انعام كجة جي
هناك طرفة من أيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية والستار الحديدي، عن زائر رأى تمثالا نصفيا للينين في برلين الشرقية، فسأل الدليل السياحي عن سبب الاكتفاء بمنحوتة نصفية، بدل عمل تمثال بكامل القامة للزعيم الفذ. وأجاب الدليل: «لو عملنا له ساقين لركض هاربا إلى الغربية».
تذكرت الحكاية حين قرأت، قبل فترة، خبرا في إحدى الصحف الإلكترونية عن نية الجهات الثقافية العراقية تكريم الفنانة هناء عبد الله، بإقامة تمثال نصفي لها، على أن يوضع في الباحة الأمامية للمسرح الوطني. وقد أسعدني الخبر حيث إنني احتفظت به في خزانتي الإلكترونية. إن السيدة هناء، أشهر فنانات الفرقة القومية للفنون الشعبية على مدى 40 عاما، تستحق هذا التكريم وأكثر. وقد قالت في المقابلة التي نشرتها الصحيفة معها إنها ما زالت تصمم الرقصات للفرقة القومية، وتصعد إلى المسرح لتؤدي، على الرغم من اعتزالها ، لو تطلب الأمر. كما اشتكت من أن «الفن مهمش بشكل عام»، وقد أعطت للفرقة القومية كل شيء، لكنها ما زالت لا تملك بيتا، بل تعيش بالإيجار ومهددة في أي لحظة. هل تعرفون راقصة عربية لا تملك الشقق والمنازل؟
ليس هذا مقصد الكلام. إن هناء عبد الله لن تهرب من بغداد الشرقية إلى بغداد الغربية. وبهذا، يأتي السؤال عن سبب الاكتفاء بتمثال نصفي لها. أي نصف منهما؟ قد يكون هز الرقبة أو تحريك الكتفين والرفرفة بالذراعين من أساسيات الرقص، لكن الحركة لا تكتمل من دون ساقين وقدمين تخطران على المسرح في إيقاعات نابضة، أين منها خطوات هريرة، حبيبة الشاعر الأعشى، التي تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل.. والركب مرتحل.
تصوروا تمثالا للخطاط البغدادي ابن البواب من دون قصبة بين أنامله. أو للمغامر عباس بن فرناس من دون جناحين. إن أي تمثال نصفي لراقصة العراق الأولى سيبقى نصف تكريم، ولن يعبر عن هناء عبد الله ولا عن أوقات السعادة التي قدمتها لجمهورها حين كانت بغداد تغني وترقص وتنحت الأساطير، يوم أبدع النحات محمد غني حكمت تصوير انحناءة الجارية كهرمانة، وهي تصب الزيت الحامي على الجرار التي اختبأ فيها الـ40 لصا.
الزميل الذي أورد الخبر وصف بادرة نصب تمثال لراقصة بأنها تحدث في العراق للمرة الأولى منذ 4 آلاف سنة. وقد دبت الهمة في أوصال المسؤولين، بعد أن كرمت دولة السويد راقصتنا هناء عبد الله. كما حدد الخبر اسم النحات الذي باشر العمل. وها قد مرت سنة ونحن في انتظار تحقيق الوعد، ونخشى أن يكون أعداء السعادة قد عرقلوا المشروع.
إن كهرمانة ما زالت واقفة في الساحة التي تحمل اسمها، في بغداد، لكن «الحرامية» لا يرعوون.
1095 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع