القس لوسيان جميل
مقاربة بين صلاة المسيحيين وصلاة المسلمين / ج1
نص صلاة المسيحيين: ما هي الصلاة الربانية؟ الجواب ان الصلاة الربانية هي الصلاة التي نجدها في انجيل متى حيث يقول الانجيل بأن يسوع قام بتعليم هذه الصلاة لتلاميذه: متى 6:9-13 و لوقا 11:2-4 يقول نص الصلاة الموجودة في متى: صلوا انتم هكذا:
أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا اعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن ايضا للمذنبين الينا، ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير، ويضيف طقس المشرق:لأن لك الملك والقوة والمجد الى الأبد آمين.
صلاة المسلمين: لا يكلف الله نفسا الا وسعها.ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا،ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به،واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. ( ملاحظة: ان عبارة ان نسينا السريانية ) تعني اذا جُربنا- او اذا سقطنا في تجربة، او حتى اذا حدث لنا ميل نحو تجربة منحرفة.
التعليق: مما لا شك فيه ان النصوص الكتابية، ومنها نص هذه الصلاة، يحترمها كاتب المقاربة بين صلاة المسيحيين وصلاة المسلمين ويعدها نصوصا مقدسة. كما يحترمها رؤساء المسيحيين الكنسيين، المفكرون منهم وغير المفكرين.هذا، ومما هو معروف ان من جاء قبلنا كان احترامهم للنصوص الكتابية احتراما حرفيا، لأنهم لم تكن لديهم اية ثقافة علمية وحضارية كان يمكنها ان تخرجهم من حرفيتهم في قراء كتبهم المقدسة، ولاسيما في الأرياف المسيحية حيث كانت كل حياة الناس حياة شرائعية مبنية على توجيه رؤسائهم الروحيين الذين كانوا بدورهم بدون ثقافة حضارية كافية في اغلبهم. ولذلك كان الرؤساء، قسسا واساقفة يعدون من يحرج عن تعليمهم بمثابة غير مؤمن. وعليه ارى ان صعوبة مقارنتنا هذه تكمن في عدم وجود ثقافة حضارية عند المسيحي او عند المسلم من الشعب الاعتيادي حتى يومننا هذا، بدلالة ان السلفية المسيحية بأساقفتها وقسسها كانت تضطهد كل من يفكر في الأمور الدينية والكنسية تفكيرا علميا، مهما كان هذا التفكرير قويا ومبنيا على براهين حضارية ثابتة.
هنا اقدم لقرائي الأعزاء برهانا واحدا يفند السلفية ويحطم غرورها ويرد كيدها الى نحرها. فقد يعلم بعض المتتبعين لأمور كوكل ان محرك البحث هذا يجمع محتوى كتابات الكتاب لكي يستفيد منها لبعض اغراضه، ربما الاحصائية وغيرها. الا ان محرك البحث هذا له عادة بمناسبة تأسيسه هي ان يكرم احدى الشخصيات المهمة في المجتمع كل سنة. اعتقد في العام2019 او 2020 كان التكريم من نصيبي. وهذا نصه:
+ كوكل
القس لوسيان جميل-حزمة مقالات كنسية/ مقال المدخل/ تلكيف محافظة نينوى العراق.
هو ذلك القس لوسيان الذي كنت اعرفه: قسا مرتبا ومجدا ومنفتحا على افكار العالم ومستجداته ومستعدا لتجديد كنيسته.
أواصل الكتابة عن المقاربة بين صلاة المسيحيين وصلاة المسلمين.
القراءة الخاطئة لكتبنا المقددسة:
+ اتذكر انه في احد الأيام زار كنيستنا احد الأشخاص المثقفين جدا من اخوتنا الأرمن، لكنه، كما ظهر لي انه لم يكن مثقفا من حيث تفسير الكتب المقدسة. غير ان الأخ الأرمني المذكور اجابني على الفور: انا مستعد للحوار في القضايا العلمية، لكني ارفض استخدام العلم في فهم كتبنا المقدسة. فقلت له: انا ايضا بهذا لا اوافقك، وانهينا الكلام بالموضوع. وتحولنا الى موضوع آخر. غير اني الآن افهم ذلك الشخص الأرمني الذي اضطهدت طائفته في ارمينيا وهُجر الأرمن تهجيرا قسريا في جهات الدنيا الأربع. ولذلك فان موقف ذلك الأرمني من استخدام العلم في شرح الكتاب المقدس كان موقفا " اجتماعيا بشكل عام ( سوسيولوجي ) بمعنى ان موقفه ذاك كانت تبرره اسباب سياسية واجتماعية معينة، كما في حالة اخرى من الأخوات والاخوة الذين التقيت بهم عندما كنت في تلكيف.
غير ان هذا التفسير الاجتماعي لنفور المسيحيين في زمان سابق من المسلمين كان يأتي لأسباب اجتماعية ايضا، حيث كان المسيحيون يهربون من الجاندرمة الأتراك الذين كانوا يسوقون المسيحيين الى الخدمة العسكرية القسرية. فعندما كان الجاندرمة يأتون الى تلكيف كان الرجال يختبئون وتبقى النساء وحدهن في البيت. علما بأنني اتذكر ان احد رجال تلكيف سيق الى الخدمة العسكرية من قبل الأتراك، لكنه لم يعد.
هذا ويمكننا ان نذكر حالة شبيهة عند المسيحيين بعد سقوط البعث واعدام الشهيد صدام حسين، رحمه الله. ففي مدينة الموصل، ثم في قضاء تلكيف والقرى والنواحي الأخرى في المنطقة، عمل داعش عملا ارهابيا كبيرا، ثم اكملت القاعدة حالة اذية المسيحيين، فقتل الشهيد المطران فرج رحو والقس بولس وغيرهم، ثم خطفوا عدة قسس من اجل ان يحصلوا فدية كبيرة منهم، لا بل وصل حال المسيحيين الى الحد الذي فيه خطفوا البنات اللواتي كان ذووهن ميسورين. علما ان الخطف والقتل كان قد اصبح شيئا طبيعيا، الأمر الذي جعل المسيحيين يهربون من الموصل والبلدات التابعة لها، سواء الى خارج العراق ام الى كردستان. هذا، ووفق ظني، او علمي ان جماعة القاعدة هي التي كانت تحرض المسلمين بقولها:ان بيوت المسيحيين حلال لكم، فلا تشتروا بيوتهم لأنكم سوف تستولون عليها مجانا. غير ان تلك الجماعات كانت على وهم كبير، كما صار معروفا، يعني ان جرائم تلك الجماعات لم تفدهم بقدر ما كانوا يتمنون.
اما ما يشبه داعش او القاعدة او يماثلها عند اخوتنا الشيعة فهم الطائفيون الذين استولوا على بيوت المسيحيين الفاخرة في بغداد، بعد تسيدهم الطائفي هناك في اعقاب سقوط بغداد بيد المتوحش الأمريكي السيد بوش، بوش هذا الذي اتفق الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي على سحب تخويل احتلال العراق منه، بأثر رجعي، والذي كان الجمهوريون قد اعطوه له، حيث في نهاية الأمر لا يصح الا الصح. ولكن نقول من جانبنا: وما الفائدة لنا نحن العراقيين بعد خراب البصرة، كما يقول المثل.
+ بعد هذا الاستطراد اقول: ارجو من الإخوة المسيحيين والإخوة المسلمين ان يعلموا ان القس لوسيان جميل لم يفكر يوما من الأيام ان يقارن بين الأديان لغرض تعلية دين على دين آخر، سواء بغرض جدال عنصري او حتى لغرض دراسي، لأن مثل هذه الدراسة ليست من اختصاصي. كما ان ما سبق من مقالات ضد المحتلين من خلال 85 مقالا اغلبها على موقع كتاب عراقيون من اجل الحرية يشهد بذلك.ناهيك عن ان ما كنت قد كتبته لم يأت من مجاملة، لا للمسيحيين ولا للمسلمين، ولذلك كانت تلك المقالات قد نالت تأييدا من الإخوة المسيحيين، ولكن ذلك التأييد كان قد جاء في اغلبه من الاخوة المسلمين. هذا، مع العلم ان ما اضعه هنا من مقاربة ومن تعليق قد جاء قبل مجيء البابا فرنسيس الى العراق بعدة سنوات. غير اننا مع ذلك لم نستغرب ابدا من البابا قوله لأهالي قره قوش بأن هذا التأييد لم يأتني من المسيحيين فقط، بل جاء من جميع المسلمين الحضور في هذا الاحتفال، وفي بغداد وفي الناصرية، وفي كل مكان مررت به. فهل يقترب خطابي القديم مع خطاب البابا بولس، في حين ان ذلك الخطاب كان قد حدث قبل صعود البابا بولس على عرش البابوية بزمن طويل؟ يبدو ان الجواب الطبيعي هو نعم. شخصيا اعتقد ان التماثل بين البابا فرنسيس وبيني قد صار معلوما لكل من عرفني في تلكيف قبل انتخاب البابا بولس بسنوات عديدة. فهل نتشابه في طبيعنا المعطاءة، وهل نحن الإثنين قبلنا ان نكون رجالا مأكولين؟ اعتقد هنا يكمن سر لقائنا.
+ غير ان سر لقائنا المجيد يصعد الى حقائق اخرى مهمة جدا، هي لقاؤنا حول ما يسمى " لاهوت التحرير " الذي كان متناقضا مع فكر وعمل الماركسيين. فالبابا فرنسيس كان حقا منتميا وعن قرب الى لاهوت التحرير لأنه هو نفسه يعود الى الأرجنتين، اما القس لوسيان فقد كان يعود الى هذا اللاهوت عن بعد، اي عن طريق المجلات الاعلامية الفرنسية وعن طريق السيد بيتر يوسف الذي كان من اهالي تلكيف وكان قد شغل منصب سفير في امكنة عدة ومنها الهند والأرجنتين، حيث كان قد صدر له كتاب عن امريكا الجنوبية بعنوان: امريكا الجنوبية قارة الجوع والفقر. فالسيد بيتر يوسف هذا كنت قد تعرفت عليه في تلكيف، لأن اخته كانت من خورنتنا. بعد لقاءاتي الأولى معه كنت قد تنبأت له بأنه سوف يؤمن، وفي لقاء آخر معه في بغداد قال لي: ان ما قد تنبأت به عني من اني سوف اؤمن، قد حصل فعلا. غير اني اعتقد ان الفضل بذلك لا يعود كله لي، بل كان يعود ايضا لحالته النفسية بعد فشل الشيوعية وفشل الماركسية الصينية بشكل عام، في هذا الباب لي كلام رائع وعاطفي جدا مع هذا الشخص الذي كان علي ان اهذب ايمانه الجديد وأوجهه التوجيه العلمي الحسن. ولكن لا يمكنني الاستطالة في مقالي هذا عن المقاربة بين صلاة المسيحيين وصلاة المسلمين.
+ واذن ليطمئن جميع الإخوة والأخوات الذين سيقرؤون مقالتي هذه، من ان مقاربتي هي فقط للاشارة الى النقاط المشتركة بين صلاة الاخوة المسيحيين وصلاة الإخوة المسلمين. مع رغبتي الأكيدة في ان يكون تقارب النصوص سبيلا الى تقارب الأرواح ايضا.
من جهة اخرى، ارى ان اعترف بتواضع بأني كنت قد نشرت بين ابناء تلكيف وغير تلكيف افكاري المستندة الى العلم لكي اتكلم في جميع المواضيع المهمة لانسان ذلك الزمن بعلمية، وأيضا يأتي هذا الاعتراف او بالأحرى الإخبار من اجل ان يعلم جميع من يقرأ مقاربتي بين صلاة المسيحيين وصلاة المسلمين انها تأتي من خلال العلمية نفسها، لأن اسس العلمية واحدة لا يمكن ان تتجزأ. علما ان كثيرا من توجيهاتي العلمية قد دونتها وحفظتها الى يومنا هذا، مثل محاضراتي الكثيرة في تلكيف وغير تلكيف في مواضيع شتى تنويرية، ومثل مواعظي الكثيرة جدا في الكنيسة وفي اخوة الرهبنة الثالثة العلمانية، ومثل الندوات التي كنت قد وضعتها من اجل تنوير فئات عديدة من الشعب، ولاسيما فئة الشباب والكهول. ومثل رعايتي الأخوية المريمية، واقامة السهرات الانجيلية وتعليم الفلسفة في الدورة اللاهوتية في الموصل، والمنتدى اللاهوتي الذي صممناه، القس لويس ساكو وانا، والذي كنت احضر جميع جلساته دون ان يحضر معنا اي قس آخر, كما لا انسى بأني اعطيت محاضرات اكثر من مرة للأخوات الراهبات اللواتي كن يجتمعن في احدى المناطق. علما ان هذه الندوات جاءت بعد ان مُنعنا من عمل الأخوية المريمية، حيث ان من يريد ان يعمل لابد ان يجد وسيلة تعويضية عن الأمور الممنوعة. علما بأني كنت قد اعطيت فرقة من الأخوية المريمية لكاهن آخر بسبب زيادة عدد الفرق. وفي وقتي ايضا قام قسيس آخر معي في تلكيف في تأليف ندوة للعمال وللقصابين ولأهل المهن.
وهنا لابد ان اذكر ان التبشير بالعلمية والتنوير لابد ان يصاحبه تأليف كتب تنويرية ايضا. حينئذ كان قد جاء تأليفي لكتابين لاهوتيين معاصرين في محلهما تماما، فضلا عن كتب التعليم المسيحي التثقيفية التي اشترك معي الأب مانوئيل بوجي بهمة ونشاط في التأليف والرسم. كما كنت قد اخذت عادة ان اكتب على الرونيو مقالات نقدية وتنويرية لرؤساء الكنيسة، اتذكر ان عنوان احداها كان ضربة تحت الحزام، كنت قد كتبتها على جهاز الرونيو، عندما كان البطريرك روفائيل بيداويذ قد اقال لويس ساكو من ادارة المعهد الكهنوتي البطريركي. ثم ان البطريرك روفائيل بيداويذ هو نفسه قد رسم لويس ساكو مطرانا، بسبب قرب احدهما للآخر عنصريا والصداقة التي كانت موجودة بين العائلتين. علما بأن ضربة تحت الحزام لم تكن الوحيدة التي كتبتها على جهاز الرونيو وجهاز الاستنساخ، من اظهار سلفية الكنيسة ودكتاتوريتها وتعاليها على المؤمنين والقسس على السواء. وهنا اذكر فقط انني عندما كنت التقي مع بعض القسس ولاسيما من اخوتي السريان كان يقول لي احدهم: ماذا كتبت هذه الأيام. ثم في اجتماع موسع جمع كناسنا في المنطقة، كان الموضوع قد دار حول تثقيف القسس لذاتهم وحول اهتمامهم في التثقيف الذاتي. واذا بسيدنا جرجيس القس موسى، عند القائه كلمته بموضوع مواصلة القسس تثقيب انفسهم، يرفع عينه تجاهي ويقول: لو لم يكن القس لوسيان مداوما على تثقيف ذاته ما كان يمكنه ان يتحفنا بمثل المقال الذي اتحفنا به.
اما المقالات التي كنت قد كتبتها على مدونة كتاب عراقيون من اجل الحرية فكانت اكثر من 85 مقالة، حيث كانت غايتها فضح المحتلين الأمريكان ونواياهم الخبيثة.
+ ثم اعود الى كتبي. فقد كان كتابي الأول بعنوان: كيف نتكلم عن الله اليوم، منهجية ولاهوت خارج الأسوار. هذا الكتاب الذي قيمه المرحوم كميل حشيمه اليسوعي وقال عنه في نهاية كل ما قاله: هذا الكتاب الكبير في حجمه كبير في قدره ايضا.اما الكتاب الثاني الذي طبع ايضا فعنوانه: وجه الله، لاهوت خارج الأسوار، هذا العنوان الذي كان عبارة عن مقال بهذا الإسم طورته حتى صار كتابا بصفحات مناسبة. هذا الكتاب طبعته قبل كتابي الكبير كيف نتكلم عن الله، لأنه كان اصغر حجما واسهل للإعداد. ان هذا الكتاب كنت قد اعطيته لصديقي المرحوم " ابو ايمن " ثم كنت قد اعطيته كتابي الكبير: كيف نتكلم عن الله اليوم. في احد الأيام خابرت صديقي المرحوم ابو ايمن وقلت له: هل تريد ان ارسل لك نسخة اخرى من كتاب كيف نتكلم عن الله اليوم. قال لي لا عندي هذا الكتاب، لكن ارسل لي كتاب وجه الله لأن احد اصدقائي طلبه مني: فلما طالبته به قال لي: لن اعيد لك هذا الكتاب لأن هذا الكتاب ليس له مثيل. فقلت له: لا تهتم سوف ارسل لك هذا الكتاب. علما بأني عملت محاضرة في المنتدى اللاهوتي بعنوان وجه الله، من منظور علمي امام حوالي 200 حضور استحسنوا المحاضرة. في حين كان الى جانبي الأخ المرحوم ابو ايمن، وقدم محاضرته بعدي عن وجه الله استنادا الى القرآن الكريم. علما بأن هذين الكتابين كانا قد طبعا في عينكاوا مجانا، ولذلك انا ايضا كنت قد وزعتهما مجانا لمن طلبهما. اما اليوم وانا في دهوك؟ فقد انتهيت من تأليف كتابين مهمين- عنوان الكتاب الأول هو كيف نتكلم عن الانسان اليوم وعنوان الكتاب الثاني هو: قواعد انثروبولوجية لظهور الروح وتطوره وارتقائه. فكرة الكتابين الأساسية هي لاهوت معاصر خارج الأسوار ايضا.
واذن اليوم وفي مقال المقاربة بين الصلاة الربية المسيحية وصلاة المسلمين، هل يمكنني ان ازيغ في مقاربتي هذه عن العلمية الحضارية؟ اقول بالتأكيد لا استطيع، لأني لو كنت اعرف بأني سأزيغ عن علميتي وعن محبتي للجميع ما كنت اكتب ما اكتبه الآن.املي ان يفهم منهجيتي هذه اخوتي المسيحيون واخوتي المسلمون. اما من لا يستطيع ان يوافقني على منهجيتي هذه، فهو حر في فهمه للعلاقة بين الله والانسان، شرط ان لا يحاول تكفيري، وشرط ان يبرهن بامكانية وجود علاقة بين المقدس ( الله ) وبين البشر، من طرف الله نفسه ومن طرف الانسان. اما مقولة الايمان في الأمور الموضوعية فهي البرهان لمن لا برهان له، كما قد قيل سابقا، اذ ان قبول المستحيل والمتناقض مع العقل السليم ليس غير عملية تكفيرية مستندة على العنف. وهنا قد يقال ان الانجيل المقدس والقران الكريم لا يخطئآن، ونقول: نعم اذا كنا نحن قد فهمنا فهما صحيحا نصوص الانجيل المقدس والقرآن الكريم، واذا لم نكن نحن نقوّل الانجيل والقرآن ما نريده نحن، وليس ما هو بالحقيقة. واذن لتقل السلفية المسيحية والاسلامية في هذه المسألة ما يحلو لها ونحن لن نحاول تكفيرهم، لكننا نعرف اننا لا نصرح بأي كلام سوى بالكلام الذي يظهر لنا انه الكلام الصحيح من خلال العلوم المناسبة. هذا، مع العلم اننا نستخدم ما يسمى الحقيقة الرومانسية في فهم النصوص المقدسة. اما الحقيقة الرومانسية فتعني ان النصوص المرئية تساعدنا على فهم معاني النصوص غير المرئية بشكل صحيح. الرومانسية لا تعني العاطفية لكنها تعني القصة. فالممثلون مثلا ليس عليهم غير الأداء الحسن لأدوارهم، اما في ما يريدون ان يقولوه للمشاهد، فهو خارج التمثيل المرئي. هذه هي الرومانسية التي تطبق على جميع النصوص التي لا تقبل السرد المباشر التلقيني، وتفهم على شكل قصة او تمثيلية التي فيها ظاهرها يدل على معنى باطنها الخفي الذي يحتاج من الانسان ان يستخدم عقله ومشاعره لكي يكتشف عمق معاني النصوص المقدسة ومعاني الشعر مثلا ومعاني القصص، حتى القصص الكارتونية. هذه هي الرومانسية.
بعد هذا نقول ايضا: ان منهجنا العلمي السابق الذكر، قد قمنا بتطبيقه في مسألة العبادات والأصوام في بداية الأمر في كنيسة تلكيف، ونجحنا في ذلك ولم يعارضنا احد سوى بعض العجائز المريضات نفسيا. اما في المسائل الحيوية الأخرى كالمسائل الايمانية والثقافية والحضارية فان مقالاتي الكثيرة جدا في تلكيف وفي غير تلكيف، ولكافة الأعمار والثقافات، كانت كفيلة بأن تنقل الشعب المسيحي ولاسيما المثقفين منهم الى قراءة ايمانهم قراءة علمية واضحة. مع قولنا بأننا لم نكن نتمتع بعصمة كاملة في كل ما كنا نقوله ونعمله، ولاسيما في التفاصيل. لكن نرى ايضا ان تلك المقالات كانت مطلوبة من كثيرين.
+ بعد هذا الكلام نعبر الى قضية اخرى مهمة في هذه المقاربة. فعندما ذهبت لأول مرة الى تلكيف بعد خروج داعش وبعد ان عمل داعش والعرب المسلمون هناك في بيتي وفي كنيستي تخريبا واهانة ما بعدها اهانة، وجدت الحالة المزرية التي كانت قد وصلت اليها الكنيسة، والحالة المزرية التي كان بيتي ايضا قد وصل اليه، بعد ان نهبت العشائر العربية كل موجودات بيتي وتركوه على البلاطة، كما يقال، انا الذي كنت احسب ان العرب المسلمين لن يقتربوا من بيتي، وبالتالي لن يقتربوا من الكنيسة، نظرا للصداقة التي كانت بيننا.
+ ولكن هل احقد عليهم وانتقم منهم عندما تواتيني الفرصة؟ واقول بصراحة: الفرصة قد واتتني بعد مجيء السيد بايدن الى حكم امريكا. ولكن انا مالي والسيد بايدن وما يفعله او لا يفعله بالعشائر العربية. فأنا ابن مخلص لكنيستي ولذاتي الطيبة في جوهرها ولايماني. ولذلك ليس بيدي، من جهتي الشخصية سوى ان اعفو من كل قلبي بحسب طلب السيد المسيح عندما كان على الصليب، قبل ان يسلم الروح بقوله: يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. لذلك نرى البابا بولس يقول: ان المحبة تغلب على ضعف البشر. هذا مع اني شخصيا كنت ميالا الى المغفرة بحسب قول السيد المسيح، حتى قبل ان يجلس البابا بولس على العرش البابوية. تماما كما كنت قد طبقت وصايا البابا في مسألة الغاء قوائم اجور الخدمات الطقسية الدينية. كما كنت قد حققت في تلكيف ضمان حياة كريمة للقسس حيث كان المفروض بالكنيسة ان تعطي مخصصات للقسس لكي يتخلصوا من حالة التسول والعيش على الحسنات التي كانت مسببة لكثير من الشكوك.
بهذا الصدد احكي لكم عن واقعة حدثت لي يوما. فقد كنت قد ذهبت الى السوق لشراء باكيت او شدة من السفن اب والفانتا. ولكن بما اني ليس لي مكان في ثلاجتي قلت للبائع: بأن يعطني شدة واحدة نصفها سفن ونصفها الأخر فانتا، فرفض البائع ذلك وقال خذ شدتين. في الطرف المقابل من ذلك الشارع السكني الضيق الذي كان قد تحول الى سوق كان بائع آخر يلاحظ امتعاضي فاقترب مني قليلا واستفسر مني عن الأمر. فقلت له ما جرى لي مع البائع الأول. فقال وهو يبتسم: لا عليك يا ابونا! ان من لا يعرفك يجهلك! ترى اليس هذا القول كقول السيد المسيح عندما كان معلقا على الصليب قبل ان يسلم الروح حين قال: يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون!!
+ واذن بهذا القول اعلاه ابدأ مقاربتي بين صلاة المسيحيين وصلاة المسلمين وهي مقاربة واضحة لكل من يرى الأمور بالشكل العلمي الذي اراه. بهذا الصدد، وفيما يخص صلاة المسيحيين اتذكر اني كنت قد قرأت تعليقا عن الصلاة الربانية بأن هذه الصلاة هي صلاة اليهود، او صلاة العهد القديم بامتياز. من جهتي اقول: فعلا ان هذه الصلاة هي صلاة يهودية.
688 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع