مينا العريبي
هل يستطيع الكاظمي أن يحصن الدولة العراقية؟
سقوط الصواريخ بوتيرة متصاعدة وبشكل شبه يومي على المنطقة الخضراء في بغداد، هدفه أن تصل رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مفادها أن المجموعات المسلحة لا تعترف بسيادة الدولة ولا تعترف بسلطة الحكومة.
الصواريخ عادة لا تحدث أضرارا كبيرة، لكنّها تشكّل تذكيرا يوميا بأنّ الضرر على الدولة العراقية هائل، وأنّه لن يزول من دون زوال تلك المجموعات التي لن ترضى يوما بسيادة الدولة، بل إنّها تعمل بكل جهدها على أن تبقي الدولة ومؤسساتها ضعيفة. ومن يقف وراء إطلاق الصواريخ يقف وراء تهديد الناشطين العراقيين ومن يطالب بالإصلاح، ممّا أدّى إلى مقتل أكثر من 700 متظاهر، والعشرات من أبرز النشطاء المعروفين على الصعيد الوطني المطالبين بحفظ سيادة العراق. استهداف هؤلاء هو أيضا رسالة موجهة إلى الكاظمي بأنّ هذه المجموعات لن تقبل بالإصلاح الذي من شأنه أن ينهي مرحلة الانفلات الأمني والقانوني.
بالإضافة إلى المعارك السياسية واستهداف الناشطين، تتصاعد وتيرة التهديدات ضد الكاظمي ومستشاريه ومؤيديه، لتتحول بعض هذه التهديدات إلى حملات ممنهجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هدفها القيام باغتيال شخصية هؤلاء. والهدف من تلك الحملات تخويف ضحيتها وجعله يتراجع عن موافقه. وفي حال لم يفعل ذلك، تكون هذه الحملات ضمن جهود التشكيك في نزاهة الشخص وتبرير اغتياله. والناشطة الشابة الدكتورة رهام يعقوب من البصرة، هي من أبرز ضحايا هذه الحملات في الشهر الماضي. فهي التي وقفت بكل شجاعة في وجه الفساد، وقادت مسيرات في البصرة فاغتالتها مجموعة مسلحة في جريمة هزّت العراق. وبالإضافة إلى الاغتيال الجسدي، قامت جيوش إلكترونية باستهدافها سياسياً واجتماعياً باتهامها بالعمالة فقط للقائها بالقنصل الأميركي في البصرة، ضمن نشاط معلن في القنصلية الأميركية.
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يفهم هذه الرسائل، وهو اليوم مستهدف من قبل كل من يعتبر أن الدولة الفعالة تهدد مصالحه الشخصية والحزبية. في مقابلة أجريتها مع رئيس الوزراء العراقي، ونشرت في صحيفة «ذا ناشونال» الأسبوع الماضي، قال إن تلك الصواريخ واستهداف الناشطين هدفهما إحراج الحكومة وإضعافها، موضحا: «مشروعنا هو التأكيد على سيادة الدولة، بما يشمل حصر السلاح بالقوات الأمنية الرسمية... لقد كان هناك جهد منظم لإضعاف المؤسسات الأمنية في السابق وإفسادها، ونحن نعمل على إعادة إصلاحها وإعادة الثقة لها وتطهيرها من العناصر الفاسدة». وأضاف «الجماعات التي تعتبر نفسها فوق الدولة سترى قريبا عملا جادا من الأجهزة الأمنية للحد من هذه التجاوزات».
هذا العمل الجاد الذي يشير إليه الكاظمي في مواجهة الميليشيات والمجموعات الخارجة عن القانون، يعني أنّ رئيس الوزراء بحاجة إلى أن يحصن نفسه ومشروعه، داخليا، وإقليميا ودوليا. التحصين الداخلي هو الأصعب، خاصة أن الكاظمي لا يتمتع بدعم مطلق من أي مجموعة سياسية، وليس لديه حزب سياسي. كما أنه ليست لديه ميليشيا تحميه، وهو أصلا لا يريد، ولا يمكن أن يعتمد على مجموعة خارجة عن القانون لتحقيق ما يطمح إليه من إعادة هيبة الدولة وقوتها. لذلك الكاظمي يحصّن نفسه بالقوات العراقية المسلحة، وقد قام بتحركات سريعة لإحداث تغييرات في قيادة الجيش والقوات الأمنية، مما أثار مخاوف الميليشيات من بروز قوات وطنية رافضة للطائفية وخرق القانون. ونشر حساب رئيس الوزراء على موقع «تويتر» صورة له وهو محاط بعناصر قوات جهاز مكافحة الإرهاب، والتي يقودها الفريق الأول الركن عبد الوهاب الساعدي الذي عرف بمهنيته خلال معركة تحرير الموصل من «داعش» عام 2017، وعرف بوطنيته واحترامه للواجب.
أما التحصين الإقليمي فهو ضروري مع الأطماع والطموحات الإيرانية والتركية، سياسياً وأمنياً واقتصادياً. الكاظمي لا يستطيع أن يدخل في مواجهة فعلية مع هؤلاء، ولكنه يحتاج إلى أن يدعم علاقات العراق مع باقي دول الجوار، إذ إن بناء علاقات قوية مع الدول العربية من شأنه أن يساعده على تقليص النفوذ الشاسع لإيران داخل العراق والنفوذ المتصاعد لتركيا. وبينما الزيارات المتبادلة والظهور العلني مع قادة عرب تدل على تقوية أواصر العلاقات مع تلك الدول، الأهم من ذلك هي المشاريع الفعلية على الأرض التي من شأنها أن تربط مصير الشعوب المستفيدة من تلك المشاريع. عندما يقر الشاب أو الشابة العراقية بأنّ مستقبلهم يتأثر بمستقبل شاب أو شابة من دولة جارة أخرى، يستطيع العراق أن يتعافى وينظر لمستقبل مزدهر.
جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى بغداد بعد أيام من عودة رئيس الوزراء العراقي من الولايات المتحدة، وبعد عودته من عمان لحضور القمة الأردنية - المصرية - العراقية التي استضافها الملك عبد الله الثاني، وحضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
أما التحصين الدولي، فهو لن يكون ممكنا من دون تثبيت العلاقات مع الولايات المتحدة. زيارة الكاظمي إلى واشنطن كانت جوهرية لتقوية العلاقات والتشديد على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن العراق بحاجة إلى الدعم السياسي، بالإضافة إلى استثمارات شركات عملاقة تحرك الاقتصاد العراقي، خاصة أن العراق يمر بأزمة اقتصادية خانقة تحتاج إلى استثمارات خارجية للخروج منها. وهو يستعد لاستقبال الرئيس الفرنسي ماكرون في بغداد، بهدف التشجيع على الاستثمار، ولكن أيضا ضمن مساعيه بإخراج العراق من دائرة التجاذب الأميركي - الإيراني. وهذا الحراك الدبلوماسي الذي شهدناه في الأسابيع الماضية ضروري، بالإضافة إلى ضرورة دعم المؤسسات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمنع الأزمة الاقتصادية من عرقلة جهود الإصلاح في الدولة.
جهود الإصلاح هذه تأتي بعد 17 عاما من سقوط نظام صدام حسين، الذي أشرف على جعل مؤسسات الدولة رهينة لسياساته. وكان الأمل أن تغيير النظام سيعني إحياء الدولة، لا تفكيك مفاصلها. ويشرح الكاظمي في المقابلة نفسها: «هناك خلل في البنية المؤسساتية العراقية منذ عام 2003 التي بنيت على أساس خاطئ، وهو الطائفية والعنصرية القومية التي أنتجت محاصصة حزبية، وليس محاصصة أو التوازن الوطني، إنها كذبة كبيرة». وأضاف «المحاصصة الحزبية أدّت إلى ترهل وفساد، وأدت إلى عدم انتماء وطني لهذه المؤسسات. نعمل على تحصين هذه المؤسسات من هذه الآفات، ومحاربة الأفراد الذين لم يلتزموا المعايير الوطنية في الانتماء للمؤسسات الوطنية».
تحصين العراق - والكاظمي نفسه - من الآفات ضرورة ملحة، على من يريد استقرار المنطقة أن ينتبه لها.
1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع