النداف .. المهنه التي تكاد ان تنقرض

                                          

                        عبدالكريم الحسيني

كانت المحلات البغداديه في فترة الاربعينات والخمسينات وحتى الستينات لاتخلوا من مهن ومحلات تعتبر اساسيه لكل محله مثل:

البقال , الحلاق , العطار , الجزار , النجار , التتنجي , النداف , الخباز , الطرشجي , المكوجي , المقهى , بائع الثلج , البايسكلجي , الركاع , الكبابجي , ابو الفشافيش , ابو الدوندرمه الباججي , وغيرها حيث تعتبر هذه من الامور الاساسيه في كل محلة يتطلب تواجدها لخدمة الناس وحسب حاجتهم ..

                   

                                             المتحف البغدادي

ومن المهن التي تكاد ان تغادرنا كغيرها بعد التطور الكبير الذي حصل في كافة المجالات هي مهنة ( الندافه ) التي لاتزال في ايامها الاخيره بسبب اصرار بعض البيوت على استخدام المفروشات القطنيه والتي يكون للنداف دورا فيها ومنها جهاز العروس وجهاز الوليد وتجديد الفراش حسب الحاجه .. الكثير من العوائل ترفض الحداثه في هذا المجال وتصر على بقاء القديم حاضرا في افرشتها وهو الامر الذي يستدعي بقاء بعض اصحاب المهنه من العمل بالرغم من عدم وجود مردود مادي مناسب او حتى يكفي لتلبية احتياجات العمل ..

  

كانت مهنة الندافة مهمه بالرغم من البداءه في تجهيزاتها من آلة الندف ( الندافه ) وهي على شكل قوس خشبي ووتر ومطرقه خشبيه يضرب بها النداف على الوتر الغارق في القطن المكبوس نتيجة الاستخدام ليعيد له انتفاشه وليعيد الافرشه الى مظهرها الجديد ,, وكانت العمليه ليست بالسهله فأن عمليه خياطة جهاز للعروس او للوليد او تجديد فراش البيت تحتاج الى ان تتفرغ ربة البيت لهذه العمليه بعد استحضارات اهمها شراء الاقمشه الازمه ( وجه اللحاف . شلتة الدواشك , شلتة المخاديد , الشراشف ) وبعد عدة اسئله ومراجعات مع النداف للقرار على الانواع والقياسات قبل شراء الاقمشه ,,

يتم الاتفاق على موعد يحضر فيه النداف الى البيت مع اجهزته ومنها ماذكرنا اعلاه اضافة الى الميزان الهوائي (ميزان يعلق على الكتف لوزن القطن ) وعدة الخياطه من ابر كبيره وخيوط (تيره) ومعه مساعد او اكثر وتبدأ العمليه وقد تستغرق اليوم بكامله وعلى ام البيت

تهيئة طعام الغداء وقوري الشاي بين الحين والاخر وقد يستغرق العمل يوما اخر ومن ضوابط العمل ان يكون المكان نظيف وغالبا ما يجلب النداف معه قطعه كبيره من القماش ( من كل زيج ركعه) وتكون واسعه ونظيفه يفرشها على الارض لغرض العمل عليها وكذلك يجب ان يكون العمال بايادي نظيفه لكي ( لاتتلكع ) الافرشه والاقمشه ويمنع التدخين في مكان العمل خوفا من الحريق ولطالما حدثت مثل هذه الحرائق .

  

بعد الانتهاء توضع الافرشه بعضها فوق بعض ومن ثم تترك وغالبا ما يكون العمل صيفا لان استخدام الافرشه فيه قليل ,, وتأخذ الافرشه وقتا بالاستخدام لكي تأخذ قالبها الجديد ويحتاج ذلك الى وقت ..

 

في اواخر الستسينات دخلت الاله الحديثه الى مهنة الندافه وهي ماكنه كهربائيه تقوم بندف الصوف بدلا من الندافه الخشبيه والوتر والمطرقه والماكنه عباره عن صندوق حديدي يوضع فيه القطن القديم وتدور ليخرج القطن من الجهه الاخرى منفوشا وجاهزا للعمل .

واليوم تكاد ان تستغرق ساعات لغرض ان تجد نداف اذا كنت في حاجه اليه وقد تجد واحدا ما في احدى المناطق الشعبيه والاسعار تكون دائما خياليه ويفضل البعض شراء لحاف او دوشك او مخده جاهزه بسعر مناسب وخاصة بعد ان دخل الصوف الصناعي ( اكرليك) الى صناعة الفرش .

هذه المهنه التي كنا ونحن صغار نجلس امام النداف ساعات لمراقبة عمله كما كنا نقرأ اسمه في قراءة الصف الاول الابتدائي وصورته وكان يشدنا ان نراه حقيقة امامنا واليو يغيب تدريجيا عن الحضور بعد ان اكتسحت الاجهزه والمنتجات الحديثه هذه المهنه وطوتها الاماندر وبقى منها اما اعتزازا او من لم يجد له مهنه اخرى ..

مع تحيات عبد الكريم الحسيني

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

730 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع