علاء الدين الأعرجي
مقدمة كتاب نقد الحس النقدي
مقدمة
ككل مشروع نظري آخر، فان تطبيقاته العملية يتعين أن تكون جديرة بالصمود أمام أوسع قدر ممكن من المظاهر والقضايا العامة. فتضعها في سياق تحليلي قادر على أن يقدم أجوبة رصينة على الأسئلة والتحديات التي تثيرها هذه القضية أمام الباحث.
هذه المجموعة من الدراسات والمقالات تؤدي هذا الغرض حصرا، فبرغم أنها كتبت على مراحل زمنية متفرقة وعالجت قضايا مختلفة، ونشرت في أماكن متفرقة، فإنها قدمت تأكيدات تطبيقية على جدارة المشروع النظري الذي يستند إليه المفكر علاء الدين صادق الأعرجي.
بعد سلسلة من الأعمال الفكرية التي جسدت هذا المشروع، وبخاصة منها "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، و"الأمة العربية الممزقة بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة"، و"الأمة العربية بين الثورة والانقراض"، و"إشكالية التربية والتعليم وإعادة انتاج التخلف"، فقد أصبحت الأسس النظرية لهذا المشروع معروفة على نطاق واسع، ويعود هذا الكتاب، في بعض جوانب منه، الى التذكير بها أو تقديم خلاصات عنها، إلا أن الدراسات والمقالات الواردة فيه، قصدت على نحو أدق أن تؤكد التطابق الذي لا لبس فيه بين القضايا التي تمت معالجتها وبين الأساس النظري الذي وضعه الأعرجي على مدى نحو ربع قرن.
يُجيز لنا ذلك القول إنها ليست مجرد دراسات ومقالات متفرقة. فالخيط الناظم فيها يكتسب أهمية كبرى قائمة بذاتها، لتؤكد حقيقة أن النظريات الثلاث التي وضعها الأعرجي في أعماله المختلفة، يمكن ان تتجسد في العديد من مجالات الحياة، كما أنها يمكن أن تقدم تفسيرات للعديد من المظاهر، بل أنها تؤشر بوضوح شديد على مصدر العلة في بيئة التخلف التي نعيش فيها.
العالم العربي الذي يواجه معضلات تبدو شديدة التداخل والتعقيد، يحتاج أكثر من أي مكان آخر في العالم الى أن يتبصر في أسباب تخلفه وعجزه عن تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والمعرفي بوجه عام. إنه بحاجة الى نظرية اجتماعية تفكك هذا التخلف، وتعيد وضع أجزائه تحت طاولة الفحص والتحليل، على نحو يستطيع أن يرسم معالم الطريق نحو الخروج من المأزق الشامل الذي نعاني منه.
والنظريات المتاحة، التي قدمها مفكرون آخرون، ليست كثيرة في واقع الحال، إلا أن كل واحدة منها عالجت الأزمة من زاوية مختلفة، وظلت جديرة بالاعتبار بسبب قدرتها على الكشف عن بعض مظاهر أزمة التخلف، وقدمت حلولا معقولة لها، ولكن ما من واحدة منها أضاءت الحجرة المظلمة في العقل المجتمعي العربي، ولا واحدة منها ميزت بين ما يسميه الأعرجي "العقل الفاعل" و"العقل المنفعل"، ولا هي قدمت تفسيرات للآليات التي أدت الى توريث التخلف، أو جعلته دائرة مغلقة يصعب الخروج منها. ولا قدمت تفسيرات مماثلة للتفسير الذي جعل الاقتصاد في العالم العربي يرزح تحت نير الفقر والتبعية بسبب طبيعته كنظام ريع قائم، من وجهة نظر الأعرجي، على حقيقة أن العرب الذين لم يمروا بمرحلة الزراعة كما مرت بها الأمم الأخرى، وجدوا أنفسهم أمام قفرة إنتاجية للرأسمالية العالمية، ومن ثم لم يجدوا سبيلا للحاق بها ولا مواكبتها ولا حتى تقليدها. حتى بدا كل شيء في حضارتهم الراهنة زائفا ومفتعلا.
الأعرجي في هذه الدراسات يعود ليقدم نفسه كقارئ فذ لواقع الأزمة، وكمحلل فذ لطبيعتها ومكوناتها وأسسها.
والأيام سوف تدل على أنه ترك إرثا جديرا بالتقدير، بل جديرا بأن يُنير عقول النخبة ويضيء الحجرة المظلمة في تصور الناس لما يقولونه ويفعلونه ويؤمنون به ويمارسونه من عادات وتقاليد ومفاهيم تقيد قدرتهم على نقد وإصلاح أوضاعهم البائسة، وتجبرهم على أن يكرروا المأساة جيلا بعد جيل.
الناشر
1179 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع