د. فاضل البدراني
الإشكالية العراقية وفلسفة نظام الحكم
أين تكمن الإشكالية العراقية في الفشل نحو رسم مسار سياسي سليم ينهض بالدولة، ويحقق المكاسب للشعب العراقي الذي يعيش على أغنى بقعة جغرافية، بينما يحتل تصنيفه ضمن الأفقر بين شعوب دول المنطقة.
الإشكالية وفقا لتشخيص كثير من المهتمين بالحالة العراقية، تكمن في فلسفة سياسة الهيمنة والاحتكار التي تتبناها القوى الحزبية والحركات السياسية الممسكة بمقاليد شؤون الدولة ومؤسساتها، وفشل تلك الفلسفة في الولوج لخطوة تصحيح الوضع العراقي على مدى 19 عاما تقريبا عبر تعزيز مبدأ الشراكة والعدالة مع الأطراف الوطنية المستقلة، أو حتى الحزبية الوطنية، والابتعاد عن مبدأ الشك بالآخر بأنه عدو يريد ازاحتها، وطالما جربت تلك القوى السياسية إدارة الدولة العراقية وخاضت بها مراحل من الفشل والانهيار لمؤسساتها على الصعد كافة، فلماذا لا تتنازل عن كرسيها الذي شاخت به على مدى عقدين من الزمن تقريبا ؟ ولماذا لا تفكر قياداتها ذات يوم بما يجري للإنسان العراقي من نكبات وانتكاسات، كرست في ذهنه ثقافة الهجرة بحثا عن وطن بديل وجعلت نصف الشباب العراقي يتواصل مع عائلته عبر منصات التواصل الاجتماعي من بلدان المهجر؟ ولماذا لا تبحث هي عن القبول بما يطرح عليها من خطط وبرامج، وأفكار من جهات ومؤسسات بحثية واكاديمية مختصة؟
من الطبيعي أن تهيمن قوى حزبية على إدارة الدولة بغض النظر عن سوء الأداء والانتكاسات التي ستلحق بالمجتمع، وهي حالة تحصل في مختلف بلدان العالم المتخلف والنامي، ولكن ما هو غير طبيعي أن تنهار الدولة ومؤسساتها بشكل تدريجي على حساب بقاء السلطة بيد قوى سياسية منغلقة على نفسها، ولا تبتعد بتفكيرها لما يحصل في بلدان مجاورة، من تنمية وبناء ونهوض ووعي جماهيري، لمجرد ان سلطات تلك البلدان تصغي لمطالب شعبها رغم انها قد لا تملك ربع ما تكتنزه الأرض العراقية من موارد طبيعية، وكذلك الموارد البشرية التي يتميز بها هذا البلد، لكنها معطلة عن الأداء بالوقت الحالي.
والغريب في العراق أن فلسفة نظام الحكم جاء بالصيغة الغربية التي بعثرت المجتمع بتصنيفه الى ثلاث دويلات متناحرة على حكمها، منها قوى سياسية ممثلة عن ثلاث مكونات أفرزتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن إبان الغزو الأميركي مطلع 2003 ، فالرئاسة بالعراق وفقا لمبدأ المحاصصة أصبحت من نصيب دولة كردية، ورئاسة البرلمان من نصيب دولة سنية، ورئاسة الحكومة من نصيب دولة شيعية، ومن سابع المستحيلات ان تتراجع عن طموحها النفعي، أو ترتقي تلك الأحزاب الحاكمة، وتعتمد فسلفة وطنية تعالج مسألة ضياع الهوية الوطنية العراقية الجامعة، وتتصدى للفشل الحاصل في ظل هذه المكونات الدويلية عن حصتها.
والمعضلة التي تواجه القوى والحركات السياسية بالوقت الحاضر، وهي تحاول رسم صورة مقبولة لموضوع المعادلة السياسية عقب انتخابات تشرين 2021، هي ذات الصورة المكررة سابقا، فلا يمكن التخلي عن الأعراف السياسية للرئاسات الثلاث، بل ولا يمكن التخلي عن ارقام الوزارات المشكلة، وفقا للمحاصصة المذهبية والطائفية والعرقية، وما نشهده من تناحر بين قوى المكون الواحد ما هي الا قضايا شخصية وليس وطنية، وما نشهده من تواءم بين قوى المكون ما هي سوى تخادم شخصي وليس تلاحم وطني. وهذه التمحور الضيق الأفق جعلنا نفتقر لتطبيق فكرة الموالاة والمعارضة في البرلمان ، بل حتى الذي يتحدث بالمعارضة فانه يعارض من أقصاه من الحكومة، وليس معارضا من أجل الرقابة وتحسين الأداء الحكومي، ويمتلك برنامج إصلاحي، لذا نتساءل أين العراق مما يدور في ذهن القوى السياسية، وأين هي مصلحة المواطن الفقير والنازح والعاطل عن العمل؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
كاتب واكاديمي عراقي
2029 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع