بسام شكري
ايقونة ثورة تشرين
تفرد العرب دون غيرهم من الشعوب في دور المرأة في المشاركة الفعالة في حروبهم من خلال قصائدها التي كانت تلهب مشاعر المقاتلين وتقلب موازين القوى خلال المعارك ومن خلال دورها في معالجة الجرحى وتحضير الطعام وتهيئة وسائل الراحة قبل وخلال وبعد معظم الحروب العربية فتلك الخنساء التي كانت ايقونة الحماسة والرثاء في الحرب من خلال شعرها في رثاء اخويها معاوية وصخر, وعلى مر التاريخ العربي هناك نماذج متعددة, والثورة السودانية ظهرت ايقونة هزت مشاعر المتظاهرين والعرب من المحيط الى الخليج وهي الشابة الاء صالح التي وقفت تهتف بكل صدق وقوة بين المتظاهرين السودانيين مما اعطى الثورة السودانية دفعة قوية وتفاعلا عربيا وعالميا مازال قائما لغاية اليوم . ايقونة ثورة تشرين في العراق كانت ليست واحدة وانما ايقونات متعددة وذلك لان الثورة دخلت عدة مراحل واخذت ابعادا سياسية وتدخلات اجنبية ومخابراتية من جانب ومشاركة عناصر إيرانية في قمع المتظاهرين من جانب اخر ولعبت قوى المنطقة الخضراء بأحزابها الطائفية المتعددة دورا كبير في محاولات اخماد تلك الثورة بطرق نعرفها جميعا، الشهيد البطل صفاء السراي كان اول ايقونة لثورة تشرين وما زالت كلماته محفورة في ذاكرة شباب ثورة تشرين وهي " ما حد يحب العراق مثلي" لقد قتل المجرمين صفاء السراي في أبشع قتله بواسطة قنبلة دخان حطمت جمجمته بالكامل وسقط وسط صمت وتامر عربي ودولي على ثورة تشرين , الايقونة الأخرى التي هزت العراق من شماله الى جنوبه كانت من مدينة الناصرية تلك المرأة التي وقفت تلقى الشعر بجرأة لم يتمكن رجال كثيرين من الوصول الى جرأتها عندما قالت : وين ابن الرمادي يفزع النا , وطلبت في نصف القصيدة الأول الفزعة والنجدة من اهل الرمادي وفي نصف القصيدة الثاني توعدت للقتلة بالقصاص تلك الايقونة , لقد كانت كلمات المرأة الطائية الحرة اقوى من الرصاص الذي كان يطلقه المجرمين على الثوار , لكن بعد انتشار قصيدتها تعرض بيتها لهجوم من مسلحي الأحزاب الطائفية فخرجت في اليوم التالي للهجوم لتقول في تسجيل فيديو انها كانت في حماسة وفورة غضب عندما شاهدت شهداء وجرحى الناصرية وأكدت انها مع المرجعية الدينية وتحت اوامر المرجعية , هنا يجب علينا التوقف والتساؤل هل ان ما قالته كان ضد المرجعية ؟ ويتطلب الاعتذار من المرجعية الدينية وما علاقة المرجعية الدينية بالموضوع؟ وهل ان المرجعية الدينية هي التي قمعت وقتلت وجرحت شباب ثورة تشرين حتى يتم الاعتذار منها ؟ وإذا كانت المرجعية مع الشعب العراقي وثورته فلماذا لم تخرج المرجعية لتؤكد ذلك سواء بعد فيديو اعتذار ايقونة ثورة تشرين او احدى خطب الجمعة؟
لقد استشهد سبعمائة وعشرين من ثوار تشرين وجرح واحد وعشرين ألف وسبعمئة وخمسين شخصا وتم اختطاف واعتقال الاف الشباب ولم يصدر بيان واحد من المرجعية الدينية ولا احد يمكنه تبرير ذلك لان الجمهور العراقي لم يرى او يسمع المرجع الديني في حياته ولو مرة واحدة ومن حق ملايين الاتباع والمريدين ان يسمعوا صوت مرجعهم الديني ولو مرة واحدة , الأمم المتحدة لم تتخذ أي اجراء او تصدر بيان واحد حول ثورة تشرين والمجازر التي حصلت وممثلة الأمم المتحدة الهولندية بلاسخارت صرحت بعد اشهر عديدة انها تطالب حكومة بغداد بالسماح للمتظاهرين بالتعبير عن مشاعرهم ومن جانب اخر الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لم يخرج منهما أي تصريح فما الفرق بين ان يحدث ما حدث في العراق وما يحدث في أي بلد اخر في العالم ؟ ولماذا الصمت؟ ان من يصمت على الجريمة فهو مشارك في الجريمة وهذا مبدأ قانوني معروف.
لقد انتهت حقبة الغزو الأمريكي للعراق وأصبحت تعليمات جورج بوش الابن في نشر الأكاذيب ومنع نشر الاخبار الحقيقية لما يجري في العراق لما سمي في حينها برنامج هوليوود العراق وجاء بعده الرئيس أوباما وبعده الرئيس المتميز بصراحته دونالد ترامب الذي ألغي برنامج هوليوود العراق ومنع وسائل الاعلام الامريكية والأوروبية من تشويه الحقائق ونشر الأكاذيب والان نحن في حقبة الرئيس بايدن لكن الصمت رجع مرة اخرى يلف العالم، فهل يريد العالم نهضة عراقية تشبه النهضة الألمانية فيما بعد الحرب العالمية الأولى وظهور هتلر عراقي يدمر المنطقة والعالم؟ وإذا لم يكن كذلك فاين هي قيم الإنسانية والعدالة من كل القتل والنهب الذي يجري في العراق؟
ان وصول مصطفى الكاظمي الى رئاسة الوزراء لم يكن بسبب موافقة ثورة تشرين عليه ونحن نتذكر ان التحالف الأمريكي الإيراني الذي يحكم قبضته على العراق قام بتقديم تسعة مرشحين لرئاسة الوزراء قام ثوار تشرين بإسقاطهم جميعا وانما هناك عدة اسباب أدت الى وصول الكاظمي لرئاسة الوزراء أهمها تغلغل الأحزاب الدينية الطائفية بين المتظاهرين والقيام بقتل واختطاف واعتقال قياداتهم والسبب الاخر هو جائحة كورونا التي استغلتها الطبقة السياسية – الدينية التي تحكم العراق وقرارات منع التجول بحجة كورونا لمنع المتظاهرين من التجمع والتظاهر و التعبير عن غضبهم من اجل الحصول على الحرية.
أتوقع خلال الأسابيع القادمة وهي ظهور ايقونات جديدة لثورة تشرين من خلال تنظيمات شبابية أكثر تنظيما واشد تماسكا تهز عروش اللصوص في المنطقة الخضراء وما سينتج عن مفاوضات الملف النووي الإيراني سوف يخلع أبواب كثيرة في المنطقة الخضراء لتصفية حسابات وثارات قديمة بين الأحزاب الطائفية وتبدأ مرحلة صراع المافيات فأمريكا ستقوم بإخراج إيران من العراق سواء فشلت او نجحت مفاوضات الملف النووي الإيراني لان اللعبة انتهت ولا مبرر او فائدة لأمريكا في استمرار التحالف مع ايران للسيطرة على الوضع في العراق وكل المتغيرات خلال الأسابيع القليلة القادمة سوف تصب جميعها في مصلحة الشعب العراقي.
الباحث
بسام شكري
Bassam عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1724 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع