ثلاث أختام من الشرق الأدنى القديم

                                                         

                        د.صلاح رشيد الصالحي

ثلاث أختام من الشرق الأدنى القديم

   

شكل 1: ختم أسطواني من مملكة عيلام (Elam)

اوصاف الختم: الطول (7) سم، الارتفاع (4.8) سم مصنوع من حجر الكوارتز (quartzite) اللون أسود.
يتميز الختم الاسطواني العيلامي بنقش مبكر للعربة الحربية العيلامية، ويعود تاريخ الختم إلى فترة غزو العيلاميين لمدينة بابل، والمعروف ان البابليين عانوا من خصمين عنيدين هما مملكة آشور في الشمال، ودولة عيلام في شرق بلاد الرافدين عند جبال زاكروس، وكانت الضربة القاضية التي دمرت بابل جاءت على يد كوتير-ناخونتي الثاني (Kutir-Nahhunte) الملك العيلامي عام (1157) ق.م الذي استطاع اسقاط الكاشيين (Kaššites) حكام بابل وسرقة ما ستطاع حمله منها مثل مسلة حمورابي، ومسلة النصر لـ(نرام سين) الأكدي، ومسلة الملك الأكدي مانشتوسو، وتمثال كبير للإله مردوخ، وترك الملك العيلامي حامية عسكرية عيلاميه في بابل، وبذلك اختفى حكم الكاشيين إلى الابد بعد ان حكموا بابل قرابة (576) سنة وتسعة أشهر (تقريبا بقدر الحكم الدولة العثمانية للعراق)، وكان الكاشيون أول الشعوب التي استخدمت الحصان والعربة في العمليات العسكرية، ولسوء الحظ بالنسبة للكاشيين أن العيلاميين استخدام هذه التقنية العسكرية ضدهم خلال المعارك بين الدولتين، عموما صور في الختم حصانين يسحبان عربة حربية عجلاتها ذات ثمانية شعاعيات، ويقود العربة سائس ورجل الاحتمال الكبير هو الملك العيلامي كوتير-ناخونتي الثاني الذي يدير جسمه بمواجهة الإله شوشيناك حامي شوشة عاصمة عيلام وإله المستضعفين والفقراء، وقد صور وهو يرتدي قبعة مقرنة وأمامه شكل مذبح لوضع القرابين، وتحت قوائم الحصانين جندي بابلي قتيل، ويمكن رؤية العنقود النجمي وهي سبعة نجوم مباشرة فوق ظهر الحصان تعرف في بلاد الرافدين قديما باسم (مول مول) (Mul Mul) أو (نجمة النجوم) وعددها سبعة نجوم وهي (الثريا) وتعرف بانها آلهة الحرب سبيتو (Sebittu) واستخدمت في النقش لأنها ترمز إلى النصر العيلامي على بابل.

    

 شكل 2: طبعة ختم أسطواني من أوغاريت القديمة (Ugarit) (رأس شمرا في سوريا)

اوصاف الختم: الطول (6.7) سم، الارتفاع (3) سم، صنع من حجر الكوارتز.
تقع مدينة أوغاريت (رأس شمرة) على الساحل الشرقي للبحر المتوسط شمال اللاذقية في نهاية سهل خصيب، لذلك ليس من قبيل الصدفة أن نرى أرشيف اوغاريت يتحدث كثيرا عن الزراعة، كما اكتشف خلال التنقيبات بأن الموقع كان مسكونا منذ العصر الحجري الحديث، وقد استعمل سكانه الأوائل الأدوات المصنوعة من حجر الصوان والعظام، وعرفوا الفخار المنقط باللون الأبيض، كما أن موقع أوغاريت القديمة على ساحل البحر المتوسط يعتبر موقع استراتيجي في شمال سوريا، وتم التنقيب فيها في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، واكتشف عدد كبير من النصوص المسمارية الأكدية، وتشير تلك النصوص وجود علاقات سياسية قوية مع مصر من جهة والمملكة الحثية في بلاد الاناضول من جهة أخرى، كما ذكرت النصوص توتر العلاقات بين الدولتين الكبيرتين وانعكاسها على اوغاريت، على العموم كان لمصر تأثير كببر وشريك تجاري رئيسي مع اوغاريت وخاصة تجارة اخشاب الأرز من لبنان حيث يتم تصديره عبر هذه المدينة الساحلية لتغذية احتياجات الحرفيين والمعابد في مصر، فقد كانت مصر فقيرة بالأخشاب، ولذلك اعتمدت وبشدة على استيراد هذه المادة مع جيرانها الشماليين (بلاد الشام)، والجنوبيين من (افريقيا) وهكذا كانت أوغاريت نقطة التقاء رئيسية للسلع من بلاد الرافدين، ومصر، وبلاد الاناضول .
نقش على الختم ملك أوغاريت ساحبا وتر قوسه مسددا سهما وهو يروم اصطياد أسد واقف على قوائمه الخلفية بينما تبرز مخالبة من القوائم الامامية، اما العربة فيسحبها حصانين، وصندوق العربة يتسع لشخص الملك فقط للدلالة على قوته ومهارته في الصيد، اما العجلة فهي رباعية الشعاعيات وتعتبر هذه أقدم شكل للمركبة الحربية الاوغاريتية، ونلاحظ تحت العجلات عدو مهزوم يرمز على قوة الملك وقدراته الحربية، ويرتدي الملك غطاء الرأس وهو يشبه إلى حد كبير التاج الأبيض للملوك المصريين، كما يظهر فوق المشهد صقر فاتحا جناحيه مع طائر آخر خلف الملك، والمشهد يشبه إلى حد ما ملوك مصر الذين كانوا محميين من قبل الصقر رمز الإله حور (حورس) الذي كان يوضع غالبا خلف الملك، وحمل الفرعون حور محب (المملكة الحديثة) اسم هذا الإله، إن تبني التقاليد الفنية المصرية ودمجها بالتقاليد الاوغاريتية تدل على احترام الثقافة المصرية خلال فترة الولاء لفراعنة مصر في عهد الأسرة الثامنة عشر المصرية.

    

 شكل 3: طبعة ختم أسطواني آشوري (Assur) (قلعة الشرقاط في الموصل)

أوصاف الختم: الطول (3.6) سم، القطر (1.3) سم، صنع من حجر العقيق الأبيض.
تعتبر مدينة آشور (موقع الشرقاط جنوب الموصل) من أقدم العواصم الاشورية فقد كانت عاصمة شمشي-ادد الأول(Shamshi-Adad) (1813-1781( ق.م، وظلت عاصمة للآشوريين ولمدة طويلة وفيها معابد وزقورة الإله آشور، واهتم الملوك في اقامة الاستحكامات للمدينة، لأنها العاصمة الدينية ومقر دفن الملوك الآشوريين وتتويجهم فيها، وقبيل نهاية القرن الثامن ق.م قادت المدينة ثورة أدت بحياة الملك شلمانصر الخامس (722) ق.م واعتلاء سرجون الآشوري عرش آشور، ويعتقد انه المحرض للثورة لأنه المستفيد الوحيد منها، وأول عمل له منح المدينة امتيازات عبر عنها سرجون: (حرر أهل آشور من التجنيد القسري وجباية الضرائب) وشمل الاعفاء اعمال السخرة ايضا، وبذلك اكتسب رضا الإله آشور من خلال تأييد الكهنة وسكان مدينة آشور، لكنه في الوقت نفسه أيقن بضرورة بناء عاصمة جديدة تجعله اكثر استقلالية من ضغط العناصر الدينية، ومن قادة الطبقة الآشورية الحاكمة وتدخلاتهم في الحكم .
نقش على الختم حصان رشيق مجنح مع مخالب صقر، وقرنين فوق الرأس، كما تم ابراز العضو الذكري للحصان بهيئة التنين، ومن شكل الحصان وكانه يتهيأ للطيران، وبهذه المواصفات فهو حصان إلهي اسطوري لان الآلهة هي الوحيدة التي تملك اجنحة حتى تستطيع الطيران والوصول إلى مكانها في السماء حيث مجمع الآلهة، وهناك كتابة مسمارية تشير إلى صاحب الختم المقيم في آشور، يعود تاريخ الختم إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م وبذلك فهو يعود إلى العصر الاشوري الوسيط، واعتقد الحصان الآشوري المجنح اصبح معروفا في الاساطير اليونانية واكثر المخلوقات الحيوانية شهرة واطلق عليه بيغاسوس (Pegasus) (معنى اسمه البرق) لونه ابيض نقي، وهو يجلب الصواعق للإله زيوس، واصله من نسل الاله الاولمبي بوسيدون (Poseidon)، ولا يمتطي الحصان المجنح إلا الآلهة، وقد حول الإله زيوس (Zeus) الحصان بيغاسوس إلى كوكب يحمل اسمه، وفي الإسلام ذكر الحصان المجنح في التفاسير الإسلامية عند الحديث عن الاسراء والمعراج، فيذكر المفسرين ان الرسول (ص) صعد إلى السماء راكبا حصان مجنح (وصف انه اكبر حجما من الحمار واصغر حجما من البغل) اطلق عليه (البراق) وهذا الاسم مشتق من البرق، لونه ابيض له جناحين لا يركبه إلا الأنبياء، فقد ركبه من قبل إبراهيم عليه السلام لزيارة زوجته هاجر وابنها إسماعيل في رحله من فلسطين إلى مكة المكرمة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4811 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع