ماذا جرى لآدميتنا؟!

                                     

                          زينب حفني

ما أن يُقلّب أحدنا صفحات الجرائد والمجلات، أو يتصفّح مواقع الإنترنت، أو يجلس أمام شاشة التلفاز، إلا ويُفاجئه هذا الكم من الحوادث المؤلمة التي تُصدّع الرؤوس، وتُصيب النفس بالإحباط، فنضرب أخماساً في أسداس على تفشّي وباء العنف الذي لحق بمجتمعاتنا، ولم يترك صغيراً ولا كبيراً، ولا رجلاً ولا امرأة، إلا ولفحه صهده.

في الآونة الأخيرة قرأتُ خبر مقتل سيدة لبنانية على يد زوجها وهي أم لخمسة أطفال، وعن أخرى بالأردن قامت بقتل زوجها بمساندة عشيقها طمعاً في أمواله؟! وسيدة سعودية تمزّق جسد زوجها بالسكين لأنه تزوج بأخرى عليها! وحوادث كثيرة متشابهة تقشعر لها الأبدان، متسائلة بحسرة عن ضياع المودة والرحمة التي دعت إليها كافة أديان الأرض!

أجلس مع صديقاتي فلا أسمع سوى قصص مأساويّة عن عقوق الأبناء، وعن آباء ماتوا في بيوتهم دون أن يعرف أبنائهم شيئاً عنهم. شكاوى دائمة من الآباء، أن أبنائهم لم يعودوا يهتمون بهم ولا يُقدرون ما فعلوه من أجلهم. وأتساءل في حزن.. هل العيب في هذا الزمن سريع النبض، الذي جعل الكل يجرى لاهثاً في طريقه دون أن يتلفّت حوله؟! هل العيب في التكنولوجيا التي تُخرج لنا كل يوم شيئاً جديدا، وساهمت دون قصد في اتساع الفجوة بين الآباء والأبناء؟! هل العيب في هذا العصر القاسي الذي طحن الإنسان، وجعله يدور في ساقية مطالبه الشخصية، فصار يلوم الجميع على ما آل إليه حاله ؟!

كل شيء حولنا صار يُنادي بالعنف! إعلانات التلفاز صارت فكرتها تقوم على المتفجرات والأسلحة النارية، وبعدها نتساءل في حيرة.. لماذا انتشر العنف في مجتمعاتنا؟! نُتابع بعض مشايخ الدين وهم يُحرضون الرجل على زوجته العنيدة، والأب على ابنه العاصي، والموظف على زميله لأنه على غير مذهبه أو ملته، ثم نتساءل ببراءة.. لماذا تفاقم العنف؟! نُصغي لداعية في المجالس وهي تصبُّ جام غضبها على النساء الغير محجبات، فنلاحظ نظرة الازدراء في عيون المحجبات لهن، ثم نتساءل بحزن.. ما الذي أدّى إلى انقسام مجتمعاتنا، ورفضنا الآخر المخالف لتفكيرنا؟!

في مناهجنا التعليميّة نُعلّم الأجيال الصاعدة، أن من جدَّ وجد، أن من سار على الدرب وصل، ولكنها تتفاجأ بأن ما درسته شيء، والواقع الملموس على الأرض شيء آخر، وأن كرت الواسطة هي معيار النجاح! وأن نهب المال العام شطارة، لينتهي الأمر بالجيل الصاعد إلى الكفر بالمبادئ والقيم، والقناعة التامة بأن القانون مائع في تعامله مع أفراد المجتمع!

هناك بؤر كثيرة في مجتمعاتنا بحاجة إلى ردم، حتّى نقضي على ظاهرة العنف، لكن يجب الاعتراف بأننا لن نستطيع ذلك ما بين يوم وليلة، لأنها أخطاء متراكمة خلقناها على مدى عقود طويلة، وارتكبنا خلالها أخطاء جسيمة، دفعت أثمانها أجيال متعاقبة!

حكوماتنا العربية تتحمّل وزر ما يجري من سلبيات داخل مجتمعاتنا، كونها تغافلت عن الضرب بيد من حديد لكل مسؤول عبث بأموال بلده، وأستغلَّ منصبه، حتّى غاب شخص القدوة عن أذهان الأجيال الصاعدة، وأصبحت في أعماقها تشكُّ أن يكون لها موقع حقيقي داخل أوطانها! الإعلام بتباين روافده تقاعس هو الآخر، بتجاهله بث روح التسامح بين الناس، وبتشريع نوافذه لاستقبال دعاة متطرفين يُشجعون على إثارة الفتن الطائفيّة والمذهبيّة! أمّا مؤسساتنا التربويّة والتعليميّة فحدّث ولا حرج، حيث غدت مخيبّة للآمال في ظلَّ عفونة العنف المنتشرة بطرقاتنا الخلفيّة!

أحلم بأن أرى أوطاننا العربية تسبح في سمائها سحابات الحب والألفة، وأن ينتهي زعيق البوم الذي أصبح يقضُّ مضاجعنا كلما غفت أعيننا!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1091 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع