د.ضرغام الدباغ
معطيات تاريخية قادت لمستقبل مظلم
السؤال الاهم ليس ان كانت هذه الانتفاضة الإيرانية (هي العاشرة) ستنهي نظام الملالي في طهران، لأن النظام ساقط تاريخياً، شرعيا وعرفيا، وكل المبررات المطروحة ليست اكثر من ذرائع لمواصلة وضع الكيان الايراني في شبكة المؤامرات الدولية وقد كتبنا مرارا أن الكيان الإيراني كان أسس (عام 1935) خصيصاً لموجهة تطورات الموقف في المشرق العربي، بعد أن ثبت لمن خططوا معاهدة سايكس بيكو بعد 15 عاما في تطبيقاته العملية، أن ثغرات وأبعاد فات المخططين للمعاهدة حسابها بدقة، وأدركوا أن أنهم بصدد مواقف مواجهات كبيرة مقبلة، وأبرز تلك الأبعاد هي أقتصادية، متمثلة بالأهمية الواعدة للطاقة في المشرق العربي، وأن المنطقة العربية مقبل على تحولات سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة ستضعها في مقدمة مناطق البؤر التحررية المناوئة للأستعمار وقد تنبأوا ذلك من خلال ثورة العشرين والثورة السورية العظمى والثورات والانتفاضات المصرية، الليبية، فكان لابد من خلق كيان صهيوني في فلسطين، وضرورة تأسيس كيان في هذه المنطقة المضطربة عرقيا (فرس" أكبر الاقليات"، آذريون / تركمان، كرد، لور، واقتطاع الأقليم الغني بموار النفطـ لمنع تشكيل بحيرة عربية وضم النفط الاحوازي للنفط العربي" واقتطاع جزء من افغانستان (بلوشستان" وأقامة كيان سياسي يمتد من تركيا وحتى البحر العربي) ومن جهة اخرى سيكون حاجزا لمنع توسعات محتملة للأتحاد السوفيتي وللافكار الاشتراكية التي كانت توعد بأنتشار واسع في تلك الارجاء، ولم يوقف الثورات الاشتراكية في تلك الارجاء إلا التدخل الاستعماري الكثيف وبشق الأنفس. لاحظ كم جوهرية هذه المعطيات.!
هذه كانت إذن ضرورات أستطلعها الانكليز والامريكان مبكراً بوصفهم قادة المعسكر الأستعماري الجدد الناتج عن الحرب العالمية الأولى. العالم كان يدار أستعماريا بشكل كامل، فالقارة ألأسيوية لم تكن تعرف دولا مستقلة إلا أمبراطورية اليابان وأفريقيا دولة ليبيريا، وأميركا اللاتينية كلها مستعمرة، فقط أوربا كانت دول مستقلة الغربية منها أستعمارية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، البرتغال، هولندة، إيطاليا)، لذا قرر الإنكليز التفاهم مع ضابط مغمور (بهلوي) لم يكن أكثر من سائس خيل في البلاط القاجاري، وسلموه نظاما ملكيا، برعايتهم وحمايتهم، وأسسوا دولة أحتاروا من أين يجدوا تسمية لهذا الكيان الغير مطروق في التاريخ، (إيران) حتى وجد الانكليز هذه التسمية تجمع بين الآريين والنهاية الاسيوية التقليدية( ان) وسيكون هذا مقنعاً للفرس العمود الفقري لهذا الكيان بوصفهم الأقلية الأكبر وقد تشيعوا لسبب واحد وحيد هو أن لا يخضعوا لدولة الخلافة العثمانيةالمركزية فجمعوا هذه القبائل المتناحرة في كيان سياسي واحد بقيادة قاسية شرسة، واجهت الانتفاضات والثورات الكردية والآذرية والعربية والبلوشية اللورية التركمانيةـ ولم يسقط النظام الإيراني وليس الدولة إلا بفعل ثورتين أثنين قام بها الفرس، إحداها عام 1954 بقيادة الحركة الوطنية الإيراني بقيادة د. محمد مصدق الأكاديمي الرصين، ذو الأفكار التحررية القريبة من الاشتراكيةـ فتوجس الغرب منه خيفة، وحين اقدم مصدق على تأميم النفط، قال الانكليز رضا بهلوي تنحى وسافر إلى المنفى مؤقتاً ريثما نتدبر الأمور، والشاه القليل المواهب الذي يفتقد لقاعدة سياسية او شعبية أو عسكري، ترك البلاد هاربا إلى روما. ولم يعد إلا بعد أنقلاب تمثيلي، أعدته المخابرات الأمريكية فعاد الشاه خائفا وطائعاً .. ولكن إلى حين ...!
الحركة الثورية الثانية كانت حين تململ الشعب الإيراني إذ بلغ فساد النظام الشاهنشاهي الذروة. والغرب يعلمون بدقة فساد الشاه ولدبهم مؤشرات في استقيال الشاه في المانيا الغربية، وتظاهرات الإيرانين ضد استقباله، ومن استنكار دعوة الرئيس الأمريكي كارتر لأستقباله في الولايات المتحدة بمظاهرات عارمة، أن بضاعتهم الفاسدة على وشك ان تسقط، ولا مانع لديهم، ولكن من هو المقبل ..؟ العسكريون بطبعهم مجازفون استبعدا من الاحتمالات، اليساريون من نقابة العمل التي بادرت وأشعلت نيران الثورة، وايدتها ثورات العرب الاحوازيين. يستحيل القبول بهم. الحركة الوطنية الإيرانية مقسمة ولم تحسم خياراتها، والوطني البارز د. شاهبور باختيار، أخطأ بأخياره العمل خارج التفاهمات، وأختار العمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفاهم مع الشاه المنهار.
يبدو لنا أن الولايات المتحدة في إطار التفاهم الأمريكي / الإنكليزي بحسب ما لديهم من تداخلات عالمية، قرروا أن أفضل من يمكن عمله هو التصدي للتيار اليساري المتصاع في العالم، هو الأتيان بحواجز دينية معادية للأشتراكية، فلا شيئ يسقط النظام البولوني الاشتراكي المنخور من فساد القيادات الاشتراكية (عدد من أعضاء المكتب السياسي لحزب العمال البولوني)، لها ولاءت للأجهزة الغربية في الخفاء ومن الوجود الشعبي القوى للكنيسة الكاثوليكية، فلا أفضل من أستخدام الكنسية بمواجهة الاشتراكية، فجيئ بالبابا البولوني كحبر اعظم للفاتيكان، وهو ما منح زخم قوي للتمرد البولوني وقيادته منظمة التضامن، وفي نفس الوقت كانت ثورة جنوب أفريقيا قد بلغت الذروة وجيئ بالقس ديزموند توتو رجل الغرب مرشحا للقيادة، وفي إيران بدا رجل الدين الفارسي الساخط والذي يلتف حوله الغوغاء ويتصف بالبرغماتية والمماطلة وكان يجيد الحوار وأعطاء الوعود لمنظمة مجاهدي الخلق، وللحركة الوطنية الإيراني بعد فصل بختيار وادار الحوار حتى مع الاكراد والحزب الشيوعي الإيراني، وهكذا بدا الخميني المطلوب المناسب للمخابرات الامريكية التي تولت إقامته بضاحية باريس في فيلا اجره الأمريكان له، وقدمت له التسهيلات يوم عودته لطهران على متن طائرة الجمبو التابعة للخطوط الجوية الفرنسية بحماية المقاتلات الأمريكية.
وبمعارضة وزارة الخارجية الامريكية وموقف غير حازم من السي آي أي(CIA) ورأي مرجح للرئيس كارتر الذي يكره شخصيا الشاه، بإنهاء عهد الشاه، فتفوق رأي الاستخبارات العسكرية الامريكية وعهد لجنرال من سلاح الطيران حنرال طيار روبرت هويزر(G. Robert Huyser) بتنفيذ المهمة ومنع الجيش إلإيراني من إنقاذ النظام وحفظ امن البلاد. وهو ما تم فعلاً في شباط / فبراير / 1979. وللخميني مهمة واحدة هي إغراق البلاد في بحر العداوات وتصفية الاجواء مبتدأ بالشيوعيين فأتهمهم بالتهمة المفضلة لمعادي الشيوعية بأنهم جواسيس موسكو، ثم تصفيات دموية للفصائل الكردية، ما لبث أن أبعدت كتلة مهدي بزكان، ثم الشيعة " الليبراليون" أول وزير خارجية للثورة قطب زادة، بعدها التيار التقدمي الشيعي المتمثل بمجاهدي خلق، واخيرا وليس آخرا كتم صوت الليبرالي التحرري (الرئيس ابو الحسن بني صدر ) الذي اعتقد بفكرة قديمة دارت في الكنيسة الاثودوكسية، وفي كذلك في الاسلام بأسم " الحركة الدهرية". وهي محاولة تجسير الهوة بين الدين والفلسفة (Schoolastic) "السكولاستية"، وناصبه الخميني العداء حتى تمكن بني صدر من أنقاذ نفسه في اللحظة الاخيرة، بالفرار إلى فرنسا وتوفي فيها. واغتيل آخر رئيس وزراء شرعي شاهبور باختيار، وأراد الخميني بعقله الحاقد توجيه لطمة للرئيس كارتر للوزارة الخارجية الأمريكية باحتجاز لا معنى له لطاقم السفارة الأمريكية، ولكن مع أختلاق الأسباب والمبررات للحرب مع العراق، ابتدأت مرحلة جديدة.
كان الخميني قد أوهم الامريكان أنه سيسقط النظام العراق بسهولة وهو أمر أسعد الأمريكان، ولكن بعد 8 سنوات من الحرب، كاد النظام الإيراني أن يسقط، قال لهم الأمريكان " قفوا هذه مهمة لن تقدروا عليه " وبمخطط دقيق ومدروس أجل الخميني معاركه العربية الأخرى لأنها تقع في مناطق حساسة، والعراق جدار صلب وعال ولا يمكن اسقاطه بسهوله وهو في المخطط الأمريكي منذعام 1973، فبدأت صياغة الخطط وتجنيد المشاركين واستنباط الذرائع، وللأسف أن يشارك عديد ممن ينبغي ان يضمهم الخندق العربي، أنظموا لجبهة العدو، واليوم يدرك الجميع انهم كانوا في عناصر في المخطط وفداحة ما ارتكبوا من خطأ، ولكن لات ساعة مندم ، فقد أسقطوا بأيديهم السد العالي وتفضلوا النتائج. وأميركا في تاريخها لم تقاتل من أجل حليف، ولكنها قاتلت في العراق على حسابها وخسرت الكثير جدأ وستخسر المزيد.
حسن نصر الله اللبناني اوهم بغداد بأنه قائد مقاومة، ولكنه كان يتفق سراً مع الإسرائيليين على حراسة الحدود. ثم توالت المؤامرات الأمريكية بتفاصيلها المعرفة تقريياً حتى يومنا الحالي، حين أتضحت المؤامرة الأمريكية / الأيرانية بأبعادها الكاملة .
اليوم العرب والمسلمون يواجهون خيارأ واحداً، أنت عليك أن تكون في خدمتنا بلا حدود، ونتدخل في شؤونك بلا حدود ونبتزك بصراحة بلا حدود، وبصراحة فجة لماذا .. لأن عبد الناصر كان قومياً، وصدام بعثياً، والسعودية تريد أن تنمو بدون موافقتنا، ودعم اللغم اليمني / الحوثي ليتسيد الساحة ويمثل تحديا دائميأ للخاصرة السعودية، والبحرين كذلك، ولنقسم سوريا، وندمر ليبيا، وندعم إسلاميوا الجزائر، ونعبث بشمال أفريقيا. والأدوات الأمريكية/الإيرانية، قائمة كبيرة نسبياً متفقة شكلياً، متناقضة جوهريا، ويبدو أن معسكر العدو قد اشتغل جيداً وأغدق الأموال بسخاء، ورغم واقعيتي الشديدة في السياسة، إلا أن بعض الأسماء التي باعت شرفها الوطني بصراحة أدهشتني بشدة ..!
الصراع الروسي / الغربي في الساحة الأوكرانية ستحسم قريباً، وهناك تقسيم دولي جديد، العالم سيشهد انبثاق أكثر من قطب، وزمن الأيديولوجيات ولى، والمصالح الاقتصادية / القومية / الطائفية ستكون هي دليل الكتل الرأسمالية حسب نظرية فرانسيس فوكويا وصامويل هينتغتن، وهما ينظران لعالم التسيد الأمريكي ولكنه انتهى بكارثة دموية، أمريكا ستنكفئ في قارته، ومعها بريطانيا وكندا وأسترليا ونيوزيلندة، وهذا تصفيف أولي قابل للتعديل،
أوربا ستبقى في قارتها وصفوفها غير مترابطة، فخلاف الآراء متعدد وواسع، وروسيا ستكون القوة الأكبر في أوربا مع تحالف وثيق مع الصين وقوى آسيوية ... ومن بين هذه القوى الصاعدة، تتصاعد قوى عربية هي مصر والسعودي والجزائر، ويحتمل المغرب.، فأين العراق، وأين من باع الأوطان من أجل الكرسي في سورية ولبنان، واليمن .؟ ألا تعتبرون من عبرة رفعت الأسد الذي حلبوه ثم طاردوه في أروقة المحاكم ..!
نظام الملالي ساقط ومنتهي، لأن قوامه مؤسس على خطأ، نظام سياسي قائم على غيبيات، وشعب يدرى أنه أضاع عقوداً ثمينة في حروب توسع مستحيلة، بلد مهشم عرقيا وطائفياً ونظام يتدرع بالطائفية والعرقية، إليس في هذا تناقض غريب ..؟ يعتقدون أن بوسعهم بمعسول الكلام خداع الجميع، وإن بحر السياسة عميق والتأمر والخبث يصلح في جميع المراحل... وفي النهاية حين لا يعد هناك فائدة ترتجى، يقذفون بهم إلى سلة النفايات، فأنت لست قويا ولا كبيرا ولا تعرف كيف تدبر أمورك، منذ 43 عاما وأنت في السلطة ولم تنجح في موقعة إلا حين دفعنا نحن تكاليف نجاحك ...فانت لست أثمن من الشاه البهلوي الأول عباس والثاني رضا، وكلاهما مدفونان في خارج إيران.!
من خواطري، أني ذات يوم سألت صديقا حميماً وكان يعمل مدرسا للمنطق في حوزة النجف، قلت له " أخي الكريم، هل تخبرني بربك لماذا سقط وأندثر النظام الفاطمي بعد أن أتسع وبلغ شأنا عظيما في إحدى مراحله واليوم لا تجد شيعي واحد في تلك الساحات ؟" فذهل الرجل وقال " لا والله لا أعرف أخبرني رجاء " قلت " سأخبرك غداً لتفكر بالجواب"، وفي اليوم التالي بكر بالقدوم عندي وطالب الجواب " قلت بأختصار " لاحظ أن الفاطميين / الاسماعيلية خانوا الدين والأمة وتحالفوا مع الصليبيين، هل عرفت رباط السالفة ...؟" تطلع إلى بعمق ... " طبعا دكتور ... طبعاً كل شيئ مفهوم".
والله بصدق أنا آسف على أصدقاء عراقيين وعرب أعرفهم، كانوا تقدميين وقوميين، وبعضهم ماركسيين، ومثقفين " يمكن وصف هؤلاء هكذا للأسف " اليوم باعوا أنفسم إما مقابل الامان أو المكاسب، أو أنهم مثقفين مزورين. أو أي شيئ آخر، لكنهم للأسف سقطوا .. شر سقطة ..جماهير الشيعة العريضة الواسعة ستشعر أنه تعرضوا لعملية غش وتدليس منقطعة النظير دامت لقرون ... الشيعة العراقيون عرب وعراقيون ...
ملالي إيران سيسحلون في شوارع طهران من عمائمهم، ... العمل السياسي الإسلامي سيسقط بما ذلك الاحزاب السياسية السنية، بعد أن فعلت الكثير وساهمت بخداع الناس البسطاء والسذج من الناس، واساؤا للإسلإم بشكل عميق, وأساءت لدول وشعوب المنطقة واعتدت على سيادتها بتفويض وتوجيه من الغرب، وبعد زوال نظام الملالي سيحتاج إصلاح الأوضاع لوقت غير قصير، ولكن الإسلام باق بقوة الرافض التحزب والجهل والطاعة العمياء بغباء.
المرتكزات الحقيقية للوجود المادي هي: العراق باق وموحد، وعربي الهوية، هذه هي المرتكزات الحقيقة الثابتة، وسيعاد إعماره مره بنظام سياسي متقدم يراعي الشروط السياسية والاجتماعية بالنكهة العربية الاسلامية الأصيلة وليس تقليداُ لتجربة أخرى ولا بأهواء طائفية, في مقدمة الشروط لكل عمل هو الأبتعاد التام عن علاقة خارجية مؤثرة على القرار الوطني، وسوى ذلك فهي مداولات داخلية. سنتوصل بطريقة قانونية سلمية ان نتفهم بعضنا، طالما نحن متفقون على الثوابت بلا تعصب ولا تطرف ولا غلو .... فليتخل الجميع عن أوهام السيطرة وعن الأعتقاد بأنه الأوحد على حق، وأن الجميع ... الجميع هم مواطنون من أكبر رأس وحتى أبسط عامل وفلاح ... لا يوجد فرد ولا جهة بمقدورها أن تقرر شؤون البلاد،
1722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع