بدري نوئيل يوسف ـ السويد
وداعا سنة الكورونا
السنة وحدة زمن تدل على الأيام التي فيها قحط وشدة ومعاناة وشر، والعام هي الأيام التي فيها رخاء وخير وراحة.
وأيام معدودات وتنقضي أحداث سنة 2020 ، مرت الأيام والشهور ونطوي سنة، و يخلد التاريخ أحداث بكل ما فيها من ذكريات تلاحقنا كسراب ، تختلف المشاعر والأحاسيس بين البشر لما قدموه خلال السنة ، فمن هو راض ومقتنع عما قدم ، ومن هو لا يعير اهتمام ولا يترك أي اثر في نفسه ، ومن لا ينسى الذكريات المؤلمة التي مرت عليه، ومن يذكر الأيام الجميلة من أفراح ومناسبات سعيدة شارك فيها، ومن يتذكر أتراح مر بها وفقد قريبا أو صديقا، مضى به قطار الحياة وطوى الزمان صفحته، أو حُضنٌ فقده، وصوت لا ينساه فودعه ورحل، ترك له بقايا الماضي ولم يبقي له إلّا الذكريات، فيدعوا له بالرحمة والمغفرة .
احداث صارت ذكريات تثير الشجون، يزداد مع ذكراها خفقان القلوب ولهيب في الصدور، منازل خالية من الاحباب مليئة بالذكريات، دموع اصحابها لا تجف، وشوق لا يبرد، وألم لا ينتهي، فتلك الغيمة السوداء جاء بها الزمان وشبح مخيف يحمل اسم كورونا، استطاع هذا الوباء عزل الأحبة، وغلق الأبواب عليهم، وابعدهم عن الأولاد والأحفاد، هم شيوخ وكبار في السن، يشتاقون لضحكات الطفولة البريئة من أحفادهم، التي أصبحت جزء من كيانهم،
بالإضافة لفقدان بريق المحبة بين الأخوة والأخوات، وهذه المحبة بحاجة إلى الرعاية والعناية، فهي أقوى العلاقات وأقربها، وحتى إذا هناك بعض حالات التنافر وأصبحت المشاعر بينهم باردة، ووضعت الحواجز واختفت معاني الأخوة والصفاء، المهم لا تكون ذا تأثير ولا أثر، وأن تعاد المياه لمجاريها.
ومهما كان العمر، يبقى الأخ هو الأب الثاني لأخته، وجوده في حياتها حضور لصديق أبدي، ورفيق أول للطفولة، وصخرة تستند إليها عندما تكبر، وإن يسألون عن النقاء فهو قلب الأخت، هي جمال كل بيت، جميلة جداً، وحنونة، تحمل باقة البراءة، ولابتسامتها سحر خاص تشعر بالسعادة. فكثير من نعم الحياة لم يعرفوا قيمتها حتى يفقدوها في ظل العزل والإغلاق التي فرضها الفيروس.
سنة نودعها ولا تستأذن بالرحيل، رحلت بدقائقها وساعاتها وأيامها وشهورها رحلت مع مرها وحلوها بسوادها وبياضها، حفرت في قلب الكثير من الذكريات وأخذت من الكثيرين، سنة مرت من عمرنا لا تعود ولا قابلة للتكرار ولا ينفع الندم والحزن، ولن يتوقف العمر في محطة السعادة، ولكنه يمضي ويجري كأنه حلم يأخذ معه الأشياء الجميلة، التي تركت في حياتنا بصمتها الجميلة. لا ضرورة أن تنهال اللعنات على سنة توشك على الرحيل، رغم ما يشير إلى أن البشرية لم تعرف أصعب منها وأفظع، وألبست الكون السواد وتركت للأحبة ذكرى دامعة. فهذا قدرنا.
نحن لا نعرف قيمة بعضنا إلا في النهايات، وعندما نقدم وردة في وقتها، خيرٌ من أن نقدم كل ما نملك بعد فوات الأوان، وأن نقول كلمة جميلة في الوقت المناسب، خير من أن كتابة قصيدة بعدما تختفي المشاعر. والأحسن الانتظار دقيقة في الوقت المناسب خير من أن الانتظار سنة بعد فوات الأوان، والموقف الإنساني عند الحاجة خيرا من أن نقدم مواساة بعد فوات الأوان. لا جدوى من أشياء تأتي متأخّرة عن وقتها كقُبلة اعتذار على جبين ميّت. ولا ضرورة لتأجيل الأشياء الجميلة، فقد لا تتكرر مرة أخرى.
علقنا على جدار غرفتنا التقويم الجديد، الذي يحمل معه الايام القادمة المجهولة ورمينا التقويم القديم، الذي يحمل
معه ملامح من ذاكرتنا، تذكرنا الكثير من الاصدقاء الذين رحلوا من هذه الدنيا دون وداع، تذكرنا أصدقاء كانوا
اوفياء وآخرين فجأة تحولوا وأصبحوا أعداء، تذكرنا الذين مازالوا اوفياء اصدقاء كالزهور.
من هذا الزمان تعلمنا أن هناك اشخاص لا يستحقون الأمان، بعد ما اعطيناهم ثقتنا خدعونا، ومن أعطيناهم حياتنا قتلونا، ولغيرنا يعيشون نحن نعيش لأجلهم، فمن يملك قلب حنون يحتار العيش بين بشر تخون.
على صعيد العلاقات الإنسانية والشخصية فقد تراجعت أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت العلاقة والصداقة بين الناس تبنى على أساس الماديات والمصالح وتدهورت الى أدنى مستوياتها، وأصبحت الصداقة الحقيقية عملة نادرة تغيرت نفوس الناس وفقد الانسان احترامه للآخر، وامتلئ المجتمع بمجموعة آفات وعلل عاصية على الاستئصال والعلاج، وانتشرت البسمة الكاذبة والخبث والفتن ونشر الأخبار الكاذبة، وإثارة الشائعات وفقدت العلاقة الإنسانية التي مضمونها المتمثل بالمحبة، وباتت قائمة على الخداع والمظاهر الفارغة.
ايام قليلة ويستعد العالم لاستقبال العام الجديد، مع التمنيات بأن يكون عام خير ورفاه للجميع. عام جديد لا يستأذن بالدخول في حياتنا، أمنياتنا لعام 2021 أن تتفق القلوب، وتتربع على عرش الأمنيات والدعوات والأحلام أمنية السلام في العالم، وأن تسود المودة ومشاعر الحب والألفة بين الجميع، وتنتهي تغريدات بعض المغردين خارج السرب من محاولات كريهة ومنبوذة، هؤلاء المغردين يعزفون معزوفات المشاحنة والحقد والفصل، والأصل، متمنين أن يكون الإنجاز مربوط بالعمل والحب.
امنياتي كثيرة لا تعد ولا تحصى ولكن للعام الجديد لا تتعدى أمنيتان، الأولى أن يسيطر العلماء على فيروس كورونا وإيقاف انتشاره ويحظى الجميع باللقاح، والثانية أن يحظى الجميع بنعمتَيْ القناعة والصحة.
وداعا سنة الكورونا، ومرحبا بعام جديد عنوانه المحبة والتسامح وبدون كورونا.
ونقول المجد لله في العلى وعلى الارض السلام والرجاء الصالح لبني البشر.
1251 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع