين اليوم عن أن يوصلوا لشعبكم المساعدات الطبية والغذاء والدواء وحليب الأطفال لإنقاذ من تبقى من النساء والأطفال وكبار السن امام التشدد الصهيوني، وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة ويشارفون على الموت المحقق!!

علما أن ذلك كان أيسر بكثير من تهريب الأسلحة الضخمة والعتاد الذي يفوق تجهيز جيش نظامي؟
أليس ذلك أمرًا يدعو للحيرة والتفكر؟
إنه لأمر غامض حقًا!

* فإما أن يكون هذا الكم الهائل من السلاح كان يعبر بعلم الكيان الصهيوني وهو يغمض عينيه ليكون حجة عليكم لإبادة غزة وأهلها لاحقًا،
أو أن قادتكم ومن يدعمكم كانوا أذكى من إسرائيل وكبريات دول العالم وتقنياتهم ليخترقوا كل هذه التحصينات والحلقات المعقدة؟

فإذا كان جوابكم أنكم قد أعددتم طوال عقود أنفاقًا سرية معقدة وما زال الصهاينة لم يصلوا إليها!
إذن فلماذا لم تضعوا في الحسبان حدوث هذا المأزق والمجاعة وتتدبروا أمر رعيتكم وتخزنوا لهم الغذاء والدواء مثلما كدستم آلاف الأطنان من الذخائر والعتاد؟

و لماذا أحجم عنكم الداعمون بعد أن ورطوكم في صراع غير متكافئ، واليوم قد أشاحوا عنكم بوجوههم وتركوكم لتواجهوا مصيرًا مجهولًا ولم يطلقوا طلقة واحدة لمؤازرتكم طيلة فترة الصراع؟
ولا تجيبوني عن الصواريخ الإيرانية التي دكت تل ابيب في حرب 12 يوم فهي ليست موجهة لمناصرتكم بل لردة فعلهم على اغتيال قادتهم.

* ثم ما ذنب الملايين من المدنيين العزل في خوض غمار صراع غير متكافئ؟

فمن لم يستشهد بنيران الصهاينة، فسترتفع روحه الطاهرة خلال أيام إن لم يفك عنهم مجرم العصر نتنياهو الحصار عطشًا وجوعًا وكمدًا وقهرًا.

نحن لا نثبط أبدًا من همتكم وهمة المرابطين. نصركم الله وخذل الصهاينة المعتدين.
لكننا نريد أن نفهم ما حدث وما يجري على الأرض.

إن أكثر ما يقلقنا ونخشاه، حالنا كحال ملايين المتعاطفين مع أهلنا في غزة، أن يكون كل هذا الدمار والخراب والموت الذي لحق بها، ومعذرة وبعيدًا عن لغة المؤامرات، هو توريط ولعبة خبيثة تقف وراءها إيران الشر لتدمير غزة وما حولها لسحق حركتكم في آخر المطاف، وإخراجها من المعادلة وإنهاء كل أشكال المقاومة الشرعية الشريفة.
وقد أكلتم الطعم بعد فوات الأوان، ولتمكين الصهاينة من قتل أكبر عدد ممكن من المجاهدين دون أن تخسر هي جندياً ولا سنتًا واحدًا من ميزانيتها، لطالما أن نفط العراق وخيراته تصب في خزينتها، وبذلك يكون النظام الإيراني قد قدم أكبر خدمة للصهاينة نكاية بالعرب والعالم الإسلامي، مقابل أن يفسح لها المجال بالتمدد وتطوير برنامجها النووي قبل أن تنقلب المعادلة ويخرق الاتفاق.

ولا نستبعد أبدًا أنها هي من تقف خلف تصفية قياداتكم، وهي من سهّلت تصفية إسماعيل هنية في عقر دارها، وحددت مكان السنوار رحمهم الله وباقي القادة بعد أن ورطوهم ليتخلصوا منهم.

ولن تنتهي مهمة ايران إلا بعد أن يصطف العرب طابورًا يتسارعون إلى التطبيع مع الكيان، إحتماءً منها ومن شرّها، وما صراعهم الأخير مع الصهاينة إلا للمحافظة على مصالحها وتقاسم النفوذ، وكانت تشاغلها بحماس والحوثي وفصائل العراق، وهي منكبة على برنامجها النووي, ومن يدري
ما سيحدث للعرب في قابل الأيام بعد أن حشروا كرهًا بين المطرقة والسندان؟

التمس منكم الحلم وسعة الصدر وتقبل الرأي والرأي الآخر، وننتظر من يجيبنا على حيرتنا..

ونسأل الله لكم وللمرابطين الثبات والنصر المبين وللشهداء الرحمة وأن ينالوا نزلهم في عليين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

650 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع