أكرم عبدالرزاق المشهداني
مات ريان المغربي .. ولكن كم ريان لدينا يحتاج الانقاذ؟
ودّع الطفل المغربي ريان، وقطع الشك باليقين، وأنهى مأساة الانتظار التي طالت 5 أيام من أجل إخراجه من الجُب الضيق العميق الذي زلت فيه قدمه، فهوى إلى قاعه، عندما كان يدرج على بوابة الجب السحيق. ليس ريان أول من زلت به قدمه إلى قاع بئر مظلمة، لكنه حجز لنفسه أكبر مساحة ضوء منذ عقود، وتحوّل إلى أيقونة للألم والوحدة والمشاعر الجامعة بين العرب من المحيط إلى الخليج.
بعد أن حَبس أنفاسَنا وأنفاسَ العالم على مدى اربعة ايام بنهاراتها ولياليها، والعالم كله مشدود لشاشات التلفزيون يتابع عملية انقاذ هذا الطفل المغربي ذي الخمسة أعوام، الذي سقط في بئر بعمق 32 مترا، بمنطقة شفشاون الريفية بالمغرب، في عملية جبارة جُندت لها خطط وآليات ومعدات حديثة وقوات حكومية كبيرة، وتابعتها فضائيات العالم لحظة بلحظة. وكان الأمل يزداد ساعة بعد ساعة بنجاح خطة الانقاذ واخراج الطفل حيا.. وجرت جهود الإنقاذ وسط صعوبات عديدة، كان آخرها وجود صخرة أبطأت عمليات الحفر الأفقي، واستمر بمعدات بسيطة خوفا من انهيار التربة.
هناك كثيرون من انتقدوا انشغال العالم بقضية ريان وتناسيه معاناة الاف بل ملايين الاطفال في انحاء كثيرة من العالم، يعانون مثل معاناة ريان، ولكن قضية ريان احتلت الاهتمام الاعلامي الاول لانها قضية انسانية لا علاقة لها بالسياسة، ولان ريان طفل بريء لم يكن له ولا لعائلته اي صفة سياسية او فكرية، عائلة فقيرة تعيش في الريف المغربي وسقط هذا الطفل في بئر في القرية وتطلب الامر الاستعانة بقوات الاتقاذ الوطني لاستخراجه من حفرة البئر.
نعم هناك الملايين من الاطفال يمتلكون معاناة قاسية، في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وميانمار والليغور.. ومناطق اخرى من العالم يتعرضون للاضطهاد والظلم والقسوة بسبب تبعيتهم لوالديهم او جنسيتهم او دينهم. وهناك الالاف من الاطفال حرموا من آبائهم الذين اودعوا بالمعتقلات او صدرت عليهم احكام جائرة من الحكام الطغاة بعد محاكمات مهزلية لا تتوفر فيها ابسط متطلبات العدالة.
نعم ان الاف الاشخاص مازالوا تحت انقاض الجانب الايمن من مدينة الموصل دون ان يتدخل العالم لبذل الجهود وحشد الامكانات الفنية المتطورة لاستخراج جثثهم من تحت انقاض الجانب الايمن من الموصل. كما ان هناك الالاف من الاطفال الذين يعيشون حياة البؤس والشقاء في مخيمات الهجرة والنزوح في اماكن عديدة دون ان يفكر العالم في مصيرهم ومحاولة انقاذهم من هذه المعاناة.
وقد حظيت الحادثة بتفاعل عربي واسع مع محنة الطفل ريان، ودعوات من كل مكان بأن تتكلل عملية إنقاذه بالنجاح؛ لكن صورتين كانتا محط أنظار الجميع لطفلين سوريين في أحد مخيمات اللاجئين السوريين وقد حمل الطفلان لافتتين كتب على إحداهما عبارة "من خيمة إلى بئر"، وعلى الثانية كتبت عبارة "سلامتك يا ريان".
قضية الطفل ريان المغربي اوجعت قلوبنا جميعا... وكانت دعوات الأمهات في كل مكان ترتفع لتدعو الله النجاة لهذا الطفل كي تقر عيون والديه به، وفعلا بعد ان نجحت الجهود في استخراجه حيا من البئر، استبشر الناس في كل العالم وحمدوا الله، ولكن للاسف بعد وقت قصير جاء الخبر من المستشفة بوفاة ريان نتيجة الاصابات البليغة التي اصيب بها نتيجة السقوط في البئر العميق، فانقلبت الافراح الى مأساة.
لكن يجب ان نأخذ العبر من قصة هذا الصبي، والنهاية المؤلمة التي آل اليها، فقد تمكن الطفل ريان ان يعيد الامة الى رشدها، وتتعاطف مع محنته، وتحولت قضية ريان الى اسطورة وطنية وعربية وانسانية،
كم ريان اليوم في عالمنا الفسيح المليئ بالظلم والاستبداد يحتاج للانقاذ، كم ريان عراقي وسوري وفلسطيني ما يزالون تحت انقاض الارض وانقاض الظلم والقهر.
رحم الله ريان المغرب واعان (ريانات) فلسطين والعراق وسوريا وسائر بلاد العرب والمسلمين؟.
1201 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع