د. فاضل البدراني
روايات معرض العراق الدولي للكتاب
حرصت ألا تفوتني فرصة التمتع بزيارة أجنحة دور نشر معرض العراق الدولي للكتاب بدورته لعام 2021، فالكتاب يطارد القاريء بعناوينه المختلفة بنحو 300 دار نشر عربية شاركت بالمعرض، فزيارتي الأولى في بداية الافتتاح كانت سريعة، وخلت من التصفح العميق والشراء للمطلوب من الكتب، الا أنه في آخر ساعات اليوم الأخير للمعرض زرته، وعلى الرغم من أن بعض من القراء والمهتمين بالثقافة، يقولون أن الكتاب المطبوع فقد كثير من حيويته بمنافسة المكتبات الرقمية وتوافر الكتاب على شبكة الانترنت بكل يسر، الا أن الكتاب المطبوع في حقيقة الأمر ما يزال متوهجا بتصميمه الورقي، ومحافظا على سيادته معلقا على رفوف أجنحة المعروض فيها، يشعرك بأنه المطبوع الأصلي وذاك الافتراضي هو شبيهه أو النسخة المقلدة له، لذا كم تتمنى لو كانت عندك مبالغ مالية كبيرة يستوعبها جيبك لشراء كل ما تشتهي نفسك من الكتب مهما كانت أثمانها باهظة، على أن يكون برفقتك بعض المتطوعين لحمل أثقال الكتب عنك.
كعادتي ذهبت عيناي تطالعان رفوف الأجنحة في دور النشر بحثا عن الكتاب الإعلامي، واشتريت بعض النسخ التي تحمل عناوين واصدارات جديدة، وكتبا أخرى عن السياسة والدبلوماسية والتراث، لكن شهيتي هذه المرة كانت تتجه صوب الرواية التي كثيرا ما صرت أقترن بها عشقا وتلذذا بمتعة أفكار كتابها والجمل والمفردات التي تشعرني بأني جزءا منها، بل أسير لها انطلاقا من أول صداقة جمعتني برواية "ذهب مع الريح لمارغريت ميتشل " عندما كنت طالبا في الدراسة المتوسطة، ثم لحقت بها قراءات متقطعة لروايات تعود لغادة السمان، وأمين معلوف، وأحلام مستغانمي، وآخرين... وقد كنت أسيرا للأسلوب الذي يكتب به أمين معلوف، فاعتبره فيلسوف الكلمة والجملة، والفنان الأنيق بالدفاع عن فكرته بقدر تعلق الأمر بعملية الطرح والعرض.
أستهوتني الروايات هذه المرة في أجنحة دور النشر في معرض الكتاب الدولي، فاخترت روايات، "الأسود يليق بك" للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، و"موسم الهجرة الى الشمال" للروائي السوداني الطيب صالح، وكتاب اختلال العالم لأمين معلوف. قد أكون قارئا لمرتين رواية الطيب صالح لكنني بحاجة لإعادة قراءتها واكتناز الرواية في مكتبتي لفقدانه منذ مدة، وأما رواية أحلام مستغانمي كذلك كنت قرأتها سابقا، ولكني أحتاج لصداقة متينة تربطني بالرواية والاحتفاظ بها عند رأسي في كل وقت الوذ بالهدوء بعيدا عن الصخب وضجيج الأفكار، والاندماج في عالم الاستقرار الفكري، فأسلوب كتابة الرواية يحمل بعد فلسفي وأدبي قمة في رشاقة الفكر ومتعة التشويق والذوق، انها الكاتبة التي تطوع الحروف لأجل الكلمة التي تجعل القاريء يعيش المخيالية من سحرها وعذوبتها، لتكون الكاتبة العربية الأكثر انتشارا في العالم العربي، بينما وصفها احمد بن بله " إن أحلام مستغانمي شمس جزائرية أضاءت الأدب العربي" ... وأما أمين معلوف فمن لا يقرأ له لا يعرف للكتابة والاسلوبية من معنى، انه الكاتب الرشيق الأنيق العذب في أسلوبه والفيلسوف المتجدد في طرح فكرته، فهو صاحب روايات عدة، منها ليون الإفريقي، سمرقند، صخرة طانيوس (جائزة غونكور 1993) وبدايات... فأغلب كتب وروايات معلوف هي مواد يتم تدريسها في العديد من الجامعات بالعالم، ومعلوف الذي يرى أن العالم يعيش عصر الانتصارات الكاذبة والقلق، يرى ان البشرية جمعاء تعيش على متن زورق متصدع يسير بها نحو الغرق لا محال، وأما العرب والمسلمين فهم يعيشون وطأة الحقد على الأرض لأنهم يغوصون في بئر تاريخية يصعب عليهم الخروج منه.
لم يعد الأمر يبعدني عن عالم الرواية، ولا عن لغة الأدب، فالسياسة والإعلام، هي هواية واهتمام الناس جميعا، فلم يعد شخص لا يتحدث بالسياسة، من منطلق الخلاص من حرائق النيران التي تلتهم أجساد الأوطان والبشر، ولا العيش بعيدا عن منصات السوشال ميديا، وشاشة التلفاز، أو صوت المذياع، أنه لأمر ليس هين، لكن الرواية عندما تستعرض في نصوصها تاريخ الأوطان وبطولات الشجعان، وقصص الفقراء، وحياة الغربة على المسافر، فلا يمكن تلمسها الا من زاويتين الأولى أن تكون طرفها المعني، أو أن تقرأ لمن يرويها بأسلوب روائي ساحر. فالكتابة عن أسلوب حياة الشعوب يمكن التعامل بها بكل اللغات الحية وغير الحية، ولكن الرواية عندما تروي قصص الأمم وتفاصيل حياتها، ينبغي أن تكتب بلغة حية جميلة عذبة تتلاعب في معانيها الحركات والألحان سحرا وعذوبة، كما هي لغتنا العربية الجميلة " لغة الضاد" التي أحتفلنا بيومها في 18 كانون الأول.
كاتب أكاديمي عراقي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
2690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع