د. فاضل البدراني*
متى تتبدل قواعد اللعبة السياسية بالعراق
كل شيء في حياة العراقيين أصبح سياسة، ويا ليتها سياسة مجدية تنفع الشعب وتقدم له ما يسعفه وينقذه من ظلام التخبط والفشل المكرر، وعندما يتصدي التربوي لمحاولة النهوض بالمعترك الذي يعمل به، فغالبا ما يكون يجد نفسه أمام جدار صلب أسمه السياسة الضيقة التوجهات والمتجاوزة على الدستور، حتى وان تحدث أصحابها به، فيضطر للتراجع عن طموحه لأنه لا يجيد مواجهة عقبة السياسة، وهذا ينطبق على الأكاديمي والاقتصادي والأمني والزراعي والصناعي والتجاري، فالسياسة شكلت عقبة بوجه الكل ضد التطور والنهوض.
وعندما ننظر للمشهد السياسي الحالي بالعراق فكأنه عبارة عن موجات من السموم والغبار والبرد والثلوج المؤذية لنفسية الانسان، وأما الأصوات فأنها كالصقيع والرعد المرعبة التي تضع الانسان المتلقي فاقد للطمأنينة، يا ليت أن الثقافة الاجتماعية العراقية تختار طريقا بعيدا تماما عن السياسة الحالية المتبعة بمفهومها الفرعي، والتي تؤسس فقط لمصالح ضيقة، يبرز فيها التنافس اللاشرعي بين الجميع، وكأننا أمام منظر تنافس وتدافع مزعج لمجموعة بشرية جائعة، ينافس أفرادها بعضهم بعض للحصول على كمية من رغيف خبز، جاءت مقسمة على عددهم.
فالعقلية العراقية ومن شدة الضغط الذي تواجهه بشكل متواصل عبر تصريحات سياسية وإعلامية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، انتقلت الى ذهنية قاصرة وصفت بأنها ضحية، لكونها تتقبل الآراء عندما تكون بمفهوم سياسي، بل أن كثيرا من الناس أصبحوا مستسلمين سلبيا ضمن قوقعة السياسة الهدامة، التي تجعلهم ينظرون للأمور والحياة العراقية، من زاوية ضيقة تتجسد ببعد مناطقي، أو جهوي أو مكوناتي، منحرفة تماما عن البعد الوطني العراقي الذي يركن للوعي ويمثل مصلحة الجميع بعدالة ومساواة ....
قطعا لا أمل للعراق بالعودة لحياة طبيعية بعيدة عن حالة الشلل التي يعاني وطأتها الشعب، الا بالخلاص من السياسة المنحازة، فهناك فرق شاسع بين المهنية التي تحقق النهوض والتطور والاستقرار لحياة الشعوب وبناء مجتمع مستقر، وبين السياسة التي تجعل الشعوب شتات بعناوين والوان وهويات شتى، مبنية على مبدأ النفعية القاصرة وهضم حقوق المجتمع، وهذه الثقافة السياسية، جعلت الأجيال تنظر للقدوة على انها ذلك السياسي الذي يرتدي بدلة جميلة، ويحصل على شهادة دراسية لا بالجد والجهد والتعب، بل بالطرق اللاشرعية وبدون ادنى جهد في الدراسة والبحث والمتابعة، بل صارت البدلة والربطة والسيارة الفارهة، هي الشهادة العليا والامتياز لمن يمتلكها، فحديث الباحث والعالم والمهني في مختلف القطاعات العلمية لم يعد بنظر الشباب حديث قدوة، لطالما لا يمتلك السيارة الفارهة، ولا طاقم الحماية والبيت الكبير، لذا خسرنا حقيقة القدوة التي تنهض بالأجيال والمجتمع، وتجعلهم يواكبون الطموح المشروع في حياة مليئة بالأمل والمسيرة الإبداعية.
أنها العبثية السياسية التي لا تخضع لمنهجية علمية صحيحة، فمتى ما يهمل العراقيون بكل فئاتهم السياسة، ويبتعدون عن صناعها ويستبدلونها بالمهنية، فانهم عندئذ سينهضون ببلادهم في ارض السواد، وبقية القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والتنموية، فالسياسة في كثير من الحالات تتحول لمعول هدم، بينما في الغالب المهنية هي سبيل تطور البلدان ورفاهية شعوبها واستقرارها. فهل ستتبدل قواعد اللعبة السياسية بالعراق، وتخرج من مستنقعها الى منتج للوعي المجتمعي.
*كاتب وأكاديمي عراقي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
3157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع