د.ضرغام الدباغ
مصير نظام ولاية الفقيه
الأجراس تقرع ... فالمستحقات التاريخية قد أزفت، والصخب يعلو، تسمع حتى من به صمم، أن العالم بأسره على شفا متغيرات عميقة، ومن لا يمتلك حساً تاريخياً سيفوته التحرك وفق الإيقاع الصحيح، وقد يخسر المباراة، ومن لا يؤمن بالشعب وبحركة التاريخ، سيقع في أوهام يحيكها بنفسها، ثم يقع فيها كشراك هو وليس غيره، وسيكون خارج جدول المباريات.
عام 1985، كنت ببغداد في جلسة مع 3 أصدقاء مخلصين، يمكنك التحدث أمامهم دون تحسبات، أن التيار السياسي الديني الإيراني قوي، لأنه يستولي على ذهن قليلي الثقافة والتعليم، وهم للأسف الأكثرية في إيران(وفي مجتمعات الشرق عموماً وإن بنسب متفاوتة)، قلت لأصدقائي، أن التيار الديني سيحكم إيران لنحو نصف قرن إلا إذا حدث أمر ما بتأثير خارجي. والتأثير الخارجي دائماً مؤثر في إيران. ومن يقرأ التاريخ بعلمية، يعلم أن المخابرات الأمريكية أسقطت حكومة د. مصدق عام 1954 أسقطت بواسطة مصارعي الزورخانات، ومدلكي الحمامات، وشقاوات وزعران البازار.
خلافاً لما يعتقده الكثير، وتروج له دوائر الغرب (مع معرفتها بأنه خطأ) أن إيران كيان سياسي حديث، والتاريخ لم يعرف كياناً بهذا الاسم إلا عام 1935، والمساحة خلف جبال زاغروس تناوب على الهيمنة عليها شعوب كثيرة من بينها الفرس، وبينهم سلالات تركمانية وآذرية/ تركية، وتسمية إيران تلفيق ابتدعته بريطانيا لتأسيس كيان يكون تماماً تحت خدمة مشاريعها السياسية. وله وظيفة واحدة، أن يقف حاجزاً بوجه الاتحاد السوفيتي، ويلعب دور المشاغب صانع مشاكل (Troublemaker) في الشرق الأوسط.
والغرب لا يهتم كثيراً من يقود الدفة، يهمه أن يقودها صوب أهداف يحددها هو، وفي حالة الفشل، أو ضرورات أخرى تحكمها السياسة، يمكن استبدالها بشخص آخر، ليس شرطاً ماذا يرتدي، عساه يرتدي مايوه سباحة، المهم أهدافنا ..! وهذه لعمري ممارسة صحيحة للبراغماتية ...! والغرب هو صانع الكيان السياسي المسمى إيران، لذلك هو من يحدد شكل وطبيعة الأهداف المقبلة، ومن سيلعب دور البطولة والأدوار الثانوية.
نظام الملالي كان خير من يحكم هذه الرقعة الجغرافية المستولى عليها والتي يمثل الفرس فيها الأقلية الأكثر تأثيراً، والكيان الذي أسسوه كان مهمته سلب العرب إقليم الاحواز لكي لا يصبح الخليج العربي بحيرة عربية، ولكي لا يضاف احتياطي نفطي هائل للأمبراطورية النفطية العربية. واقتطعوا بلوشستان من أفغانستان، لكي لا يضيفوا قوة 5 ملايين إضافية على قوة سكان افغانستان 40 مليون نسمة، أما الآذريون فيمثلون حجارة سنمار في البيت الإيراني، إذا اقتلعت، وهي ستقتلع يوماً، للالتحاق بالوطن الآذري في الشمال، ينهار الكيان الإيراني بأسره، وتكون نقطة انطلاق لفعاليات تركية في عموم منطقة أواسط آسيا.
بوجيز العبارة، إيران كيان خلق لأغراض وغايات الدول الاستعمارية، ولهذا فأن مصيره بصرف النظر عن هوية النظام الذي يحكمه (قاجاري، شاهنشاهي، ولاية فقيه)، هو بنسبة كبيرة بيد وإرادة الدول العظمى. ونظام الملالي (ولاية الفقيه) الذي تأسس عام 1979 تحت إشراف ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية هو مقبول ومدعوم ومسكوت عنه وعن جرائمه، طالما هو منفذ مطيع (كمحصلة) للتوجيهات، ولكن في اللحظة التي تصبح الخسائر أكثر من الأرباح، وأضراره أكثر من منافعه، تكون نهايته قد حلت.
نظام ولاية الفقيه نظام رجعي في فحواه وسداه، لذلك فهو معاد للتاريخ، ومعاد للتقدم ... وهذا العداء يتمثل بجلاء بالنتائج المادية لما يطلق عليه بالثورة الإسلامية، فهو في عداء مستحكم بكافة الشعوب المجاورة، فالنظام لا ينتج سوى الصدامات الدموية وأدواته من القوى والتشكيلات التي قائمة على مذهب التوسع بالقوة، ومنع عمليات التطور التاريخية في التنمية، ويصر على تصدير الخرافات الغيبية التي تتعارض مع جوهر التقدم والتنمية، وقمع دموي للقوى التقدمية في الداخل الإيراني وفي دول المحيط، وهذه النتيجة السوداء تضعه كمساعد أول للهجمة الإمبريالية على مشاريع التنمية والتقدم، وأن حالة العداء لا تتعدى الشعارات اللفظية، وأن النظام الإيراني (ولاية الفقيه) يقف في مقدمة المعوقات الحقيقية لمساعي بلدان وشعوب المنطقة في التحرر والتنمية.
الشعب الإيراني بكافة مكوناته، لأنه في الواقع مقدمة ضحايا هذا النظام المتخلف الدموي، هو في مقدمة من أدرك الطبيعة التراكبية للنظام، وهو ليس سوى أداة من أدوات حرف المسيرة التاريخية عن طريقها، لذلك يقدم الشعب الإيراني التضحيات بسخاء من أحل الخلاص من نظام الملالي، وما انتفاضته الحالية (أيلول / 2022) إلا حلقة في سلسلة ثورته التي ستتوج بالنصر .. كثمرة مستحقة للنضال الوطني، فالجماهير تهتف في الشوارع الإيرانية " آزادي " حرية . والنظام يقمعها بوحشية وحراب ما يسمى بالحرس الثوري، تحت وطأة غبار الخرافة والتخلف الولاءات الغير شرعية.
سينتهي كل هذا يوماً .... ويصبح من الماضي، والنظام الاسود الذي تريد أن تصدره بدعم الإمبريالية العلني والخفي سيرتد يوماً مدحوراً .. وستعيش الشعوب مرحلة جديدة من البناء والتعمير والتعاون المثمر المفيد سياسيا واقتصاديا وثقافياً. يوم سيأتي حتماً مهما غلت تضحيات النضال.
866 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع