مهما حاول نوري المالكي وأتباعه في حزب الدعوة الشيعي الطائفي تبرير محاكمة طارق الهاشمي والحكم عليه بالاعدام، فانه سيفشل لا محالة، ليس لان التهم الموجهة الى نائب رئيس الجمهورية مرتبكة وعشوائية ومبالغ بها يستطيع طالب في الصف الاول من كلية الحقوق دحضها وتفنيدها واحدة تلو اخرى، وانما لان طريقة جمعها وترتيب ملفها وكيفية اعتقال العاملين في مكتب الهاشمي ومرافقيه وعددهم ٧٦ معتقلا والتعذيب الذي مورس عليهم، يجعل من الصعب على كل ذي عقل وبصيرة، تصديق القضية من الفها الى يائها،
خصوصا اذا عرفنا ان ملف الاتهام الذي حكم الهاشمي بموجبه هو ذاته الذي حمله المالكي قبل ثلاث سنوات وتحديدا في مطلع عام ٢٠٠٩ الى جلال طالباني الذي اطلع عليه ورقة ورقة وصفحة صفحة على مدى ساعتين ثم أعاده الى حامله مع ابتسامة ذات مغزى ومعنى.
وينقل عن قيادي سابق وقديم في حزب الدعوة يرتبط بصداقة وثيقة مع طالباني منذ سنوات طويلة - ليس ابراهيم الجعفري بالتأكيد - ان رئيس الجمهورية سأله عقب هذه الواقعة مباشرة سؤالا غريبا يتعلق بصحة المالكي وحقيقة تحصيله الدراسي، وما اذا كان قد اصيب بمرض في فترة سابقة، ولما نفى الصديق معرفته بذلك، اطلق طالباني ضحكة مجلجلة قائلا: عجيب أمر (ابواسراء) لو وصل الى عمري كيف ستكون تصرفاته؟
(للمعلومات الفرق بين سني الاثنين ربع قرن بالتمام والكمال).
وواضح تماما ان استفسارات طالباني عن الوضع الصحي للمالكي وتعليقاته عليه يومئذ لم تأت حبا بنائبه الهاشمي وانما حرصا على حليفه المالكي وخشية من سخرية وتهكم الناس على سلوكه الاعوج وممارساته المقرفة، لان طالباني- وهذا ما أثبتته الاحداث- متضامن دائما مع المالكي يؤيده ويدعمه على طول الخط لان المرجعية السياسية العليا للاثنين واحدة ممثلة في المرشد الايراني الاعلى علي خامنئي الذي تصل توجيهاته وتعليمات مكتبه في طهران الى الاثنين في بغداد والسليمانية في توقيت واحد.
وثمة معلومة جديدة تفضح تعاون الاثنين على الهاشمي بدأت تتكشف تفاصيلها في الاوساط القانونية والنيابية في العاصمة العراقية مفادها ان رئيس مجلس القضاء الاعلى مدحت محمود النعل بند سافر الى المانيا يوم الثلاثاء الثاني من الشهر الحالي بشهادة ومشاهدة موظفي مطار بغداد وبطائرة المالكي الخاصة وقابل طالباني المريض هناك واطلعه على قرار حكم اعدام الهاشمي بعد ان اجرى النعل بند بتوجيه من المالكي تغييرات في هيئة المحكمة التي اعترض رئيسها القاضي هاشم الخفاجي الذي ادار جلسات محاكمات الهاشمي السابقة مع زميليه عضوي المحكمة الآخرين القاضيين أحمد الجواري وحسين عبدالرحمن على التهم المسندة الى نائب رئيس الجمهورية لانها في قناعاتهم تفتقر الى الادلة القانونية التي تدينه، وليست هناك أي بينة او اشارة تثبت ضلوعه في اي جناية او جريمة، حتى شهادات مرافقيه وافراد حمايته التي انتزعت منهم خلال التحقيق معهم تم نفيها من قبلهم في المحكمة، مما اضطر رئيس المحكمة القاضي الخفاجي الى مفاتحة رئيس مجلس القضاء الاعلى مدحت محمود النعل بند بحقيقة الموقف القانوني السليم للهاشمي ومصارحته بأن هيئة المحكمة باتت على يقين بأن نائب رئيس الجمهورية بريء تماما باتفاق اعضاء الهيئة، وهنا لعب النعل بند لعبته القذرة - كعادته التي دأب عليها منذ سنوات عمله مستشارا قانونيا في ديوان رئاسة الجمهورية في النظام السابق- حيث كان يكتب التقارير الكيدية ضد زملائه الى اجهزة الامن والمخابرات وقد اطاحت تلك التقارير المختلقة بعدد من القضاة والمدعين العامين المحترمين تمت احالتهم الى التقاعد نتيجة وشايات مدحت محمود النعل بند، فأسرع الى نوري المالكي وابلغه بـ(الكارثة) حسب رأيه طالبا اليه نقل القاضي الخفاجي وتهديد القاضيين احمد الجواري وحسين عبدالرحمن لانه لا يمكن نقل الثلاثة دفعة واحدة وتنكشف اللعبة، وهنا اتخذ المالكي قرارا بنقل رئيس المحكمة القاضي هاشم الخفاجي من محكمة الجنايات الى محكمة الرصافة واوعز الى مكتب مكافحة الارهاب الملحق بمكتب رئيس الحكومة باستدعاء القاضيين الجواري وعبدالرحمن حيث هدد الاثنان بتوجيه تهمة التواطؤ مع الهاشمي اليهما اذا لم يشتركا في ادانته والحكم باعدامه، وحسب المعلومات التي تسربت من اقرباء وذوي القاضيين فان اللواء طالب شغاتي مدير مكتب مكافحة الارهاب وابوعلي البصري المستشار الامني للمالكي أرغما القاضيين الجواري وعبدالرحمن على توقيع تعهد خطي بأنهما سيدينان الهاشمي، وهذا ما حصل بالفعل عندما استبدل رئيس المحكمة القاضي الخفاجي بقاض مبتدئ يدعى بليغ حمدي عمل كاتبا للعدل في محكمة بغداد الجديدة في نهاية التسعينيات وفصل من الوظيفة لسكره وعربدته خلال الدوام الرسمي حينئذ، واعاده النعل بند الى الخدمة عام ٢٠٠٥ باعتباره (مناضلا) ضد العهد السابق الذي اضطهده وطرده من الوظيفة على حد قول مدحت محمود، حيث استدعي هذا القاضي (الخفيف) كما يصفه زملاؤه الى مقابلة المالكي بحضور النعل بند وافهم بما مطلوب منه ووافق بلا نقاش بعد ان خصص رئيس الحكومة دارا له في المنطقة الخضراء واهداه سيارة مصفحة وسيارتين اخريين للحماية مع سائقين وحراس ومرافقين، كل هذا جرى في يوم واحد (الاحد) المصادف الثلاثين من الشهر الماضي.
وبمناسبة ذكر تضامن وتعاون طالباني والمالكي فان الاول الذي يدعي انه لا يصدق على احكام الاعدام التزاما منه بمبادئ ومفاهيم منظمة الاشتراكية الدولية التي تحظر على اعضائها من المسؤولين في الدول اتخاذ او اقرار عقوبة الاعدام، قد تعمد الالتفاف على التزامه المزعوم عندما خول نائبه لشؤون الاعدامات الملا خضير الخزاعي صلاحياته كاملة، وهذه مخالفة قانونية ودستورية سيأتي يوم لا ريب فيه ويحاكم طالباني اذا ظلت له بقية من عمر، اضافة الى الخزاعي والمالكي للجرائم التي اقترفوها والانتهاكات الشنيعة التي ارتكبوها ضد الابرياء.
لقد ثبت بما لا يقبل الشك ان (ابن طويريج) مهووس بتحين الفرص للإيقاع بخصومه السياسيين من الشخصيات ذات السمعة الطيبة والمكانة الموقرة خصوصا اذا كان خصمه سنيا عربيا لعقدة دونية تعشش في اعماق نفسه الامارة بالشر دائما، وهو لا يخفي احقاده السوداء هذه؛ فقد نقل عنه رجل اعمال طفيلي زاره في منزله او قصره بالمنطقة الخضراء وفق موعد مسبق ليلة القدر نهاية رمضان الماضي حيث استبقاه رئيس الحكومة وامضى السهرة معه حتى الفجر، كان فيها المالكي يردد بين حين وآخر دعاء بصوت مسموع يقول فيه : يا ربي مكني من ثلاثة (أمصّ دمهم) عزة الدوري وحارث الضاري وطارق الهاشمي، وبعد ذلك خذ أمانتك.
ويضيف رجل الاعمال- الذي روى هذه الحكاية في اكثر من مكان ومجلس متباهيا بقدرات وعبقرية (صاحبه)- انه هون عليه أمر هؤلاء الثلاثة واراد تسليته واضحاكه على طريقة (اللوكية) التي يعرفها العراقيون، حيث وصف السادة الثلاثة بـ(فرارية) وهي كلمة تطلق شعبيا لاستصغار واحتقار الهاربين من الجيش، غير ان المالكي رد عليه بعصبية وجدية: شوف فلان هذولة الثلاثة ما تعرفهم ، اذا انكتلت (قتلت) فواحد منهم هو قاتلي، لاحظوا كيف يفكر هذا الاحمق وكيف يضخم الامور رغم ان الهاشمي وهذا يسجل عليه كان يتعاطى معه بأخلاقية عالية للأسف، وأذكر لقاء جمعنا هو وانا وصديق مشترك آخر في اسطنبول في صيف عام ٢٠١٠ وقبل تعيينه او اختياره مجددا لنيابة رئيس الجمهورية انني عاتبته لانه قبل سابقا ومستعد حاليا (وقتذاك) للتعاون مع المالكي الذي أراه من وجهة نظري ومصرعليها اليوم وغدا وبعد غد الى ان يموت المالكي ان شاء الله، انه شخص وغد ولئيم وحقود لانه نتاج حزب وضيع خائن وعميل، يكره العراق والعرب ويخدم ايران وامريكا ويرتمي في احضان كل من يفرش له سفرة طعام او يمنحه حفنة دولارات او تومانات، وكان رد الهاشمي وهو المجبول أصلا على الانضباط من سنوات خدمته العسكرية كضابط مرموق واستاذ في كلية الاركان، انه جزء من القائمة العراقية وملتزم بقراراتها.
ولان الهاشمي ابن ناس واسرة (الهاشمي) معروفة بنبلها وجلال قدرها وتضحيات ابنائها عبر التاريخ العراقي والعربي القديم والمعاصر ويكفيها فخرا ان عميدها الكبير هو ياسين الهاشمي الزعيم الوطني العالي الجناب، الذي كان يطلق عليه رحمه الله لقب (بسمارك العرب) لمواقفه القومية وثباته المبدئي، فانه لم يصدق ان المالكي سيكرر مخططه السابق في عام ٢٠٠٩ وسيعيد انتاج مؤامرته القديمة من جديد بعد ان اضاف اليها صفحة جديدة هي تهمة في رأي (ابن طويريج) وتتمثل في حصول الهاشمي على اكثر من (٣٠٠) الف صوت في الانتخابات الاخيرة ، وغاظه اكثر ان أهل الاعظمية البواسل استقبلوا ابنهم الهاشمي وهم يهزجون : اهلا وسهلا بيك.. طارق ابو الغيرة ، ومفردة الغيرة يستخدمها العراقيون للغيارى من الناس وأصحاب الشرف والاخلاق.
واخيرا وليس آخرا ليس مهما ان المالكي أصدر حكم الاعدام على الهاشمي فهذا أمر كان معروفا سلفا، ولكن العبرة في التنفيذ، وقد تنقلب الآية آجلا أو عاجلا (ويصبح المعدوم عادما.. والعادم معدوما) وكل شيء في العراق متوقع للذي يفهمه ويعرفه جيدا، ويكفي طارق الهاشمي شرفا رغم أخطائه السياسية وفي مقدمتها انه شارك وجاور وجالس المالكي الشيعي في الوظيفة والعمل السياسي ، يكفيه شرفا انه لم يكن عميلا لايران او امريكا ولم يسرق ولم يختلس ولم ينصّب اولاده قادة ورؤساء لمافيات النهب والسلب ولم يتحول زوج ابنته الى امبراطور للتهريب والسحت الحرام مثل المدعو (ابومجاهد) ولم تكن له محظيات لا بـ(المتعة) ولا غيرها، بينما اصحاب البيوت المنخورة من فوق الى تحت روائحهم النتنة تزكم الانوف من مسافة مئات والاف الاميال.
1268 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع