سرور ميرزا محمود
(يا محلى رمضان وأكلات رمضان في الأمارات، كما رأيناها وتعايشنا معها)
كما هو معلوم فأن شهر رمضان يختلف عن بقية شهور السنة بطقوسه المغايرة التي لا تقتصر علي الفروض الدينية، وإنما ترافقها عادات وتقاليد وممارسات تضيف إلي الذاكرة أياما يصعب نسيانها فنحاول دوما أستيعادتها، ولهذا يبقى لرمضان طقوسه الخاصة التي تميز كل ثقافة عن الأخرى،
فللمسلمين في شهر رمضان الكريم والمبارك العديد من العادات والتقاليد التي تختلف باختلاف البلد التي يعيشون فيها، فبالإضافة إلى الفروض والطاعات التي يطبقها العالم الإسلامي ويلتزم بها في شهر رمضان، تفرض الثقافات المختلفة عاداتها وتقاليدها على السلوكيات خلال الشهر الكريم، فرمضان جميل بقدسيته، جميل بمعانيه، جميل بأفعاله، رمضان يعني اشياء كثيرة وهناك تحليل لأحرف كلمته والتي تدل حسب ما فسره بعض من الملمين بفقه الدين وفقه المعاني، فالراء رحمة، والميم أمان من النار، والضاد ضمان الجنة، والنون نور من الله العزيز الجبار، بتأريخ 13 تموز عام 2012 نشرنا مقالة في مجالس حمدان بعنوان( أحاديث عن عادات أهلنا في شهر رمضان أيام زمان) حيث عبرنا عن رمضان الذي يعبق بذكريات وأحداث جميلة أختزنتها ذاكرتنا التي أمتزجت بالمشاعر الحلوة لايام وليالي شهر رمضان في بغداد الحبيبة، واليوم سنحاول من خلال تلك الوقفات أن نتوقف في الآمارت حيث نعيش الآن ومنذ عام 2006 وعاصرنا من خلالها رمضانات جميلة أهلتنا للتعرف على أبرز عاداته في هذا الشهر الكريم التي أمتزجت مع ثقافات أناس يعيشون ويعملون فيها، لشهر رمضان نكهة خاصة بالنسبة الى الأماراتيين والذين يعيشون فيها، تبدأ التهيئة ويبدأ الاستعداد لشهر رمضان المبارك من قبل حلول الشهربفترة قصيرة، ففي شهر شعبان وفي النصف الأخير منه الناس يقومون بالتسوق في الأسواق التعاونية والمحلات التجارية ، كما أن الناس تستعد لشهررمضان بإحضار التمور المنوعة ذات الأوصاف الجيدة المتوفرة من نخيلهم الكثيرة التي تنتج تمورا من الأنواع الجيدة والمعروفة وكذلك المستوردة من السعودية وبلدان أخرى، فمن الاستعدادات لهذا الشهر الكريم تزيين البيوت بطلائها وإعادة تنظيفها بالكامل وشراء أوانٍ جديدة، لتناول إفطار رمضان، وحيثما كنت فيها في رمضان، فسوف تجذبك رائحة معبقة مميزة تأتيك مع كل نسمة منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل، إنها رائحة المأكل والمشرب التي تفوح من الأبراج السكنية ومن فلل المواطنين، يظل لشهر رمضان مكانته الخاصة لدى سكان الأمارات وغيرهم من المقيمين، فقد توارثوا الاستعداد له والاحتفال به وخاصة ليلة الرؤية وأول سحور وأول يوم حينما تجتمع الأسرة على مائدة افطار واحدة في جو أسري جميل يضم كل أفرادها خاصة الجدات والأجداد الذين يمثلون النفحة الجميلة الباقية للحفاظ على تقاليد وعادات رمضان التي تميزه عن باقي شهور السنة، يعيش الجميع في اجواء روحانية من خلال الزيارات المتبادلة والافطار الجماعي مع الاهل والاصدقاء والمجالس الرمضانية الحافلة والتي تقام عقب صلاة التراويح وهي عبارة عن منتديات تتلاقح فيها الافكار ويتم مناقشة العديد من المواضيع.
يحرص الأماراتيون على إطلاق (مدفع الإفطار) كتقليدٍ مستمر عبر التاريخ للإعلان عن حلول موعد الإفطار بشكل متميز، فمدفع الشارقة الذي تطلقه شرطة الإمارة، يعد من أبرز التفاصيل السنوية التي لا تغيب في شهر رمضان، كما أن وقائع إطلاق المدفع عند الإفطار يخصص لها برنامج على تلفزيون الشارقة.
يتميز شهر رمضان في الأمارات بعاداتهم الموروثة وتقاليد المسلمين الوافدين والمقيمين الذين يضفون على الشهر الكريم نكهتهم وتنوعهم الغذائي ولكن تبقى المائدة الأماراتية مزدهرة بالهريس وهى تصنع من القمح المهروس مع اللحم ويضاف السمن البلدي والدارسين المطحونة والرز بطريقة البرياني أو المكبوس والثريد وهو عبارة عن خبز أو الرقاق مقطعا قطعا صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم الذى يحتوي بالغالب على أصناف من الخضراوات مثل البطاطس والباذنجان والشجر(القرع)، والسمبوسة، الحلويات وأصنافها الشرقية السائدة منها اللقيمات، فهى من حلويات شهر رمضان وتعمل من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر وتقطع لقيمات وتلقى فى الدهن المغلي حتى الاحمرار ثم توضع فى سائل السكر اوالدبس، طعمها لذيذ وقائدتها كثيرة، وأيضا هناك المحلبية وهي عبارة عن حليب وعيش الرز والسكر مضاف اليه الهيل والزعفران كذلك العصيدة، ونتيجة التطور أضيفت حلويات الكاستر والكيك بأنواعه والآيس كريم، وهذه الحلويات هي التي تزين مائدة الأفطار، كما تقدم ايضا بعض المشروبات فإذا حل رمضان بالصيف فيقدم شراب اللوز والتمر الهندي واللبن والفيمتو.
تمتازالأمارات بإقامة خيم شهر رمضان في العديد من مدنها خلال الشهر الكريم، والكثير منها يخصص للفقراء والمساكين وتستفيد الطبقة العاملة والفقيرة من هذه الخيم التي تقيمها عدة جهات منها البنوك والهلال الأحمر وبعض من الجمعيات الخيرية.
سواء كان الجو حاراً أم بارداً،المهم أن تنصب الخيمة قبيل بدء شهر رمضان كي تكون جزءاً من الأيام الرمضانية في حياة الصائمين وغيرهم من غير المسلمين،بعضها تكون من النوع الفاخر، فالخيمة المزركشة بالفوانيس والمعبقة برائحة البخور والطيبات، تصر على الاحتفاظ بشكلها القديم والتمسك بالفلكلور العربي الأصيل كالخيمة الشامية والخيمة الأندلسية والمصرية والنجدية ليعيش الفرد أياما في كنف ماضٍ جميل، فأكثر ما يميز الخيام الرمضانية هي أجواء السهر التي تمتد من الإفطار حتى السحور على أنغام موسيقى الزمن الجميل، والموشحات والأغاني لتمنح الزائرين المتعة وقضاء جو من البهجة وبمستوى عال من الخدمة والوجاهة وبمذاق متميز للفطور أو السحور، وبسبب الإقبال الكبير عليها خلال السنوات الأخيرة لم تعد تقتصر على الفنادق الكبرى، بل امتدت لتكون تابعة لمقاهٍ أو حتى تنصب على شوارع عامة.
كان المسحرجي وهم سمونه (بوطبيلة) والرجل لم يعينه أحد ولم توظفه الحكومة، لكنه نذر نفسه لتنبيه الناس بموعد السحور، يمر على البيوت والحارات راكباً حماره وكان يحتل مكانة كبيرة في القديم، حاملاً طبلاً صغيراً يطرقه خمس طرقات وهو يردد بعبارات رمضانية جميلة تحث النائم للأستيقاظ وتناول طعام السحور والصلاة مما يضفي طابعا متميزا على أجواء السحور( أصحى يا نايم وأذكر ربك الدايم)، لكن اليوم محيت هذه الشخصية تماماً وأصبح الناس يستيقظون على صوت الجوامع أو من خلال سهرهم مع البرامج التلفزيزنية.
يقوم بعض الأهالي من المواطنين بنصب الخيام الرمضانية في الأحياء لإقامة السهرات الرمضانية المليئة بالمحبة والفرح بقدوم شهر رمضان المبارك ويشهد السوق حركةً وانتعاشاً لتأمين حاجيات الناس من المؤونة كالأرز والتمر الهندي والحلويات الرمضانية، وبما أن الأمارات فيها الأبراج السكنية وهي الغالبة الآن يقوم سكان البرج والجيران بتبادل الأطباق الرمضانية ولهذا وخلال السنوات التي عشناها ونعيشها قد تذوقنا أكلات رمضان من لبنان وفلسطين ومصر وسوريا والباكستان والأمارات والجزائر والهند وأطباق دول اخرى .
تشهد أغلب ومعظم المساجد في دولة الأمارات ختم القرآن الكريم كاملا في صلوات التراويح طوال شهر رمضان فتلقى حفاوة كبيرة وأقبالاً ملحوضاً من المواطنين والمقيمين الذين يصطفون في صفوف طويلة تُقدر بالمئات في كل جامع خلف الأءمة القراء والحفاظ، كما تجسد الخيم الرمضانية التي تقام بجوار المساجد روح العطاء والمشاركة الإنسانية في شهر رمضان المبارك، حيث يجتمع الآلاف من الصائمين على اختلاف جنسياتهم وخلفياتهم المادية ومكانتهم الاجتماعية حول موائد الإفطار في أجواء تعكس القيم الرمضانية من التضامن والمساواة ومعايشة معانات المعدمين، وتقدم لهم وجبات إفطار مجانية بصورة يومية، وتشهد كذلك المساجد توزيع الوجبات الرمضانية التابعة للمؤسسات الخيرية والأفراد من ألمتبرعين من الشخصيات المتمكنة مادياً طيلة فترة هذا الشهر الكريم،وتقدم الى العمال وغيرهم من المقيمين حتى ولو كانوا غير مسلمين.
أقامت هذه السنة أمارة الشارقة دعوة فطور كبيرة فلقد بلغ طول المائدة 600 متر على امتداد كورنيش بحيرة خالد وهي دعوة عامة.
هناك عرف متبع وذلك من خلال قيام أغلب الشركات بدعوة منتسبيها وعوائلهم ليوم أفطار في احد المطاعم في الفنادق والأماكن العامة مما يخلق جواً من الالفة والمحبة وهذا العرف عادة يمارس في أغلب دول الخليج.
كما تشهد أيام وليالي شهر رمضان تنظيم عدد من المحاضرات التي يقدمها نخبة من العلماء المسلمين والقادمين من جميع أنحاء العالم ضمن برنامج معد سنويا وبأستضافة رئيس دولة الأمارات، ويبلغ عدد العلماء المشاركين في البرنامج 30 عالما لتغطية 20 عنواناً متنوعاً في المواضيع الدينية كأحكام الصيام والزكاة وأحكام الشريعة في العبادات والمعاملات والقضايا الأسرية والمجتمعية وغيرها، ويتم انعقاد هذه المحاضرات في المساجد في مختلف أنحاء دولة الأمارات.
حسبما قيل لنا من أحد المواطنين بأن السمة البارزة لشهر رمضان في الإمارات قديماً، كانت تميل إلى البساطة أكثر والى عدم التكلف وكان الجو الروحاني أعمق، وكان الرجال بعد أداء صلاة العشاء والتراويح يجتمعون في المجلس وهو المكان الخاص لتجمع أهل المنطقة لتبادل رواية أخبار الغوص والأسفار أو لأنشاد الشعر، وتتضاعف فيه الزيارات العائلية حيث تمتد السهرات والجلسات فيه حتى أذان الفجر، ومع تغير الزمان تغيرت العادات ولكن الذكريات تبقى عالقة، خلافاً لما نراه اليوم من مظاهر التمازج والتنوع الثقافي وبروز البهرجة والزخرفة والتسلية، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود.
719 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع