بقلم / علاء المعموري
لماذا الأقدار تتعامل بوحشية مع من يستحق بركاتها ؟!
العين الدامعة ... والقلب المجروح ، ترجمة لصدى السنين المتهرئة من طعنات سكين الخيبة ... صيحات ذلك الماضي مازالت تلاحقني .. لماذا لاتغادرني ذكرى تلك الأيام وتدعني بسلام ، لماذا يجب عليّ تسديد فواتيرها للأبد كجزء من تبعات ذلك القدر الذي إجتاحني وتلاعب بي رغما عني ؟
كانت إمرأة الحلم .. خُلقت لتعشق من قبل رجل من أمثالي مسكون بعبادة المرأة ، وكانت عنوانا للأنوثة الخرافية الحارقة ، تجسد فيها كل شياطين الإغراء والجاذبية ونداء الشهوة المتفجرة منها ، كان جسدها يصرخ بالعربدة والتمرد وخلق اللحظات المجنونة في عتمة الظلام وسكون روتين الحياة !
كنت أُلاحقها في شوارع حارتنا ، أتطلع اليها ، أتعبد في حضرة جمالها ، وأتضرع أمام عليائه الشامخ ، وأتيه ، وأغرق في ملكوت ذاك الجمال الفاتن ، أذوب وأتلاشى مع اهتزازات جسدها وتمايله ، كم عذبني شعرها وهو ينهال على وجهها ، فتضطر بحركة من رأسها إعادته الى مكانه السابق فتقتلع روحي مع تطايره للأعلى مصحوبا بذلك الغنج المزلزل.
آه .. كتفاها المكتنزان شعلا الحرائق في روحي ، و براكين شهوة إحتضانهما والإلتحام بها ، وإرتشاف رحيق شفتيها ، وتحسس تنهداتها وإرتفاع وهبوط صدرها والرحيل معا في غيبوبة صوفية اللذة ... كان كل شيء فيها فاتن وساحر وشهي ينقلني الى عوالم العشق الاسطورية.
بعد كل مرة أراها .. كنت أشعر أن جمالها يطعنني بقساوة ويجرح روحي بعنف ، ويسفك عذابات لوعتها وأشواقها وحنينها للإلتحام والذوبان في مغامرة عشق مجنون .. بعد كل مرة أراها أبدأ بالنحيب والبكاء الداخلي ، وأتهاوي وانهار من الداخل ، كانت بعيدة جدا عني ، وكنت أحبها لدرجة العذاب .
عشت الخيال والحلم والأسطورة وكل مراحل العشاق ، وأصبحت الحياة بالنسبة لي سحرا خرافيا لايصدق وأنا أراها أمامي.. كانت امرأة من برج النار والعذاب والفتنة... كان كل شيء فيها يخطفني ويقذف بي الى أعالي فضاءات الدهشة والهيام وعذابات المشاعر المتناقضة ما بين الفرح والخوف، والسعادة والحزن، والثقة المطلقة التي ترفعها الى مصاف الملائكة والشك والهلع من فقدانها... كنت مثل أي عاشق حقيقي لاأملك نفسي.
لاتقولوا لي أن الحب سمو ورفعة وشموخ... فهذه الكلمات الإنشائية لم يكن لها حضور في قصتي، فقد كنت كلما أراها أتعرض الى زلازل وبراكين وعواصف ... كنت أهتز بعنف أمامها وأتلاشى وأضمحل وتبتلعني ألارض، كانت إمرأة قادمة من جحيم الجاذبية والشهوة والإغواء... وكنت أنا ضحية ذاك القدر المجنون.
كدت أدمرها معي في لحظة حماقة لاتغتفر ..يوم ذهبت الى كليتها أحوم حولها مثل طائر مذبوح يوشك ان يتهاوى على الأرض ، وعندما سألت أحد الأشخاص عن عنوان قسمها فاجأني بطلب هويتي بخشونة ثم إقتادني الى غرفة داخل الكلية ، كانوا مجموعة من الرجال الذين تخطت أعمارهم سن الدراسة الجامعية يحملون المسدسات ، وكانت هذه المرة الأولى في حياتي التي أخضع فيها للتحقيق من قبل أجهزة الأمن ، وكان التحقيق مقبولا اذ لم أتعرض للضرب أو الشتم ، سألوني سؤالا محددا : لماذا أنت تسأل عن القسم ؟.. ولم يطلقوا سراحي إلا بعد ان عرفوا سبب تجوالي حول الكلية يرجع إلى انني أنتظر إحدى الطالبات التي ما أن تلفظت بإسمها حتى بادرني أحدهم قائلا : أليست هي صاحبة الشعر الطويل ؟ فأدركت انه أحد المعجبين بها .
بقيت أراقبها من بعيد وأنا أتوقع تعرضها للإستجواب بعد ان أخبرتهم انني أحبها ، لا أدري في حينها لماذا لم أنفجر بشكل تلقائي منتحرا بسبب الخوف والهلع عليها ، والشعور بالذنب ، مضت عدة أيام وكانت حركتها وملامحها طبيعية ، ومضت عدة أسابيع وشهور .. ولم يطرأ عليها أي تغيير .. فأيقنت ان القدر تلطف بي وبها وغضوا الطرف عن الموضوع .
إن عشقي كان مثل كل حب من طرف واحد مستحيل .. لا يتبقى منه غير أنين الذكريات والحنين وتجدد نزيف الروح ، وسؤال حائر من دون جواب : لماذا الأقدار تتعامل بوحشية مع من يستحق بركاتها ؟!
320 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع