د.صلاح الصالحي
جرة فخارية ذات مقبضين من أثينا تحمل اسطورة
جرة ذات مقبضين من أثينا تؤرخ (510-500) ق.م، تمثل حكم باريس، يظهر الإله هرمس (Hermes) يمشي بجانبه كلب وهو يقود الإلهة هيرا (Hera) وهي تمسك صولجان طويل ترتيبها الأولى، ثم الإلهة أثينا (Athena) وهي بكامل أسلحتها الوسط،، والإلهة أفروديتي (Aphrodite) في الاخير.
تقع طروادة في الزاوية الشمالية الغربية للأناضول ضمن منطقة تدعى طرواد (Troad)، وفي الإلياذة للشاعر اليوناني هوميروس باسم اليوس (Ilios)، وأحيانا (طروي) ،(Troy) أو (طبويا) (Tpoia، كما ورد اسمها بالحثية بقراءات عديدة مثل تارويسا، أو تارويشا ،(Tavuisa) ويلوشيا (Wilusiya) (تعرف حاليا باسم حصارلك Hissarlik)، والمدينة محصنة بسور عالي، ويحدها البحر من ثلاث جهات فمضيق الدردنيل شمالا وبحر ايجة من الغرب والجنوب، وهناك منطقة زراعية واسعة تدر على المدينة مختلف المنتجات الزراعية، إضافة إلى مينائها الذي يعج بسفن صيد الأسماك، وسفن أخرى تجارية، كما ان طروادة تفرض رسوم على مرور السفن في مضيق الدردنيل، هذا الثراء اثار حسد ونقمة مدن الاغريق الساحلية، وكان الملك برياموس العجوز (Priamus) حاكم طروادة يحظى بشعبية في عيون سكان مملكته، فلديه (68) ولد و (18) بنت من زوجاته، واشهر اولاده هكتور(Hector)، وابنته الجميلة كاسندرا (Cassandra) التي وهبت ملكة التنبؤ، ويروى ان هكابي زوجة برياموس رأت في المنام بانها تلد شعلة أو جمرة من نار بدلا من ولد، فاستشارت العرافين ومفسري الاحلام الذين اجمعوا بانها ستلد ولد يجلب الخراب والدمارعلى طروادة، وبالفعل انجبت هكابي غلاما اسمه باريس (Paris)، فقرر الابوان (برياموس وهكابي) التخلص من الطفل برميه فوق صخور جبل إيدا (Ida) كعادة الاغريق لا يقتل الطفل انما يرمى في الجبل لتأكله الذئاب أو الطيور الجارحة أو يلقي حتفه من الجوع والبرد، أو يأخذه شخص يربيه، ، وشاءت الاقدار ان يلتقط راعي غنم الطفل باريس ويربيه فاصبح شابا وعرف بوسامته، وقوته، ومهارته بالصيد، ومعرفته بالأعشاب الطبية، ولقب من قبل الرعاة بلقب (الإسكندر) (Alexandors) (بمعنى حامي الرجال).
أقيم في ذلك الوقت احتفال دعيت فيه كل الآلهة ما عدا الإلهة إيريس (Eris) إلهة الفتنة والنزاع، لأنها حتما سوف تعكر وتفسد الحفل ولكنها حضرت وهي تشعر بالمهانة وجلبت معها تفاحة ذهبية نقش عليها عبارة (إلى أجملهن) ورمتها في قاعة الحفل، فحدث نزاع بين الآلهة للحصول على التفاحة الذهبية، وانفردت ثلاث آلهات كل منهن تدعي الاجمل وهن الإله هيرا، والإلهة أثينا، والإلهة افروديتي، ولحل هذه القضية انيطت مهمة التحكيم إلى باريس في جبل إيدا، ورافق الإله هرميس الآلهات المختصمات إلى الجبل حيث عجز باريس على النظر إلى الآلهات لجمالهن الذي يخطف الابصار، وبعد ان اطمأن وعرف مقصدهن، بدأت كل واحدة تعرض على باريس الإغراءات من الآلهة الثلاثة: وعدته أثينا بالقوة والجمال والمناعة في المعركة، وعرضت هيرا بالسيادة على مناطق آسيا وثروة هائلة، ووعدته أفروديتي بأجمل امرأة في العالم، وبدون تردد اختار قلبه الحل فهو لا يريد سلطة ولا مال انما امرأة جميلة تسعد قلبه وتجلب الدفء في احضانه، فأعطى التفاحة الذهبية إلى افروديتي فهي الاجمل.
اتجه باريس لزيارة طروادة فهو لم ينسى وعد افروديتي ويسعى للبحث عن اجمل امرأة، وهناك شاهدته اخته كاسندرا التي وهبت ملكة التنبؤ، فهو يشبه إخوتها فأخبرت اباها واستدعي باريس إلى القصر، فكانت فرحة عامرة غمرت قلب ابيه وامه وقد نسوا الحلم الذي رافق ولادته، ودام الاحتفال أيام بعودة الأمير باريس، وكلف الملك العجوز ولده باريس الطروادي ان يرافق اخية هكتور في سفارة إلى سبارطة (Sparta) (تقع في شبه جزيرة البولوبونيز)، فاستقبلهم الملك منلاوس الاسبرطي (Menelaus) وزوجته هيلين (Helen ) بكل حفاوة، وكانت هيلين جميلة جدا فأبوها الإله زيوس، وذكرت بانها ولدت من بيضة اوزة فاكتسبت الجمال والرقة والبياض والصفاء، فيقال (هيلين ذات الشعر الجميل)، و (هيلين ملكة بين النساء)، و (هيلين ذات الشعر الفاتح)، فاعجب باريس بها واخذ يلاحق هيلين بنظراته الجريئة وغمزاته الفاضحة، ولاحظت هيلين غزل باريس، وكان معذورا لأن هيلين هي اجمل امرأة في العالم ، وطرأ ما استدعى سفر منلاوس زوجها إلى جزيرة كريت، فعهد إلى زوجته بتدبير الترحيب بالضيوف الطرواديين، وهكذا تهيأت لباريس فرصة إغراء هيلين والهروب معه تاركة وراءها ابنتها وحملت معها كنوز قصر سبارطة.
واستقبل باريس وهيلين بحفاوة في طروادة كزوج وزوجة، بينما استنكر منلاوس جريمة سرقة زوجته فهو عمل غير قانوني وغير شرعي في الثقافة اليونانية، فكون حلفا ضم أخيه اجاممنون ملك أثينا، والبطل اخيل (اخيلوس) (Achilles)، واوديسيوس (Odysseus) ملك جزيرة إثاكا (Ithaca)، ومعظم أمراء الاغريق، فكان حلفا رهيبا، ودارت رحى الحرب بين طروادة والاغريق، وبعد مقتل هكتور الطروادي، استولى الجنود الاغريق على مدينة طروادة فأحرقت ودمرت وقتل سكانها، وأشار الدليل الأثري إلى تدمير طروادة الطبقة السادسة (VI h)، كما جاء وصف الشاعر الاعمى هوميروس قلعة طروادة مطابقا لما كشف عنه في الطبقة السادسة وحدد تاريخ تدمير المدينة عام (1183) ق.م، على اية حال دخل منلاوس إلى القصر في المدينة التي تحترق حاملا سيفه يريد قتل زوجته هيلين التي هربت نحو مذبح الإلهة افروديتي للحماية خوفا على حياتها، ولكن عندما رآها منلاوس غمره جمالها فسقط سيفه من يده وغفر لها كل شيء فقد كان هدف الحرب استعادتها وليس قتلها، وعندها اطلق عليها الشاعر هوميروس اسم (هيلين البغيضة)، وعلى عكس مكانتها في الأدب اليوناني الالياذة، فقد عبدت هيلين باعتبارها إلهة في بعض المواقع اليونانية مثل جزيرة رودس (تقع شرق البحر المتوسط)، ويتفق العلماء بشكل عام على أن هيلين يجب أن تكون أولاً إلهة ثم شخصية بشرية شبه إلهية.
1062 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع