نصرت مردان
في كتب التاريخ من الممكن أن نعثر على صفحات تقودنا إلى خيوط التآمر التي قاد وطننا إلى المآسي التي نعاني منها حتى الآن، واليكم واحدة من تلك الوقائع: استقبل السلطان العثماني السفير البريطاني بناء على طلب هذا الأخير.
الطلب الذي يطلبه السفير من السلطان بريء في ظاهره، ولا ينطوي على أية نية سيئة. فهو لا يطلب إلا موافقة السلطان عبدالحميد، على إجراء تنقيبات بمنطقة الموصل للكشف عن الآثار فخارية واللقى ذات القيمة التاريخية، لا لشيء إلا لخدمة تاريخ المنطقة، وأن علماء التنقيب سيتركون كل ما يجدونه للدولة العثمانية.
يوافق السلطان العثماني على هذا الطلب لأنه كان يتطلع إلى تطوير علاقاته مع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. ويورد في يومياته السطور التالية:
"تظاهرت بأنني أصدق مزاعم السفير البريطاني، وكانت ثمة معلومات قد وصلت لي حول العثور على النفط في رومانيا. لذلك كلفت الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) بمراقبة التنقيبات في ولاية الموصل.
طال أمد التنقيبات وبدأت تردني معلومات عن قيام المنقبين بحفر آبار كثيرة حول الموصل.
في يوم حضر إلي السفير البريطاني لمقابلتي لأمر عاجل وهام. كان يحمل معه سيفا ذهبيا مكسورا من الذهب الخاص، قدمه هدية لي مدعيا انه قد تم العثور على السيف أثناء التنقيبات في الموصل." ويكشف السلطان العثماني عبدالحميد الثاني في رواية هذه الحادثة المثيرة في مذكراته، مشيرا إلى قيامه بعرض السيف الذهبي المكسور على الصاغة، حيث أكدوا له جميعهم، أن السيف ليس أثرا تاريخيا قديما، بل تم تصنيعه بمهارة وحذاقة بشكل يبدو وكأنه أثري وقديم. ويواصل السلطان العثماني حديثه في مذكراته:
"فهمت أن مزاعم الإنكليز حول البحث عن الآثار الفخارية التاريخية، ليست حقيقية، وان هدفهم الحقيقي هو النفط. فقمت بالسيطرة على كل الآبار التي قاموا بحفرها على طول طريق الموصل وبغداد"
بعد الإنكليز تتقدم ألمانيا بطلب للسلطان العثماني حول إجراء تنقيبات عن الآثار التاريخية في الموصل. يوافق السلطان على طلب ألمانيا بسبب علاقاته الوثيقة مع الإمبراطور الألماني. وبهدف معرفة السبب الحقيقي للطلب الألماني يبعث بياوره الخاص (صلاح الدين أفندي) إلى الموصل للإطلاع عن كثب على عمليات التنقيب. يقول السلطان عبدالحميد في مذكراته:
"لو ان الإمبراطور الألماني، أفصح عن نيته الحقيقية من التنقيبات في الموصل لوافقت أيضا. وكنت سأعرض عليه تقاسم النفط المكتشف معهم. ان إرسال جواسيس إلى المنطقة بحجة التنقيب عن الآثار التاريخية، يكشف عن حقيقة نظرتهم للعثمانيين. لم أمانع رغم معرفتي بحقيقة النوايا الألمانية. فقد كنت أخطط ان نمنحهم اللقى الفخارية، ونأخذ نحن النفط المستخرج."
وبهدف الحصول على التقنية الخاصة باكتشاف النفط، يقوم عبدالحميد بإرسال مرافقه الخاص (صلاح الدين أفندي) إلى أمريكا ليعرض عليهم مشروع التنقيب عن النفط إلا أن أمريكا، لم تهتم بعرض السلطان العثماني لأنها كانت تملك آنذاك فائضا هائلا من النفط أكثر من حاجاتها الاستهلاكية.
أمام هذا التطور يقدم السلطان العثماني على تسجيل الآبار النفطية التي اكتشفها الإنكليز والألمان باسمه، كملكية خاصة. في انتظار الفرصة المناسبة لاستخراج النفط، وإبعاد المنطقة من مطامع الدول الأجنبية.
عند قيام حزب الاتحاد والترقي بانقلابه ضد السلطان عبدالحميد، يرغمه الانقلابيون على التنازل عن ملكية آبار النفط تلك، وتنازله عنها لصالح وزارة المالية. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، يقرر الحلفاء ان كل ممتلكاتها، أصبحت عائدة للدول الجديدة، التي تشكلت في المنطقة.
أجل ان معظم المصائب التي حلت ولا تزال بوطننا الحبيب كانت من أجل لعنة النفط. ترى لو تحقق دعاء ذلك الرجل الأمي، الذي سمعته بأذني وهو يطلب من رب العالمين، أن يجفف في ليلة واحدة، كافة آبار النفط في الموصل وكركوك. لو تحقق الدعاء الحار لهذا العراقي المحب لوطنه فعلا، والذي لا يهدف إلا أن يعيش بأمان وسلام في أرضه مثل سائر
1566 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع