كاظم فنجان الحمامي
لقد تعرضنا ونتعرض كل يوم في وطننا وبين أهلنا للنسف والتفجير والتفخيخ, وتعرضنا ونتعرض حتى يومنا هذا للتشريد والتهجير والتهديد والتخويف والخطف, وتعرضنا ونتعرض كل يوم للقتل بالمسدسات الكاتمة والعيارات الطائشة, وتعرضنا ونتعرض كل يوم للذبح بالخناجر المسمومة, لا لشيء إلا لأننا ننتمي إلى العراق.
زرعوا في مدننا بذور الشقاق والتشرذم ليفصلوننا عن بعضنا البعض, وخططوا لتقطيع وطننا إلى أجزاء وأقاليم وحارات متنافرة, ويتعاملون معنا خارج وطننا بقسوة ما بعدها قسوة, لا لشيء إلا لأننا ننتمي إلى العراق.
لقد أرسلوا كلابهم وضباعهم الشريرة ليفرقوننا إلى طوائف وقوميات وفئات ومجاميع, حتى أنهكتنا الأزمات, وصارت المحاصصة الطائفية هي الجدار السياسي العازل بيننا, وهي المعول الذي سيدمرنا ويبعثرنا ويشتتنا ويمزقنا, وصارت الفوضى (الخلاقة) هي الإعصار الذي حمل بذور الشر والخراب. .
من فيكم يصدق ما آلت إليه أحوالنا السيئة هذه الأيام ؟. متى نستيقظ من غفوتنا ونلبي نداء العقل والمنطق ونذود بالدفاع عن وحدتنا الوطنية ؟, اصحوا يا عراقيين وانتبهوا لما ينفذونه على أرضنا وبيننا من فتن ومؤامرات ودسائس تستهدفنا نحن وأولادنا وأطفالنا, وتستهدف ديننا وحضارتنا وإنسانيتنا. .
من فيكم يعرف هوية الذين سقطوا بالأمس القريب في (ساحة سعد) بالبصرة ؟, من فيكم يعرف ديانات ومذاهب الذين سقطوا هذا اليوم في حي الأمين وحي الرشاد ببغداد ؟, من فيكم يميز الجريح السني من الجريح الشيعي, ومن فيهم المسيحي, ومن فيهم الصابئي ؟. من فيكم يعرف عائدية الجسور التي نسفوها والساحات التي خربوها, هل هي من أملاك النجيفي ؟, أم من أملاك المالكي ؟, أم من أملاك القائمة العراقية ؟, أم من أملاك قائمة دولة القانون ؟, أم من أملاك قائمة ائتلاف المواطن ؟, أم من أملاك الصحوة أو النصرة أو الميلشيات الطائفية ؟, أليست هذه أملاكنا وحدنا وأملاك الأجيال العراقية القادمة ؟؟؟. . .
ما كان لعراقي أن يعتدي على أي عراقي لأسباب مذهبية أو عقائدية, فلماذا نقتل بعضنا بعضاً ؟, ولماذا نكره بعضنا بعضاً, أتقتلون أنفسكم بذرائع بالية أكل عليها الدهر وشرب ؟, هل تقتلوننا بالجملة لأحداث ومواقف وقعت في القرن الهجري الأول ؟, هل أنتم تمثلون الامتداد العسكري لحروب ومعارك مضى عليها أكثر من 1400 سنة ؟. .
أي دين هذا الذي يحرضكم ضد بعضكم البعض ؟, أي دين هذا الذي يفرقكم ويبعثركم ويشتتكم ويغرس في قلوبكم الحقد والكراهية, أي دين هذا الذي يحرضكم ضد جيرانكم وزملائكم في العمل؟, أي دين هذا الذي يدعوكم لتخريب بيوتكم ومدارسكم ومساجدكم ومعاملكم وحدائقكم بأيديكم؟. لا يوجد دين واحد في الدنيا كلها يسمح لكم بقتل الناس على الهوية, ولا يوجد دين واحد في الكون يحرض على البغضاء والمنكر وسفك الدماء البريئة, ولا يوجد دين يدعو للتناحر والتنابز, ولا يوجد دين في العالم يدعو جنوده إلى الانتحار بالأحزمة الناسفة بذريعة تناول الغداء في مطاعم الفردوس في الجنة, ولا يوجد دين واحد في العالم يدعو لدفن الأحياء في مقابر جماعية, ولا يوجد دين واحد في العالم يدعو إلى تثقيب جماجم الأحياء بالمزارف الكهربائية, ويدعو لتقطيع أوصالهم بالمقص الهيدروليكي, ويشجعهم على أكل لحوم البشر وهم أحياء, ويدفعهم إلى نهش قلوب الموتى, ونبش قبورهم, وطش رفاتهم. .
لم نكن نفرق بين مسجد أو جامع أو حسينية أو كنيسة أو مندي أو أي معبد, لم نكن نفرق بين جيراننا وزملائنا في المدرسة, لم نكن نعرف الجندي الذي كان يقاتل معنا في خنادق المواجهة فيما إذا كان مسيحيا أو شيعيا أو سنيا أو صابئيا, لم نكن نعرف إن معلمنا في الابتدائية أو الثانوية, أو حتى أستاذنا في الجامعة, إن كان كرديا أو عربيا أو أيزيدياً أو مسلماً أو بلا دين. .
هل أنابيب شبكة مياه الشرب تعلم أنها في طريقها لإرواء بيوت الشيعة أو لسقاية بيوت السنة, هل تعلم بساتين النخيل في البصرة ان الذي يأكل ثمرها سيكون من الشيعة أو من السنة ؟. هل يعترض برتقال ديالى إذا علم انه سيزين موائد الشيعة أو موائد السنة ؟, هل يعرف صاحب الفرن انه يعجن العجين ويخبز الخبز ليطعم الشيعة أو السنة ؟, هل يعرف بائع الفواكه والخضروات انه يبيع بضاعته للسنة فقط أو يبيعها للشيعة أو للمسيحيين, أو للعرب فقط أو للكرد أو للتركمان ؟.
لماذا سمحتم بتراجع صوت العقل, وسمحتم لتجار الحروب والفتن والأزمات بالتسلل إلى ديارنا ؟, ألا تعلمون بأن السياسيين الذين ركبوا موجات الفتن حصانا جامحا يصولون فوق ظهره في غاراتهم المريبة, إلا تعلمون أنهم هم الذين يقودون الآن مجلس النواب وبأيديهم الحل والعقد ؟, وهم الذين وضعوا القوانين والتعليمات, وصادقوا على أحكامها وبنودها ؟, أليس الأولى بكم أن تحتجوا عليهم وتحاسبونهم وتعاتبونهم؟, فكيف ترفعونهم فوق أكتافكم الآن, وكيف توفرون لهم الدعم المطلق, وكأنهم لم يرتكبوا الأخطاء الفادحة, التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة المزرية ؟, أو كأنهم لم يخذلوننا ولم يكونوا طرفا في تفريقنا وتمزيقنا؟. .
لا غبار على أحقية مطالب أهلنا في المدن العراقية كافة, لكننا نعيب على بعض السياسيين الذين تخصصوا بإثارة الناس, وتفننوا في تشجيعهم على العنف الطائفي, ونعيب على الذين يستغلون عواطف الناس, ويتاجرون بآلامهم كلما تفاقمت أزماتهم الشخصية مع خصومهم في السيرك السياسي, ونعيب على الذين يهرعون إلى تأجيج المظاهرات الطائفية المضادة كلما اضطروا لذلك, هذا يتهجم على ما يسمى بالصفويين وعملاء إيران, وهذا يتهجم على ما يسمى بعملاء تركيا وقطر. .
من المعيب على السياسيين أن يتلاعبوا بعواطف الشعب العراقي المتعب المُعَذَّب, لقد جمع الاتحاد الأوربي عشرات القوميات والأجناس والديانات والمذاهب والطوائف, ونجح في ضمهم في باقة واحدة, بينما نجد الأعضاء المتخاصمين في مجلس النواب العراقي, الذين لا يزيد عددهم على بضعة أشخاص, لا يعرفون كيف يتحاورون مع بعضهم البعض, ولا يعرفون كيف ينتشلوننا من أزماتنا المتفاقمة, وينقذوننا من هذه البركانين التي تفجرت فوق رؤوسنا. .
اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك, وتدهور أحوالنا ظاهر لديك, اللهم أحفظ العراق من كل سوء, اللهم أبدل خوفنا أمناً, وضعفنا قوة, اللهم أحفظ العراقيين بحفظك, وآمنهم في بيوتهم, اللهم آمين.
1243 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع