د.طلعت الخضيري
كشكول الذكريات / ح٥
نوري السعيد عن قرب
رجل كان الحاكم الفعلي للعراق خلال أربعون سنه ،أتهمه البعض أنه عميل بريطانيا وووصفه الآخرون برجل الدوله النزيه ألذي عرف قدر نفسه وحقيقه وضع بلاده ، وقوه الدول الكبرى ، وأطماع بلدان مختلفه ليست بعيده عن بلده ، أما أنا فأوصل للقارىء إنطباعي الشخصي عنه عندما شائت الظروف أن أكون على أبعاد قليله منه ، فهناك حادثان طبعا في ذاكرتي عن ذلك الرجل..
ألأول
كان في بدايه الأربعينيات من القرن الماضي ،عندما زار الرجل البصره وكان في شهر رمضان حسب ما أذكره ، واتصل هاتفيا بوالدي وأخبره أنه يود زيارته بعد الإفطار ، وكنا نسكن في قصر يطل على شط العرب في قريه البراضعيه محاطا ببستان ،وانتظر الوالد بصحبه عمي وصول الضيف مساء ، وكان الوالد في ظروف الحرب العالميه يتتبع أخبارها من إذاعه برلين العربيه ،وحان موعد نشره الأخبار فطلب منا الوالد ألإستماع إلى تلك الإذاعه وبما أن الإستماع إليها كان يمنع رسميا ويعاقب من يستمع إليها ، فقد طلب من أخي أن ينتظر قدوم الضيف في موقف السيارات وإنذارنا عند وصوله لنغلق الراديو ، أما أنا فبقيت خارج الغرفه أقف خلف شباكها لأرى عن قرب رئيس وزراء العراق ، والمفاجئه هو بينما كان المذيع يونس بحري تذاع نشره الأخبارمن إذاعه برلين وأحيانا يكيل الشتائم يصف بها حكام العراق، وإذا بنا نجد نوري السعيد داخلا وسط الغرفه نتيجه لغفله أخي في الحراسه ، بينما كان المذيع يونس بحري يلقي عباراته المعروفه من شتائم واستهزاء بحكام العراق وقال السياسي( أراكم تستمعون إلى راديو برلين) ، فولول عمي بالقول أنه كان عمل الأطفال ولم ينتبه وأبي لذلك، فضحك السياسي المخضرم و قال ( لاتديرون بال ، آني هم أسمع راديو برلين لأن الإنسان العاقل عليه أن يستمع إلى الإذاعات المختلفه ليستنتج الحقيقه ونحن قمنا بمنعها ونقصد بذلك أن لا يستمع إليها أصحاب العقول التي لا تميز الأمور) وانتهى الموضوع عند ذلك الحد ، وكانت زيارته للوالد تقديرا لصديقه في بغداد الحاج ياسين الخضيري ألذي كانت تجمعه معرفه وصداقه لأكثر الساسه وبالأخص ألسياسي ياسين الهاشمي حسب ما قرأته في مذكرات أخيه طه الهاشمي.
أما المناسبه الثانيه التي شاهدت بها نوري السعيد عن قرب فكان في بدايه الخمسينيات كنت أقيم مع عائلتي وطفلي البالغ سنتان من العمر في فندق شط العرب ألتابع لمطار البصره ، وكان الفصل ربيعا ، فنزلنا من الغرفه متوجهين إلى حديقه الفندق فرأيت في بهو الفندق بعض الوزراء وجلسنا على إحدى الأرائك الهزازه في الحديقه وتركنا الطفل يلعب بالقرب منا ، عندما لاحظت نوري السعيد جالسا أيضا على أريكه هزازه وامامه طاوله عليها بعض المجلات التي كان يتصفحها وخلفه يقف حارسه ، وكان يلتفت إلينا مبتسما من حين لآخر ، وبعد فتره وبعد أن أنهى تصفح المجلات ترك الحديقه لينظم إلى مجموعه الوزراء حسب ظني ، واليوم أسائل نفسي ماذا كان سيحصل لو أن ذلك قد حدث اليوم وتجرأ أحدهم على فعل فعلتي ؟
أدع ذلك إلى مخيله القارىء اللبيب ،وقد قرأت في كتاب لآخرسفيرأمريكي في العراق في العهد الملكيما يلي:
( كانت لي اتصالات مستمره مع السياسي العراقي نوري السعيد ، ولا زلت أعتبره من أعظم سياسي العالم وليس بلده فقط ، وأتمنى أن أرى يوما نصبا لهذا الرجل في بغداد)
واخبرني شخص موثوق أن أحد رؤساء الجمهوريه العراقيه إستقبل وفد من الإقتصاديين العراقيين ووجدوه جالسا وقد ترك كتابا على مكتبه كان يقرأه ثم بدأ بالحديث معهم ( كنت أقرأ هذا الكتاب التأريخي لمؤلف عراقي عن سيره نوري السعيد ووجدت أن الرجل لم يكن أبدا عميلا لأحد).
كما ذكر أن السفير البريطاني في بغداد عندما زار ألوزير صديق شنشل بعد أحداث 1958 بادره الوزير بالقول ( شفتو شصار بعميلكم نوري السعيد) فأجابه السفير البريطاني( يا سيادة الوزير لم يكن نوري السعيد عميلا لنا ، بل كان يطلب منا أن نعطي لبلادكم أكثر مما كنا نريد أن نفعله) ولا أدري مبلغ صحه ما قرأته.
ونترك للتأريخ والمؤرخون في المستقبل حكمهم على الرجل.
1100 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع