الإعلام وعلم التجهيل

                                                  

                         أ. د  فاضل البدراني 

الإعلام وعلم التجهيل

يشبه عالم الاتصال ما لكوم أكس “وسائل الإعلام بأنها الكيان الأقوى على وجه الكرة الأرضية كونها تتحكم بعقول الجماهير، لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين والمذنبين أبرياء. وعليه فأن مسألة فك شفرة العلاقة بين مؤسسات الإعلام والاتصال وعلم التجهيل ينبغي تناول الوظيفة التي تستخدمها جماعات الضغط وصناعة الرأي العام وقوى التأثير في المجتمع وعلى صعيد الحروب والنزاعات بين الدول ،إذ ينجلي الغموض ،وتتضح العلاقة الجدلية بين الإعلام كفاعل ترويجي أو تسويقي لأفكار تعدها مطابخ المؤسسات المعنية بعلم التجهيل والتي تكون ذات أغراض إما تجارية أو سياسية أو صراعات دولية وحضارية.

ما هو علم التجهيل
بداية ينبغي أن نكشف عن مدلولات علم التجهيل في تعريف للمصطلح على أنه يمثل المهارات والقدرات الفائقة التي تمارسها جهات ومؤسسات علمية محترفة في قلب الحقائق ضمن سياق ممارسة التضليل والتشويش على جمهور المتلقين وبسط أو تسويق الجهل المتعمد لتحقيق غاية أساسية يكون فيها الإنسان أو الأسرة أو المجتمع فارغ العقل أو عقل بلا وعي. بمعنى آخر هو صناعة الجهل بتعويق العقل بالتخلف ومغالطة وقلب الحقائق على الناس ضمانا لتصريف المنتجات أو تسويق الوجوه المطروحة من شخصيات سياسية أو دينية أو غيرها، وقد تتوفر هذه المهارات والقدرات لدى الأفراد في تضليل الناس(1) وعلم التجهيل لطالما يمثل في مفهومه الحقيقي التشويش وتسطيح العقول فأن بداياته ترجع لبدايات الاتصال والاحتكاك البشري ،إذ أن الأمية كانت شائعة كثيرا بين أوساط المجتمع، وهذا ما يجهل التجهيل قضية سهلة الخطوات للوصول إليه وتحقيقه من قبل الجماعات التي تمارسه لغايات نفعية أو عدائية، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الفرنسي، جان جاك روسو،في الكتاب الأول من العقد الاجتماعي” أن النظام الاجتماعي لا يقوم من الطبيعة، بل هو نتاج الحوارات والاتفاقيات بين الجهات المعنية ” وهذا يعيدنا الى مسألة الحوارات والنقاش والاتفاقات التي تتحقق بين الجماعات البشرية والتي تشارك في عملية صنع الوعي الذي يحقق الحياة المناسبة للفرد والكيان الاجتماعي الذي ينتمي اليه (2) وحديثا فأن مصطلح التجهيل ظهر في عام 1979 عندما كشفت مذكرة سرية عن صناعة التبغ للجمهور مقترحًا عن التدخين والصحة، كُتب من شركة براون ويليامسون للتبغ أظهرها الدكتور روبرت بروكتر في جامعة ستانفورد ،وكشفت تكتيكات شركات التبغ الكبرى المستخدمة لمواجهة “القوى المعادية للسيجارة “. أحد أكثر هذه المقاطع دلالة في كيفية تسويق السجائر للجمهور والواردة في المذكرة تقول: ” منتجنا هو الأفضل وسيلة للتنافس مع الحقيقة الكائنة في ذهن الجمهور،بل أيضًا وسيلة لإقامة الجدل”.ويقول روبرت بروكتر،،أن شركات السجائر لا تريد أن يكتشف المستهلك أضرار منتجاتها،وأنها أنفقت المليارات للتعتيم على حقائق الآثار الصحية للتدخين.وهذا يعيدنا الى إشكالية البذخ المالي في أثناء الانتخابات البرلمانية بالعراق وبعض بلدان المنطقة العربية ومحاولة التشويش على الناخب وتجهيله وسرقة صوته أو شراء ضميره باستلاب عقله وتغييب وعيه. وعلم التجهيل تتبناه في العادة مراكز الأبحاث وأجهزة المخابرات ومؤسسات الدعاية والإعلان ووسائل الإعلام وكذلك العلاقات العامة، لتحسين سمعة لجهة صديقة أو تشويه سمعة جهة معادية أو منافسة. وتكون هي الأدوات التي تنفذ ما يطرح عليها في مواجهة الجمهور وانحراف بوصلة تفكيره للأمور والأشياء. بحيث تسهل عملية تسطيح المعرفة لدى الناس،وتكون فرص تمرير مخططاتهم أسهل،ونجاح عمليات التضليل الذي تتبناه المؤسسات الإعلامية والمؤسسات النظيرة لها يتحول الى علم في إشاعة الجهل والبعد عن المعرفة العميقة. وفي هذا الصدد يورد أستاذ علم الاقتصاد السياسي الدكتور طالب الدليمي ” أن نصف العلم أخطر من الجهل” على اعتبار أن البعض يمتلك قليلا من العلم والمعرفة لكنه يخدع نفسه بمعرفته بكل الأمور،وهذا أمر خطير.وفي بعض الحالات يتم نشر الجهل تحت ستار” النقاش المتوازن” بتوظيف مبرر أن هناك دائمًا وجهتي نظر متعارضتين لا يؤدي دائمًا إلى نتيجة عقلانية،لا بل ان البعض من الذين يمتلكون شيئا محدودا من المعرفة يعتقد انه يعرف كل شيء والخطورة تكمن في قناعة بعض الجماعات به، فيشيع الجهل الذي هو ابتعاد عن الصحيح، ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: الرجال أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه،ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فأرفضوه.

طرق نشر التجهيل
ومن طرق التجهيل التي يمكن تناولها وفق ما يأتي :
أولاً- عدم إدراك الحقيقة: فالحقيقة تعني الوصول الى الوعي والوعي الاجتماعي هو الذي يتكفل بكنس المخلفات والنفايات وتحرير العقول والنظر للأمور بحقيقتها لا بجهل العقل.
ثانيًا- جماعات الضغط المؤثرة :عندما تكون هناك جماعات المصالح الخاصة مثل شركة تجارية أو جماعة سياسية،او علاقات عامة، تقوم بالعمل الجاد لخلق البلبلة بشأن هذه القضية، في حالة الجهل عن التبغ وتغير المناخ، فإن المجتمع الأمي علميًا ربما يكون أكثر عرضة للتكتيكات المستخدمة من أولئك الذين يرغبون في خلق الإرباك والتشكيك بالحقائق.
ثالثا- توظيف فن التضليل: عندما تمتلك جماعات المصالح المؤثرة مهارات عالية في فن التضليل والتزييف فأن ذلك يؤثر باتجاه تحول الباطل حق والحق باطل على وفق نظرية “ما لكوم إكس”.
رابعا- التجهيل الدولي: بإثارة الحروب وفرض الحصارات الاقتصادية التي من شأنها تؤثر كثيرا على مستوى حياة الشعوب المحاصرة، ومن ذلك تدني مستوى التعليم وضعف سلطة القانون ولجوء الموظفين في المؤسسات الحكومية الى الرشوة سبيلا لإدامة حياتهم.ويعد هذا النوع من اخطر طرق التجهيل في تعويق الشعوب وقد كانت العراق أنموذجا و السودان وايران وليبيا وسوريا ، وهذه الدول فرضت عليها الولايات المتحدة حصارات اقتصادية.
خامسا– الإدارات السياسية الفاشلة: تعمل بعض الدول التي لها هيمنة على دول ضعيفة تكون خرجت للتو من حرب بفرض قيادات سياسية غير مؤهلة للإدارة ولا تحكم بمنهجية الحكم الرشيد وتمارس العبث بمقدرات البلد ، فهذا تساهم في تجهيل المجتمع وتعويق الأجيال.
سادسا–الإدارات التربوية والتعليمية الفاشلة : وهنا تكمن عملية التجهيل عندما توكل إدارة المؤسسات التربوية والتعليمية لإدارات فاشلة غير محترفة وهي جزء من سياسة التزوير والغش فان ذلك يشكل عامل مهم في صناعة التجهيل ،وقد نجحت الولايات المتحدة بالتأثير على إدارات في الاتحاد السوفيتي السابق قبل انهياره ، فضلا عن بلدان المشرق بالوقت الحاضر.
فالحذر من الجهل في أوقات الانتخابات البرلمانية التي تحصل على صعيد بلدان العالم، إذ تقع فريسة للدعاية المفبركة المصنعة والمضللة والمغلفة بطريقة محترفة، وتكاد تكون شعوب عدة لا تنجح معها طريقة الحكم بالشكل الصحيح، لأن ذلك يستفزها ويثير الجدل والخلافات، فتلجأ السلطة الى اعتماد علم التجهيل معهم سبيلا لإدارة الحكم بلا مشكلات. وهذه بالغالب تكون في البلدان المتخلفة التي تزداد فيها نسبة الأمية بشكل كبير، أو المجتمعات التي تعاني من وطأة الحروب والانتكاسات والكوارث والفقر .
وبالرغم من رؤية الباحث (فاضل البدراني) من أن الانترنت يمثل أعلى منصة لإشاعة الديمقراطية وتفوق أي منهج ديمقراطي في البلدان التي تنعم به منذ قرون ،سيما البلدان الغربية ذلك يمنح الشعوب فرصة التعبير عن آرائها والمطالبة بحقوقها بل يمثل الملاذ الآمن لمنح الحريات وعدم محاصرتها باعتباره فضاء مفتوح لا سيطرة عليه ولا تمييز فيه بين اسود وابيض وحاكم ومحكوم ومن ذلك ممكن أن يتحقق الوعي، ألا أن الأكاديمي ديفيد دانينغ من جامعة كورنيل، يحذر من أن الإنترنت يساعد على نشر الجهل، وهو المكان الذي يضع لدى الجميع فرصة ليكونوا خبراءً فيه، مما يجعلهم فريسة لمصالح قوية ترغب في النشر المتعمد للجهل.وهناك خصوصية من أن مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل العاملة على الانترنت لا تعد وسائل إعلام كونها غير منضبطة في نصوصها بعيدا عن شكلها الظاهر، فهي تذهب بالمعلومة الحقيقية الى التضليل والدعاية وتشكل الرأي العام الجاهل،وهو نفس التوجه لبعض الدوريات والمطبوعات والمواقع التي تتخذ الطابع الشخص أو المواطني أكثر من المنهج المؤسساتي الي يعني برعاية الجمهور الواسع .ووفق رؤية ديفيد دانينغ التي تناقض رؤية فاضل البدراني ،فانه ينبغي التعامل مع هذا الفضاء الالكتروني المفتوح بعلمية لكي يحقق الديمقراطية والوعي وبخلاف ذلك فان رؤية دانينغ تكون هي المطب الذي يساعد على إنتاج الجهل والتخلف.
وفي هذه الخصوصية التي يتفاعل فيها الجاهلون وقليلوا الوعي مع المواد والموضوعات التي ينشرها الانترنت فأن بعض الأذكياء يستفيدون من جميع المعلومات الموجودة بمجرد الدخول إلى الإنترنت،إلا أن الكثيرين يكونون ضحايا للتضليل والشعور الزائف بامتلاكهم الخبرة.والقلق لا يعني أننا نخسر القدرة على التفكير بل أصبح من السهل استقاء المعلومات من الانترنت من دون تفكير وعناء،وهنا أطرح إشكالية تحمل بين طياتها الكثير من القلق تتمثل بأن المعروض في الانترنت تشارك في إنتاجه العديد من المؤسسات السياسية والفكرية المتخصصة والتي تنضوي في جهات علمية مثل مراكز الدراسات والأبحاث أو الجهات النفسية والاجتماعية في أجهزة المخابرات والدوائر السياسية في وزارات الخارجية للدول المتقدمة ، فهذه تقوم بطرح الآراء إما لتجهيل الناس وإما لمعرفة التوجهات العامة أو لمعرفة مستوى الوعي، ومن ضمن ذلك قد تطرح شائعاتها في منتصف بلوغ وقت الأزمة سواء الحربية آو الاقتصادية أو غير ذلك وافتراس عقول الناس.
الجهل بين العرب والغرب
علم التجهيل واحد من أبرز الظواهر الاجتماعية والعلمية والثقافية التي طبعت مستوى العلاقة بين الغرب والعرب، فأساس التجهيل هو الكذب والخداع والتزييف والمغالطات ، وهذه الصفة لازمت الطرفين على مدى قرون عدة وحتى يومنا هذا برغم تبدل المفاهيم في القرن الحادي والعشرين. فجهل العرب بالغرب، تعزز وعزز جهل الغرب بالعرب، فكلا الطرفين تعاون لينتج صورة كاذبة ومشوهة عن الآخر، فخلال القرنين التاسع عشر والعشرين، تمتعت نخبة الطرفين، ببيع الأكاذيب عن الآخر، وربما ما يتسم به القرن الحادي والعشرين، بأنه عصر التنوير الحقيقي، تنوير العرب بحقيقة الغرب، وتنوير الغرب بحقيقة العرب، ففرص الصدام الراهنة لا يمكن تلافيها دون اشتباك حضاري فعال، ولا يمكن بناء هذا الاشتباك على الكذب والوهم المضاد. ويسرد الباحث عبد اللطيف مشرف في مدونة ” ن بوست ” الهجوم الذي شنه إدوارد سعيد على المثقفين الغربيين في كتابه الشهير الاستشراق، له ما يبرره، والكتاب نفسه تضمن مبررات هذا الهجوم وأثبتها، ولكن مشروع دراسة وتفكيك الجهل المتبادل بين العرب والغرب لم يكتمل بذلك الكتاب.

وتصادفنا مدرسة غربية وأخرى عربية معنية بالتجهيل، ضمن صراع بينهما مبنى على الكذب والفعل ورد الفعل،فكما توجد صناعة غربية لتعزيز جهل الغرب عن العرب خدمة لحقائق القوة والمصلحة في المجتمعات الغربية، هناك صناعة عربية للجهل العربي عن الغرب تأسست منذ مطلع القرن التاسع عشر، فمنذ نشر كتاب (تلخيص الإبريز في فهم باريس)، للإمام رفاعة الطهطاوي، وهناك جهد حقيقي ليعاد رسم صورة الآخر (الغرب) لدى العرب، بشكل يتناسب مع حقائق القوة والمصلحة في العالم العربي(3).
وهناك مؤسسات بحثية أميركية ومنها مؤسسة راند البحثيةRand Corporation بالإضافة الى مؤسسات من هذا القبيل في بلدان غربية كبرى، متخصصة في هندسة الجهل وصناعته وتغليفه بأرقى الأشكال، ثم تسويقه على نطاقٍ واسع لغاية تحقيق المردودات المالية. فهناك طرق ومبررات للتعامل مع علم الجهل منها :
1- التجهيل الربحي : وهو ما يتعلق بتجهيل الناس في تصنيع البضاعة أو السلعة بطرق أنيقة لترغيب الناس بها وتحقيق الفائدة الربحية والمالية منها ،على سبيل المثال تصنيع علب السكائر بعيدا عن مخاطرها أو زجاج الكحول أو الأشكال الأنيقة التي توضع فيها المخدرات وحتى مسمياتها .
2- التجهيل الحضاري : وهو الجهد الفكري المبذول من المؤسسات الفكرية والدينية التي تندرج في إطار صراع الحضارات وتشويه سمعة الديانات والثقافة الحضارية.
3- التجهيل السياسي: وهو التجهيل الذي يجعل هذه الجهة الحزبية او الدولة ضد الدولة والجهة الحزبية الـأخرى.
الجهات المستهلكة لثقافة الجهل
توجد ثلاث فئات في كل مجتمع يمكن أن تكون عناصر أساسية يفترسها علم التجهيل بسهولة وتصنف وفق ما يأتي:
(1) الفقراء في المجتمع: الفقر يولد ثقافة الانحطاط لدى المجتمع وهذه الطبقة المعدمة تشكل مادة أساسية في علم التجهيل، تنطلي عليهم كل الأفكار الكاذبة والمخادعة.
(2) المتدينون : الناس الذين يتملكهم شعور العاطفة لدين أو معتقد ولا يمتلكون ثقافة ووعي في التفسير للقضايا الدينية بكل الأديان، فهؤلاء يشكلون الجمهور المهم في علم التجهيل لخداعهم .
(3) المغفلون : المغفل هو الطرف الذي لا يدرك الحقائق بشكل صحيح وتمارس عليها في إطار علم التجهيل قضايا التحريف أو ما نسميه بالتضليل الفكري والإعلامي والخداع.
أن المجتمعات البشرية بدخولها الى عالم الانترنت وديمقراطية الرأي الحر والفضاء المفتوح،لم تعد هناك من إمكانية تجهيل العقول للإنسان في أبعد مكان بالعالم،سيما إذا توافرت لها فرص تحقيق التعليم المناسب لضمان الارتقاء بالمستوى الى الوعي الحقيقي، ومع هذا فأن القادم من عمليات التجهيل المستقبلية التي سوف تكون من متبنيات الجهات المعنية من منظمات الدعاية والعلاقات العامة وحتى مؤسسات الإعلان وأجهزة المخابرات والجهات السياسية الدعائية وغيرها،ستتحقق من خلال إثارة النقاش في خانات الدردشة في منصات الانترنت وأيضا عبر حلقات نقاشية ببرامج تلفازية وإذاعية واستغلال ضعف الوعي لدى المشاركين أو المتلقين للآراء، وأيضا في التفنن بطرق التعامل بالتصميم الأنيق للبضاعة أو للجهة البشرية المعنية أو في تنميط الأفكار وتسطيح العقول وتشكيل الرأي العام المتخلف عبر ما يطرح في منصات التواصل الاجتماعي.أن الوعي نقيض الجهل، ويأتي عبر التعليم المناسب والبيئة المستقرة والمستوى المعاشي المناسب بعيدا عن الفقر،فضلا عن توفر المؤسسات التعليمية والتربوية والتشريعية والتنفيذية التي تساهم في تحصين أفراد المجتمع من الضياع الفكري ،وقياس مستوى الوعي والثقافة لدى أي مجتمع يؤخذ من نسبة عدد قراء الكتب الفكرية والعلمية،وقد يعيدنا هذا الى طرح واحدة من سلبيات وتأثيرات الانترنت على مستوى عدد القراء الذين تضاءلت أعدادهم بسبب انغماسهم في المجتمع الافتراضي الالكتروني وانحدارهم من مستوى المعلومات العلمية المتقدمة في الكتاب الى مستوى هابط في كثير من الحالات التي تطرحها منصات التواصل الاجتماعي(4).
وساهمت هي الأخرى شركات الدعاية والإعلان المتخصصة بصناعة الديكور والتصميم المنمق في تعميق الجهل الاجتماعي،وصناعة ما يسمى ب” العادة “أو تقليد الآخرين مثل تعاطي المخدرات والسكائر والمشروبات الكحولية،وهذا يفرض من ثلاث اتجاهات هي :
الاتجاه الأول: يتعلق بالتأثر بالتصميم الخاص بعلب السكائر والخمور والمخدرات وأيضا بالإعلانات التي يشارك بها مشاهير عالميين.الاتجاه الثاني:تقليد الكبار والأصدقاء في المجتمعات الضيقة بحجة اكتمال الشخصية أوسد ثغرة قد تكون ناجمة عن الفقر والحرمان من التعليم.
الاتجاه الثالث: الهروب من الواقع المرير والحرمان الذي يعيشه الإنسان سيما الشباب.
وفي القرون الماضية في الثامن عشر والتاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين واجهت الصحافة المطبوعة خاصة في فرنسا عزوف وترفع الفلاسفة والمفكرين من الكتابة فيها،حفاظا على مستواهم الفكري لأنهم رفضوا أن يجاورهم في الصفحات كتاب بمستويات متواضعة.وهذا الحال يعيدنا الى قضية اندماج كبار الكتاب مع القراء والكتاب المتواضعين في صفحات الانترنت والمنصات والتطبيقات، وفي جانب منه يمثل تحقيق العدالة بين الجميع ويجسد المفهوم الديمقراطي، لكن الجانب الآخر منه يمثل خلط التخلف مع الوعي وبما أن مستوى التراجع في التعليم سمة العصر فأن أعداد الجهلة والبسطاء والمتواضعين يفوق بكثير أعداد المفكرين والمتنورين والمثقفين لكنهم أصبحوا في واقع افتراضي واحد، وهذه واحدة من مخاطر التجهيل.
الهوامش
(1) أستاذ الإعلام بالجامعة العراقية، باحث بعلوم الاتصال والإعلام ولديه مؤلفات عدة .
(2) فاضل البدراني، الترويج الإعلامي لعلم التجهيل، محاضرة الكترونية مقدمة من كلية الإعلام بالجامعة العراقية، في 26 آب، 2020.
(3) جون جاك روسو، الكتاب الأول، ترجمة زهير الخويلدي، المحور العربي،

2020https://annabaa.org/arabic/books/24010.

(4) عبد اللطيف مشرف، تاريخ علم الجهل الى التوطن في الشرق)، مدونة نون بوست،

https://www.noonpost.com/content/22534

(5) عبد الله العمادي ، ثقافة التسطيح، إسلام أونلاين ، https://islamonline.net/3611 .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4742 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع