الطاف عبد الحميد
موفق برتبة نائب ضابط من مدينة الموصل ، اب لستة أبناء ، نحن في العام الثاني من الحرب العراقية الايرانية ، استبطأت زوجته وأولاده فترة مكوثه في وحدته ،
الحرب على أشدها والهجمات المتبادلة بين طرفي الحرب لاتهدأ ، تبادل للادوار بين مهاجم ومدافع ومدافع ومهاجم ، مضت مدة شهرين ولم ترد أي معلومة منه تحدد سبب تغيبه ، وهي من الامور التي إعتاد الناس على التعامل معها ، فغالبا مايكون التأخير لايحمل خبرا سارا ، تتجاذبه حالات الحرب الاربعة ، إما أسير ، او مفقود ، أو إستشهد ولم تتمكن وحدته من إخلائه من ميدان المعركة ، أو مصاب أصابة بليغة ، ويرقد في احدى مستشفيات المدن العراقية ، العائلة إنتابها القلق الشديد ، وحل الهم والخوف من المجهول المقبل .. كانت فترات التأخير السابقة يسبقها إخبار منه برسالة أو إخبار شفاهي بواسطة احد أصدقائه من العسكريين ، تبين حالة وحدته ، الانذار ، او إيقاف الاجازات الدورية ،أو التهيئة لهجوم مدبر ، أو توقع هجوم محتمل من قبل العدو ، حالات عسكرية حربية يعرفها كل من اشترك في الحرب الطويلة التي دارت بين طرفي الحرب لثماني سنوات متواصلة ، إستنجدت زوجته بأخيه الكبير حازم لمساعدتهم في تقصي مصير زوجها موفق ، وكان عليه أن يذهب الى البصرة ، حيث توجد وحدته للإستفسار عنه ، حازم شد الرحال الصعب الى البصرة يطوي وقتا ، دقائقه دهور تتضارب افكاره ولاترسوا إلا على حافات الموت أو الاخبار المفجعة ، لابديل لافكاره إلى غيرها ، لاتوقع لخبر اخر ، هكذا خبر العراقيون مثل هذه الحالات الانسانية في مسيرة الحرب المثقلة بالمأسي والفواجع المتقاطرة على سكة الحرب بدون توقف لالتقاط الانفاس ، او إعطاء فرصة للتهادن ، او إيقاف الحرب ، فالحرب نالت بإمتياز اممي لقب الحرب المنسية ، والحرب الاكثر دموية في العصر الحديث بعد الحربين العالميتين ، حازم وصل الى البصرة بعد رحلة الالف كيلومتر ، يقول حازم إستذكرت في رحلتي الاليمة ماو وحكمته (طريق الالف ميل يبدأ بخطوة )، لكن الخطوات التي قطعتها لاتتطابق مع حكمة ماو اللعين ، ففي الحرب سيصل المتحاربون الى النهاية ولكنها ستكون حمراء فوق ارض مخضبة بالدماء وتتناثر عليها الاشلاء ..في وحدته أستقبل حازم من قبل أمر موفق في الخطوط الامامية ، اشاد الامر بسلوكيات وبطولات موفق ، وأخبره أنهم لايعرفون شيئا مؤكدا عن مصيره ، الا أن المراتب الذين كانوا معه ، قالوا انهم فقدوا اثره عند إحتلال الموضع الدفاعي من قبل الايرانيين ، فهناك احتمال إستشهاده ، او أسره وارد ولاخيار ثالث ، وقد ثبتت حالته وتوصيفه بصفة مفقود ، نظرا لعدم مشاهدة جثته من قبلنا عند إسترجاعنا للمواضع التي فقدناها في اليوم التالي ، وهذا يرجح كونه أسير أكثر إحتمالا ، إن لم يجري إعدامه من قبل العدو كما جرى في حالات حربية مماثلة كثيرة ، والله أعلم بمصيره ..
عاد حازم برحلة الالف كيلومتر يطوي المسافات ، عائدا الى الموصل ، وأخبر زوجته وأولاده بفقدانه في المعركة ، وكل ماعليهم الدعاء له بأن يكون من ضمن من أسروا في المعركة ، بإنتظار الامل بنهاية الحرب وتبادل الاسرى بين الدولتين المتحاربتين ... تسمر الامر على ماهو عليه ، فالحرب جانبت المنحى الانساني من قبل الايرانيين فيما يخص الاسرى وأخذت تخفي أسماءهم وأعدادهم على هيئة الصليب الاحمر الدولي المتخصصة بامور الاسرى بين الطرفين ، وشكل ذلك ضغطا إنسانيا غير رحيم على عوائلهم الباحثة عن رجاء وأمل قد تأتي به قابل الايام ، توالت السنين والحرب أصبحت مشابهة للحالة الملازمة للواقع المعاش لامفر منها الى غيرها فالسلام لايبدوا لناظره قريب ، والمأسي تتسلسل لتسيح على كل بيوتات العراقيين لاتستثني احدا ...إنتهت الحرب في العام 1988 كما هو معلوم للجميع ، وأبتهجت الناس بنهايتها وتنبأ الناس بولوجهم عصر السلام الطويل الناتج عن الحرب الطويلة ، هكذا تقول أدبيات الحروب ، بأن الحرب الطويلة تؤدي الى سلام طويل ، عاد قسم من الاسرى ، وتطلب ذلك من عائلته إستقصاء كل عائد من الاسر ، للإستفسار منه علهم يجدون شيئا يثبت أنه أسير وذلك بدلق اوصافه وإسمه ... لاجدوى من جهدهم المبذول ، نحن في العام 2003 ونذر الحرب مع الامريكان تلوح للعيان ، اعداد من الاسرى تعود الى العراق من خلال تبادل واسع للاسرى بين الطرفين ، رسالة من الصليب الاحمر الى ذوي موفق تصل ، تخبرهم انه أسير وانه على قيد الحياة وانه سيكون ضمن وجبات التبادل تباعا ... قرابة عشرون سنة أسر ومعاناة ستنتهي ، الاسرى يصلون تباعا ، لكن موفق لم يكن من ضمنهم ، عملية التبادل تسير نحو الاضمحلال ، لم يتبقى أحد ، هكذا يقول الايرانيين ، لكن رسالة من الصليب الاحمر تخبرهم بانه سيعود خلال الشهرالقادم ، وصل موفق في نهاية المطاف الى ذويه في تابوت ، موفق توفي في فترة تبادل الاسرى التي إستغرقت طويلا ، الوفاة قيل عنها طبيعية ، ليس هذا مايهمنا ، فإن كانت طبيعية ، فهو ميت وإن لم تكن فهو ميت وشهيد أيضا ، في مجلس العزاء الذي اقيم في خيمة كبيرة ، تواجد أحد الحاضرين من زملائه الاسرى الذين عادوا من الاسر قبل شهرين ضمن المعزين وعرف بنفسه مواسيا واخبر ذويه بقصة موفق الغريبة ، قال لهم :
كانوا يقرأون اسماء الذين سيعودون الى العراق قبل يوم اويومين ، ولكن يتم إستبعاده من التبادل في كل مرة ، حيث كان الايرانيون يقولون له أنت إبن رئيس الجمهورية السابق ( احمد حسن البكر) !!
النائب الضابط موفق لم يكن إبن رئيس الجمهورية احمد حسن البكر بالتأكيد ، كان يقول لهم ذلك لكنهم لم يصدقوه ، وكان يكرر لهم أنا نائب ضابط من الموصل كيف اكون إبن الرئيس ، لاتحتار فيما تسمع السبب كان إسم موفق الكامل هو (موفق أحمد حسن البكر ) ، تشابه غريب ونادر بالاسماء ، هذا ماكان ... بقي أن أقول لمن يقرا هذه القصة المأساوية ، انها قصة حقيقية لم أسمعها من أحد ، لأن المدعو موفق أحمد حسن البكر ، هو عم زوجتي والاحداث المروية لكم هي الاحداث التي حدثت .
1310 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع